اسلام سيفلايزيشن -السيد فالح آل الحجية الكيلاني
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
اسلام سيفلايزيشن -السيد فالح آل الحجية الكيلاني

الحضارة الاسلامية باشراف المهندس خالدصبحي الكيلاني والباحث جمال الدين فالح الكيلاني


أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

ابن المعتز وابو تمام بقلم د.فالح الكيلاني

اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

فالح الحجية

فالح الحجية
Admin




ابن المعتز


*هو ابو العباس عبد الله بن الخليفة محمد المعتز بن الخليفة المتوكل بن الخليفة المعتصم بن الخليفة هارون الرشيد فهو خليفة بن خليفة ......

و لد ابن المعتز سنة \ 247هجرية - سنة / 861 – ميلادية ونشأ في البلاط العباسي نشأة ترف ودلال وتتلمذ على ايدي اكابر العلماء في اللغة والادب والثقافة فنشأ محبا للا دب والفن والشعر منذ طفولته .

قَتَل أتراكُ القصر وخدامه أباه المعتز ونُفيَ عبد الله إلى مكة وهو في مقتبل العمر، وعاش في كنف جدته التي صُودِرَتْ أموالهُا. وبعد عودته إلى سُامراء ثم إلى بغداد، ظلت حياته مضطربة تعاني ابتلاءات الدولة العباسية، فانصرف يلتمس السلوى في اللهو والمجون فاخذا جانبا من حياته، ولكن هذا الجانب لم يستطع أن يُخفي صورة علَمٍ من أعلام الشعر العربي ومؤلف له حضوره في تاريخ الثقافة العربية. ولما أُطيح بالمقتدر في سنة \296هجرية ـ بويع عبد الله بن المعتز بالخلافة لكن خلافته لم تستمر أكثر من يوم وليلة. فقتله قتلة ابيه ومات ابن المعتز مقتولا في تلك السنة فكان حلقة في سلسلة مهزلة الإطاحة بخلفاء بني العباس على أيدي الأتراك السلاقة منذ عهد جده المتوكل المتوفي سنة \247هـجرية ).

أخذ ابن المعتز الأدب عن اساتذته واساطينه في ذلك العهد أبي العباس المبرد المتوفي \ 286هـجرية وأبي العباس ثعلب المتوفى سنة \291هـجرية وهما أشهر علمين من أعلام تلك المرحلة. واختص به محمد بن هبيرة الأسدي المعروف بصعوداء وعمل له رسالة فيما أنكرته العرب على أبي عبيد القاسم بن سلام ووافقته فيه.

آلت الخلافة في أيام ابن المعتز إلى المقتدر العباسي فاستصغره القواد والامراء في الدولة فخلعوه وأقبلوا على ابن المعتز وهو الشاعر الفاهم العالم فبايعوه بالخلافة ولقّبوه (المرتضى بالله) غير عابه بها فأقام بها يومًا وليلة بعدها وثب عليه غلمان المقتدر فخلعوه وعاد المقتدر اليها فقبض عليه وسلمه إلى خادم له اسمه (مؤنس) فخنقه. فقضى عليه لاحظ قوله يصف نفسه :

قليل هموم القلب الا للذة
ينعم نفســـــــــا اذنت بالتنقل

فان تطلبه تقتنصه بحانة
والا ببستان وكرم مظلل

يعب ويسقي اويسقى مدامة
كمثل سراج لاح في الليل مشعل

ولست تراه سائلا عن خلافة
ولا قائلا من يعزلون ومن يلي

توفي الخليفة الشاعر ابن المعتز عام \296 هـجرية - /908 ميلادية

عدَّه أهل التراجم في جملة الأدباء والعلماء. كان غزير الأدب شاعراً ناقدا بلاغيا. وكان مجلسه من منتديات الثقافة والادب في عصره. وقد أخذ من كل فن من العلوم بنصيب.

ومهما اختلف الناس حول حياة ابن المعتز، فإن عِلمَه عوَّضَه عن إخفاقَه في السياسة ولو انه لم يحكم طويلا فلم يخفق بها - وكان الخلفاء العباسيون مغلوبين بعد المتوكل على امرهم - و منحه مكانة جيدة في الثقافة العربية و تشهد له مؤلفاته بالعبقرية.
قال محمد بن النديم عنه في كتابه الفهرست :

( كان واحد دهره في الأدب والشعر وكان يقصده فصحاء الأعراب ويأخذ عنهم ولقي العلماء من النحويين والإخباريين كثير السماع غزير الرواية )
اما ياقوت الحموي فقد قال عنه:

( وقد لقي طائفة من جِلَّة العلماء كأبي العباس المبرد وثعلب وتأدب عليهما ولقي أبا علي الحسن بن عليل العنزي، وروى عنه وروى عنه شعرَه جماعة منهم أبو بكر الصولي فأما شعره فهو الغاية في الأوصاف والتشبيهات، يُقرُّ له بذلك كلُّ ذي فضل)

وقال عنه ابن خلكان:

(كان أديبا بليغاً شاعراً مطبوعاً مقتدراً على الشعر قريبَ المأخذ سهلَ اللفظ جيِّدَ القريحة حسنَ الإبداع مخالطاً للعلماء والأدباء معدودا من جملتهم .
فابن المعتز أحد شعراء البديع وأحد أئمة الشعر المحدَث ففي شعره رِقَّةٌ مُلُوكِيَّةٌ وغَزَلُ الظرفاءِ وهَلْهَلُة المحدثين

وقال عنه ابن رشيق:

( وما أعلمُ شاعراً أكمل ولا أعجب تصنيعاً من عبد الله بن المعتز فإن صَنْعَتَهُ خفيةٌ لطيفة لا تكاد تظهر في بعض المواضع إلا للبصير بدقائق الشعر وهو عندي ألطفُ أصحابِه شعراً، وأكثرُهم بديعاً وافتتاناً وأقربُهم قوافيَ وأوزاناً ولا أرى وراءه غايةً لطالبها في هذا الباب) وهو يرى أن علم البديع والصنعة فيه انتهيا إليه، وخُتما به

واقول ابن المعتز أحد العلماء المتحققين بالبديع ومن أهم ما تميز به شهادة معاصريه له بالتحقق بالبديع اذ ان التخصص تامعرفي بقضية البديع انتهت إليه بحيث أصبح الخبير الأول بحقيقتها وإليه بها يحتكم الشعراء. فقد كان كثير السماع غزير الرواية يلتقى العلماء من النحويين والإخباريين ويقصد فصحاء الأعراب ويأخذ عنهم ولكنه كان بارعا في الأدب، وقول الشعر وعارف محاسنه مهتما بنقد المحدثين وكان من اوائل من انشد في الموشحات وأ وجدها لاحظ قوله في
احد الموشحات :

ايها الساقي اليك المشتكى
قد دعوناك وان لم تسمع

فابن المعتز شاعر محدث ومن الشعراء المولدين وهو يُناصر الشعر المحدث ويُنظِّر له فهذا الشعر أصبح حقيقة ماثلة في الوجود العربي تتفاعل معه مرحلته وما عاد يُعابُ منه إلا ما سقط في التكلف الممقوت الذي تأباه الفطرة والذو ق السليم .


اما قصيدة ابي نؤاس الميمية فقد عارضها ابو تمام بقصيدة ميمية مشابهة لها في الوزن والموسيقى والقافية والروي .
قال ابو نؤاس :

يا دارُ مافعلـــــــــتْ بكِ الأيــــــامُ
ضامتْكِ والأيــــــــــامُ ليس تُضامُ

عَرَمَ الزَمانُ عَلى الَّذينَ عَهِدتُهُم
بِكِ قاطِنينَ وَلِلزَمــــــــانِ عُرامُ

أَيّامَ لا أَغشى لِأَهلِكِ مَنــــــزِلاً
إِلّا مُراقَبَةً عَلَيَّ ظَــــــــــــلامُ

وَلَقَد نَهَزتُ مَعَ الغُواةِ بِدَلوِهِم
وَأَسَمتُ سَرحَ اللَهوِ حَيثُ أَساموا

وَبَلَغتُ ما بَلَغَ اِمرُؤٌ بِشَبابِهِ
فَإِذا عُصـــــارَةُ كُلُّ ذاكَ أَثامُ

وَتَجَشَّمَت بي هَولَ كُلِّ تَنوفَةٍ
هَوجاءَ فيها جُرأَةٌ إِقـــــــدامُ

تَذَرُ المَطِيَّ وَرائَها فَكَأَنَّهـــــا
صَفٌّ تَقَدَّمَهُنَّ وَهيَ إِمـــــامُ

وَإِذا المَطِيُّ بِنا بَلَغنَ مُحَمَّداً
فَظُهورُهُنَّ عَلى الرِجالِ حَرامُ

قَرَّبنَنا مِن خَيرِ مَن وَطِئَ الحَصى
فَلَها عَلَينا حُرمَةٌ وَذِمــــــــامُ

رُفِعَ الحِجابُ لَنا فَلاحَ لِناظِرٍ
قَمَرٌ تَقَطَّعُ دونَهُ الأَوهــــــامُ

مَلِكٌ إِذا عَلِقَت يَــــــداكَ بِحَبلِهِ
لا يَعتَريكَ البُؤسُ وَالإِعدامُ

مَلِكٌ تَوَحَّدَ بِالمَكارِمِ وَالعُلى
فَردٌ فَقيدُ النِدِّ فيهِ هُمــــــامُ

مَلِكٌ أَغَرُّ إِذا شَرِبتَ بِوَجهِهِ
لَم يَعدُكَ التَبجيلُ وَالإِعظامُ

فَالبَهوُ مُشتَمِلٌ بِبَدرِ خِلافَةٍ
لَبِسَ الشَبابَ بِنورِهِ الإِسلامُ

سَبطُ البَنانِ إِذا اِحتَبى بِنِجادِهِ
فَرَعَ الجَماجِمَ وَالسِماطُ قِيامُ

إِنَّ الَّذي يَرضى الإِلَهُ بِهَديِهِ
مَلِكٌ تَرَدّى المُلكَ وَهوَ غُلامُ

مَلِكٌ إِذا اِعتَسَرَ الأُمورَ مَضى بِهِ
رَأيٌ يَفَلُّ السَيفَ وَهوَ حُسامُ

داوى بِهِ اللَهُ القُلوبَ مِنَ العَمى
حَتّى أَفَقنَ وَما بِهِنَّ سَــــــقامُ

أَصبَحتَ يا اِبنَ زُبَيدَةَ اِبنَةِ جَعفَرٍ
أَمَلاً لِعَقدِ حِبالِهِ اِســــــــتِحكامُ

فَسَلِمتَ لِلأَمرِ الَّذي تُرجى لَهُ
وَتَقاعَسَت عَن يَومِكَ الأَيّامُ *




ابو تّمــــــــــا م




* هو حبيب بن اوس الحارث بن بن قيس بن الأشج بن يحيى أبو تمام الطائي، الشاعر الأديب ينتمي الى قبيلة طي العربية وقد اختلف مؤرخوا الادب في نسبه الى طي كما اختلفوا في مكان ولادته وزمنها .

ولد ابو تمام سنة\ 188 هجرية وأصله من قرية جاسم من عمل الجيدور بالقرب من طبرية احدى القرى التابعة لاعمال دمشق ويقال انه ولد من اسرة فقيرة معدمة تدين بالنصرانية وقد انتقلت عائلته الى دمشق طلبا للرزق والمعاش وهو لما يزل طفلا صغيرا فاثر ابوه واسمه (تدوس) الانتقال الى دمشق لكسب الرزق وفتح حانة فيها

امـــا حبيب فاشتغل مساعد عند قزاز في المدينة وقيل تفتحت قريحته الشعرية في سن مبكرة .

و ذكر انه فكر في امـر عقيدته الــدينية فنبـذ النصرانية واسلم وغير اسم ابيه من تدوس الى اوس اذن نشأ في دمشق التي كانت جنة الدنيا وروضة من رياضها فتأثـــــر بهذه البيئة ولاريب في ذلك لما للبيئة من تأثير على الادباء والشعراء ثم انتقل مـن دمشق الى حمص وهناك اتصل بشاعرها المعروف (ديك الجن ) ولازمه فاحبه وساعده على المضي في طريقه في نظم الشعر لما لاحظ فيه قريحة وقادة وشاعرية بدات تتفتح وقــد كسب ابو تمام منه اشياء لاباس بها0

بعد ان اشتد ساعده وتفتحت ملكته الشعرية انخرط في مدح اسرة طائية ردحا من الزمن حتى قيل ان نسبته الى طي كانت بسبب مدحه لهذه العائلة والصحيح ان نسبه الى طي راجع (( النظام فـــي شرح شعر المتنبي وابي تمام لابن المستوفي الاربلي فتفتحت مواهبه في سن مبكرة.

وبقي في حلب ردحا من الزمن ثم رحل بعدها متوجها الى مصر وفي مصر في حداثته اخذ يسقي الناس الماء في المسجد الجامع ثم جالس بعض الأدباء فأخذ عنهم وكان فطنا فهما وكان يحب الشعر فلم يزل ينظمه حتى قال الشعر فأجاد فيه حتى قيل واستقى الادب من مناهله الحقة في ذلك الجامع الذي كانت تعقد فيه مجالس للدرس والتعلم في كل العلوم بما فيها الادب والشعر فكان فيه يسقي الماء ويستسقي العلم مكانه وكذلك اطلع اطلاعا واسعا على علوم القران الكريم وتاثرفي اسلوبه حتى قيل انه حفظ القران الكريم كله.

بعد خمس سنوات قضاها في مصر تكاملـــت شاعريته وثقافته انفرد في مدح رجل يقال له (عياش بن هليعة ) حضرمي على امل مناه به الا انه طال مكوثه لم ينل امنيتــــه فهجره وهجاه وقد ساءت حاله فــي مصر بعد ذلك فذكر اهله واحبته في الشام وزاد حنينه اليها حيث الاهل والاخلاء فتوجه اليها من جديد عائدا الى الشام .

في اثناء عودته الى الشام استغل وجود الخليفة المامون فيها فمدحه لكن الخليفة اعرض عنه لانه علوي الراي_ كما قيل _الا انه كانت قد طارت شهرته وعرف بقصيده وشعره الجيد.

بقي ابو تمام متجولا متنقلا من بلد الى اخر ناظما الشعر وقيل انه كان كان يحفظ أربعة عشر ألف أرجوزة للعرب غير القصائد والمقاطيع وغير ذلك. حتى طارت شهرته وعرف في كل الاوساط العربية الرائعة.
وكان الشعراء يقصدون أبا تمام طلبا لاعترافه بهم ونصحه لهم حيث كان خبيرا بالصنعة الفنية في الشعر فلما وفد عليه البحتري مع جمع من الشعراء قال أبو تمام للبحتري:
- أنت أشعر من أنشدني فكيف حالك
.
ويبدو أن إعجاب ابي تمام به دفع البحتري إلى الاطمئنان اليه على أمور معاشه فشكا البحتري اليه بؤسه وفقره فوجهه أبو تمام برسالة توصية إلى أهل معرة النعمان مؤكداً على شاعريته المتفتحة وكأنه يدفع به إلى مسيرته الطويلة

وكان يقال: ظهر في طيء ثلاثة:

حاتم الطائي في كرمه وداود الطائي في زهده، وأبو تمام في شعره.

و كان من الشعراء في زمنه جماعة فمن مشاهيرهم: أبو الشيص والبحتري ودعبل الخزاعي وابن أبي قيس وكان أبو تمام من خيارهم دينا وأدبا وأخلاقا وشعرا .
ومن رقيق شعره قوله:

يا حليف الندى ويا معدن الجود
ويا خير من حويت القريضا

ليت حماك بي وكان لك الأجـ
ـر فلا تشتكي وكنت المريضا

. اشتهر ابو تمام بالمدح والوصف والرثاء واغراض اخرى برع فيها كثيرا

ولما اصبح المعتصم خليفة المسليمن استقدمه واتخذه شاعر الدولة وجعله من شعرائه وخاصته وفضله على غيره من الشعراء لقوة شعره وبلاغته الا انه رغم ذلك ظل متجولا لجبولته على التنقل وقد تنقل بين الشام ومصر والعــراق وفارس حيث مدح والى خراسان هناك ثم عاد الى بغداد وعندما رجع الخليفة المعتصم منتصرا ضافرا فاتحا عمــورية تلقاه الشاعر ابو تمام مادحا اياه ببائيته المشهورة:-

السيف اصدق انباءا من الكتـــــــــب
في حده الحد بين الجد واللعـــــب
.
ونقل ابن خلكان:

ان ابا تمام قد امتدح أحمد بن المعتصم ويقال ابن المأمون بقصيدته التي يقول فيها:

إقدام عمرو في سماحة حاتم
في حلم أحنف في ذكاء إياس

فقال له بعض الحاضرين: أتقول هذا لأمير المؤمنين وهو أكبر قدرا من هؤلاء؟ فإنك ما زدت على أن شبهته بأجلاف من العرب البوادي.
فأطرق إطراقة خفيفة ثم رفع رأسه فقال:

لا تنكروا ضربي له من دونه
مثلا شرودا في الندى والباس

فالله قد ضرب الأقل لنــ،ــــوره
مثلا من المشـــــــكاة والنبراس

فلما أخذوا القصيدة منه لم يجدوا فيها هذين البيتين، وإنما قالهما ارتجالا.

مدح ابو تما م المعتصم وبعض القادة والولاة واصحاب النفـــــوذ
اذ كان من المتكسبين في الشعر وظل يتنقل بين بغداد والشام وزار خراسان واتصل بكثر من الرجال منهم عبد الملك الزيات الذي كان وزيرا للخليفة الواثق فقربه فاكرمه الواثق واحسن اليه الا انه ترك بغداد متجها صوب الموصل وكا ن فيها ابن وهب حيث ولاه بريد الموصل التي بقي فيها اقل من حولين ثم وافته المنية .

توفي ابو تمام في الموصل عام \ 231 هجرية – 839 ميلاديـــة
ابو تمام من فحول شعراء العربية ويمتاز شعره بالصياغة اللفظية والصناعة الشعرية حيث كان ينتقي لقصائده احسن الاساليب و من المعاني افضلها ذو شاعرية وقادة متفتحة اشتهر بالمدح والوصف والرثاء واغراض اخرى برع فيها كثيرا . فابو تمام مـن فحول الشعراء العـــــــــــــــرب المعدودين شاعر ذو شخصية نافذة وثقافة واسعة وفكر ثاقب وادراك واسع ذو شاعرية عبقرية وقريحة فياضة يغلب على شعره المتانــــــة الشعرية والرزانة وقوة السبك وغرابة اللفظ فلا يتسنى فهمه الا بعد رويــة واناة ومن لهم باع في العربية اكثــر من الغريـب فيه ولا ريب في ذلك فهو شاعر قوي المعرفة قوي الاحساس واسع الثقافة فاهم اللغة متظلعا فيها فظهرت كـل هذه الامور في شعره حتى الفلسفة.

اضف الى ذلك انه شاعر مبدع ابتكر الالفاظ وطورها والمعاني وصورها خاض جل الفنون الشعرية واغراض الشعر وابدع في المدح والوصف خاصة ويتجلى في مدحه انه شاعر معتمد على نفسه فخورا بها يندفع في مدحه بحماس وجراءة شديدة تدل على شجاعته ونفسيته القوية ومدحه يفوق من حيث الجودة بقية شعره حسن التعبير كما نلحظ فيه التناقض وحبه اللفـظ الغريب ومن جيد مدحه .

قال ابو تمام معارضا لقصيدة ابي نؤاس الميمية المذكورة اعلاه :


دِمَنٌ أَلــــــــَمَّ بِها فَقالَ سَـــــــلامُ
كَم حَلَّ عُقدَةَ صَبرِهِ الإِلمــــامُ

نُحِرَت رِكابُ القَومِ حَتّى يَغبُروا
رَجلى لَقَد عَنُفوا عَلَيَّ وَلاموا

عَشِقوا وَلا رُزِقوا أَيُعذَلُ عاشِقٌ
رُزِقَت هَواهُ مَعالِمٌ وَخِيــــــامُ

وَقَفوا عَلَيَّ اللَومَ حَتّى خَيَّلوا
أَنَّ الوُقوفَ عَلى الدِيارِ حَرامُ

ما مَرَّ يَومٌ واحِــــــدٌ إِلّا وَفي
أَحشائِهِ لِمَحِلَّتَيكِ غَمــــــــامُ

حَتّى تُعَمَّمَ صُلعُ هاماتِ الرُبا
مِن نَورِهِ وَتَأَزَّرَ الأَهضامُ

وَلَقَد أَراكِ فَهَل أَراكِ بِغِبطَةٍ
وَالعَيشُ غَضٌّ وَالزَمانُ غُلامُ

أَعوامُ وَصلٍ كانَ يُنسي طولَها
ذِكرُ النَوى فَكَأَنَّها أَيّــــــــامُ

ثُمَّ اِنبَرَت أَيّامُ هَجرٍ أَردَفَت
بِجَوىً أَسىً فَكَأَنَّها أَعوامُ

ثُمَّ اِنقَضَت تِلكَ السُنونُ وَأَهلُها
فَكَأَنَّها وَكَأَنَّهُم أَحــــــــــــلامُ

أَتَصَعصَعَت عَبَراتُ عَينِكَ أَن دَعَت
وَرقاءُ حينَ تَصَعصَعَ الإِظلامُ

لا تَنشِجَنَّ لَها فَإِنَّ بُكاءَهــــــا
ضَحِكٌ وَإِنَّ بُكاءَكَ اِستِغرامُ

هُنَّ الحَمامُ فَإِن كَسَرتَ عِيافَةً
مِن حائِهِنَّ فَإِنَّهُنَّ حِمـــــــامُ

اللَهُ أَكبَرُ جاءَ أَكبَرُ مَن جَرَت
فَتَحَيَّرَت في كُنهِهِ الأَوهـــامُ

مَن لا يُحيطُ الواصِفونَ بِقَدرِهِ
حَتّى يَقولوا قَدرُهُ إِلهــــــامُ

مَن شَرَّدَ الإِعدامَ عَن أَوطانِهِ
بِالبَذلِ حَتّى اِستُطرِفَ الإِعدامُ

وَتَكَفَّلَ الأَيتامَ عَن آبائِهِـــــم
حَتّى وَدِدنا أَنَّنا أَيتـــــــــامُ

مُستَسلِمٌ لِلَّهِ ســـــائِسُ أُمَّةٍ
لِذَوي تَجَهضُمِها لَهُ اِستِسلامُ

يَتَجَنَّبُ الآثامَ ثُمَّ يَخافُها
فكَأَنَّما حَســــــــَناتُهُ آثــــــــامُ

يا أَيُّها المَلِكُ الهُمامُ وَعَدلُهُ
مَلِكٌ عَلَيهِ في القَضاءِ هُمامُ

ما زالَ حُكمُ اللَهِ يُشرِقُ وَجهُهُ
في الأَرضِ مُذ نيطَت بِكَ الأَحكامُ

أَسَرَت لَكَ الآفاقُ عَزمَةُ هِمَّةٍ
جُبِلَت عَلى أَنَّ المَسيرَ مُقامُ

إِلّا تَكُن أَرواحُها لَكَ سُخِّرَت
فَالعَزمُ طَوعُ يَدَيكَ وَالإِجذامُ

الشَرقُ غَربٌ حينَ تَلحَظُ قَصدَهُ
وَمَخالِفُ اليَمَنِ القَصِيِّ شَآمُ

بِالشَدقَمِيّاتِ العِتاقِ كَأَنَّمـــا
أَشباحُها بَينَ الإِكامِ إِكـــــامُ

وَالأَعوَجِيّاتُ الجِيادِ كَأَنَّها
تَهوي وَقَد وَنَتِ الرِياحُ سَمامُ

لَمّا رَأَيتَ الدينَ يَخفِقُ قَلبُهُ
وَالكُفرُ فيهِ تَغَطرُسٌ وَعُرامُ

لَوَرَيتَ زَندَ عَزائِمٍ تَحتَ الدُجى
أَسرَجنَ فِكرَكَ وَالبِلادُ ظَلامُ

فَنَهَضتَ تَسحَبُ ذَيلَ جَيشٍ ساقَهُ
حُسنُ اليَقينِ وَقادَهُ الإِقــــدامُ

مُثعَنجِرٍ لَجِبٍ تَرى سُـــــــلّافَهُ
وَلَهُم بِمُنخَرِقِ الفَضاءِ زِحامُ

مَلَأَ المَلا عُصباً فَكادَ بِأَن يُرى
لا خَلفَ فيهِ وَلا لَهُ قُــــــــدّامُ

بِسَواهِمٍ لُحُقِ الأَياطِلِ شُرَّبٍ
تَعليقُها الإِسراجُ وَالإِلجــــامُ

وَمُقاتِلينَ إِذا اِنتَمَوا لَم يُخزِهِم
في نَصرِكَ الأَخوالُ وَالأَعمامُ

سَفَعَ الدُؤوبُ وُجوهَهُم فَكَأَنَّهُم
وَأَبوهُمُ سامٌ أَبوهُم حـــــــامُ

تَخِذوا الحَديدَ مِنَ الحَديدِ مَعاقِلاً
سُكّانُها الأَرواحُ وَالأَجسامُ

مُستَرسِلينَ إِلى الحُتوفِ كَأَنَّما
بَينَ الحُتوفِ وَبَينَهُم أَرحامُ

آسادُ مَوتٍ مُخدِراتٌ ما لَها
إِلّا الصَوارِمَ وَالقَنا آجــــامُ

حَتّى نَقَضتَ الرومَ مِنكَ بِوَقعَةٍ
شَنعاءَ لَيسَ لِنَقضِها إِبـــــرامُ

في مَعرَكٍ أَمّا الحِمامُ فَمُفطِرٌ
في هَبوَتَيهِ وَالكُماةُ صِيامُ

وَالضَربُ يُقعِدُ قَرمَ كُلِّ كَتيبَةٍ
شَرِسِ الضَريبَةِ وَالحُتوفُ قِيامُ

فَفَصَمتَ عُروَةَ جَمعِهِم فيهِ وَقَد
جَعَلَت تَفَصَّمُ عَن عُراها الهامُ
\
أَلقوا دِلاءً في بُحورِكَ أَسلَمَت
تَرَعاتِها الأَكرابُ وَالأَوذامُ

ما كانَ لِلإِشراكِ فَوزَةُ مَشهَدٍ
وَاللَهُ فيهِ وَأَنتَ وَالإِســــــلامُ

لَمّا رَأَيتَهُمُ تُساقُ مُلوكُهُم
حِزَقاً إِلَيكَ كَأَنَّهُم أَنعـــــــامُ

جَرحى إِلى جَرحى كَأَنَّ جُلودَهُم
يُطلى بِها الشَيّانُ وَالعُلّامُ

مُتَساقِطي وَرَقِ الثِيابِ كَأَنَّهُم
دانوا فَأُحدِثَ فيهِم الإِحرامُ

فَرَدَدتَ حَدَّ المَوتِ وَهوَ مُرَكَّبٌ
في حَــــدِّهِ فَاِرتَدَّ وَهوَ زُؤامُ

أَيقَظتَ هاجِعَهُم وَهَل يُغنيهُم
سَهَرُ النَواظِرِ وَالعُقولِ نِيامُ

جَحَدَتكَ مِنهُم أَلسُنُ لَجلاجَةٌ
أَقرَرنَ أَنَّكَ في القُلوبِ إِمامُ

اِسلَم أَميرَ المُؤمِنينَ لِأُمّــــــَةِ
نَتَجَت رَجاءَكَ وَالرَجاءُ عُقامُ

إِنَّ المَكــــــــارِمَ لِلخَليفَةِ لَم تَزَل
وَاللَهُ يَعلَمُ ذاكَ وَالأَقــــوامُ

كُتِبَت لَهُ وَلِأَوَّليــــــــهِ وِراثَــــــةً
في اللَوحِ حَتّى جَفَّتِ الأَقلامُ

مُتَواطِّئو عَقِبَيكَ في طَلَبِ العُلا
وَالمَجدُ ثُمَّت تَستَوي الأَقدامُ



ولما قال أبو تمام قصيدته البائية الرائعة في مدح الخليفة المعتصم وكان عائدا من فتح مدينة عمورية وانتزاعها من ايدي الروم ويذكر ان سبب فتح عمورية حيث فتحها المعتصم في شهر رمضان سنة 223 هـجرية ، وسبب ذلك ما ذكره أهل السير أن رجلًا وقف على المعتصم فقال:
- يا أمير المؤمنين، كنت بعمورية وجارية أسيرة قد لطمها علج على وجهها فنادت:
- وامعتصماه .!!!
فقال العلج: وما يقدر عليه المعتصم؟ يجيء على أبلق ينصرك!
- وزاد في ضربها.

فثار المعتصم وسأل الرجل:
- في أية جهة عمورية؟
فاشار له الرجل إلى وجهتها ـ: هكذا
- فرد المعتصم ـ ووجْهه إليها قئلا :
- لبيك أيتها الجارية لبيك، هذا المعتصم بالله أجابك

ثم تجهز إليها في اثني عشر ألف فارس أبلق. وتقول المصادر التاريخية إنّ فتح عمورية كان صعبًا جدًّا بسبب مَنَعة حصون المدينة وإحكام الحراسة فيها، ولكن الحقيقة تقول:

( إن المعتصم كان ذا قدرةٍ عسكريةٍ كبيرةٍ بحيث استطاع أن يدخلها بعد أن دك أسوارها بالمجانيق فأسر ثلاثين ألفًا وقتل ثلاثين ألفًا، وأمر بعمورية فهدمت وأحرقت. هذا وتسوق بعض المصادر تحذير المنجّمين الذين طالعهم عليها المعتصم باستحالة دخوله عمورية ويقال إنّ المنجّمين قد حكموا أن المعتصم لا يفتح عمورية وبعث له الروم برسالةٍ يقولون : (إنا نجد في كتابنا أنه لا تفتح مدينتنا إلا في وقت إدراك التين والعنب، وبيننا وبين ذلك الوقت شهور يمنعك من المقام بها البرد والثلج ، فأبى المعتصم أن ينصرف وواكب عليها ففتحها فأبطل ما قالوا.) وهذه هي القصيدة :


الســــــيفُ أصدقُ أنباءً من الكتب
في حدّه الحدُّ بين الجدّ واللعبِ

بيضُ الصَفائِحِ لا سودُ الصَحائِفِ في
مُتونِهِنَّ جَلاءُ الشَكِّ وَالرِيَبِ

وَالعِلمُ في شُهُبِ الأَرماحِ لامِعَةً
بَينَ الخَميسَينِ لا في السَبعَةِ الشُهُبِ

أَينَ الرِوايَةُ بَل أَينَ النُجومُ وَما
صاغوهُ مِن زُخرُفٍ فيها وَمِن كَذِبِ

تَخَرُّصـــــــاً وَأَحاديثاً مُلَفَّقَةً
لَيسَت بِنَبعٍ إِذا عُدَّت وَلا غَرَبِ

عَجائِباً زَعَموا الأَيّامَ مُجفِلَةً
عَنهُنَّ في صَفَرِ الأَصفارِ أَو رَجَبِ

وَخَوَّفوا الناسَ مِن دَهياءَ مُظلِمَةٍ
إِذا بَدا الكَوكَبُ الغَربِيُّ ذو الذَنَبِ

وَصَيَّروا الأَبرُجَ العُليا مُرَتَّبَةً
ما كانَ مُنقَلِباً أَو غَيرَ مُنقَلِبِ

يَقضونَ بِالأَمرِ عَنها وَهيَ غافِلَةٌ
ما دارَ في فُلُكٍ مِنها وَفي قُطُبِ

لَو بَيَّنَت قَطُّ أَمراً قَبلَ مَوقِعِهِ
لَم تُخفِ ما حَلَّ بِالأَوثانِ وَالصُلُبِ

فَتحُ الفُتوحِ تَعالى أَن يُحيطَ بِهِ
نَظمٌ مِنَ الشِعرِ أَو نَثرٌ مِنَ الخُطَبِ

فَتحٌ تَفَتَّحُ أَبوابُ السَماءِ لَهُ
وَتَبرُزُ الأَرضُ في أَثوابِها القُشُبِ

يا يَومَ وَقعَةِ عَمّورِيَّةَ اِنصَرَفَت
مِنكَ المُنى حُفَّلاً مَعسولَةَ الحَلَبِ

أَبقَيتَ جَدَّ بَني الإِسلامِ في صَعَدٍ
وَالمُشرِكينَ وَدارَ الشِركِ في صَبَبِ

أُمٌّ لَهُم لَو رَجَوا أَن تُفتَدى جَعَلوا
فِداءَها كُلَّ أُمٍّ مِنهُــــــــــمُ وَأَبِ

وَبَرزَةِ الوَجهِ قَد أَعيَت رِياضَتُها
كِسرى وَصَدَّت صُدوداً عَن أَبي كَرِبِ

بِكرٌ فَما اِفتَرَعتَها كَفُّ حادِثَةٍ
وَلا تَرَقَّت إِلَيها هِمَّــــــــةُ النُوَبِ

مِن عَهدِ إِسكَندَرٍ أَو قَبلَ ذَلِكَ قَد
شابَت نَواصي اللَيالي وَهيَ لَم تَشِبِ

حَتّى إِذا مَخَّضَ اللَهُ السِنينَ لَها
مَخضَ البَخيلَةِ كانَت زُبدَةَ الحِقَبِ

أَتَتهُمُ الكُربَةُ السَوداءُ سادِرَةً
مِنها وَكانَ اِسمُها فَرّاجَةَ الكُرَبِ

جَرى لَها الفَألُ بَرحاً يَومَ أَنقَرَةٍ
إِذ غودِرَت وَحشَةَ الساحاتِ وَالرُحَبِ

لَمّا رَأَت أُختَها بِالأَمسِ قَد خَرِبَت
كانَ الخَرابُ لَها أَعدى مِنَ الجَرَبِ

كَم بَينَ حيطانِها مِن فارِسٍ بَطَلٍ
قاني الذَوائِبِ مِن آني دَمٍ سَرَبِ

بِسُنَّةِ السَيفِ وَالخَطِيِّ مِن دَمِهِ
لا سُنَّةِ الدينِ وَالإِسلامِ مُختَضِبِ

لَقَد تَرَكتَ أَميرَ المُؤمِنينَ بِها
لِلنارِ يَوماً ذَليلَ الصَخرِ وَالخَشَبِ

غادَرتَ فيها بَهيمَ اللَيلِ وَهوَ ضُحىً
يَشُلُّهُ وَسطَها صُبحٌ مِنَ اللَهَبِ

حَتّى كَأَنَّ جَلابيبَ الدُجى رَغِبَت
عَن لَونِها وَكَأَنَّ الشَمسَ لَم تَغِبِ

ضَوءٌ مِنَ النارِ وَالظَلماءِ عاكِفَةٌ
وَظُلمَةٌ مِن دُخانٍ في ضُحىً شَحِبِ

فَالشَمسُ طالِعَةٌ مِن ذا وَقَد أَفَلَت
وَالشَمسُ واجِبَةٌ مِن ذا وَلَم تَجِبِ


تَصَرَّحَ الدَهرُ تَصريحَ الغَمامِ لَها
عَن يَومِ هَيجاءَ مِنها طاهِرٍ جُنُبِ

لَم تَطلُعِ الشَمسُ فيهِ يَومَ ذاكَ عَلى
بانٍ بِأَهلٍ وَلَم تَغرُب عَلى عَزَبِ

ما رَبعُ مَيَّةَ مَعموراً يُطيفُ بِهِ
غَيلانُ أَبهى رُبىً مِن رَبعِها الخَرِبِ

وَلا الخُدودُ وَقَد أُدمينَ مِن خَجَلٍ
أَشهى إِلى ناظِري مِن خَدِّها التَرِبِ

سَماجَةً غَنِيَت مِنّا العُيونُ بِها
عَن كُلِّ حُسنٍ بَدا أَو مَنظَرٍ عَجَبِ

وَحُسنُ مُنقَلَبٍ تَبقى عَواقِبُهُ
جاءَت بَشاشَتُهُ مِن سوءِ مُنقَلَبِ

لَو يَعلَمُ الكُفرُ كَم مِن أَعصُرٍ كَمَنَت
لَهُ العَواقِبُ بَينَ السُمرِ وَالقُضُبِ

تَدبيرُ مُعتَصِــــــــمٍ بِاللَهِ مُنتَقِمٍ
لِلَّهِ مُرتَقِبٍ في اللَهِ مُرتَغِــــــبِ

وَمُطعَمِ النَصرِ لَم تَكهَم أَسِنَّتُهُ
يَوماً وَلا حُجِبَت عَن رَوحِ مُحتَجِبِ

لَم يَغزُ قَوماً وَلَم يَنهَض إِلى بَلَدٍ
إِلّا تَقَدَّمَهُ جَيشٌ مِنَ الرَعَبِ

لَو لَم يَقُد جَحفَلاً يَومَ الوَغى لَغَدا
مِن نَفسِهِ وَحدَها في جَحفَلٍ لَجِبِ

رَمى بِكَ اللَهُ بُرجَيها فَهَدَّمَها
وَلَو رَمى بِكَ غَيرُ اللَهِ لَم يُصِبِ

مِن بَعدِ ما أَشَّبوها واثِقينَ بِها
وَاللَهُ مِفتاحُ بابِ المَعقِلِ الأَشِبِ

وَقالَ ذو أَمرِهِم لا مَرتَعٌ صَدَدٌ
لِلسارِحينَ وَلَيسَ الوِردُ مِن كَثَبِ

أَمانِياً سَلَبَتهُم نُجحَ هاجِسِها
ظُبى السُيوفِ وَأَطرافُ القَنا السُلُبِ

إِنَّ الحِمامَينِ مِن بيضٍ وَمِن سُمُرٍ
دَلوا الحَياتَينِ مِن ماءٍ وَمِن عُشُبِ

لَبَّيتَ صَوتاً زِبَطرِيّاً هَرَقتَ لَهُ
كَأسَ الكَرى وَرُضابَ الخُرَّدِ العُرُبِ

عَداكَ حَرُّ الثُغورِ المُستَضامَةِ عَن
بَردِ الثُغورِ وَعَن سَلسالِها الحَصِبِ

أَجَبتَهُ مُعلِناً بِالسَيفِ مُنصَلِتاً
وَلَو أَجَبتَ بِغَيرِ السَيفِ لَم تُجِبِ

حَتّى تَرَكتَ عَمودَ الشِركِ مُنعَفِراً
وَلَم تُعَرِّج عَلى الأَوتادِ وَالطُنُبِ

لَمّا رَأى الحَربَ رَأيَ العَينِ توفِلِسٌ
وَالحَربُ مُشتَقَّةُ المَعنى مِنَ الحَرَبِ

غَدا يُصَرِّفُ بِالأَموالِ جِريَتَها
فَعَزَّهُ البَحرُ ذو التَيّارِ وَالحَدَبِ

هَيهاتَ زُعزِعَتِ الأَرضُ الوَقورُ بِهِ
عَن غَزوِ مُحتَسِبٍ لا غَزوِ مُكتَسِبِ

لَم يُنفِقِ الذَهَبَ المُربي بِكَثرَتِهِ
عَلى الحَصى وَبِهِ فَقرٌ إِلى الذَهَبِ

إِنَّ الأُسودَ أُسودَ الغيلِ هِمَّتُها
يَومَ الكَريهَةِ في المَسلوبِ لا السَلَبِ

وَلّى وَقَد أَلجَمَ الخَطِّيُّ مَنطِقَــــــهُ
بِسَكتَةٍ تَحتَها الأَحشاءُ في صَخَبِ

أَحذى قَرابينُهُ صَرفَ الرَدى وَمَضى
يَحتَثُّ أَنجى مَطاياهُ مِنَ الهَرَبِ

مُوَكِّلاً بِيَفاعِ الأَرضِ يُشــــــرِفُهُ
مِن خِفَّةِ الخَوفِ لا مِن خِفَّةِ الطَرَبِ

إِن يَعدُ مِن حَرِّها عَدوَ الظَليمِ فَقَد
أَوسَعتَ جاحِمَها مِن كَثرَةِ الحَطَبِ

تِسعونَ أَلفاً كَآسادِ الشَرى نَضِجَت
جُلودُهُم قَبلَ نُضجِ التينِ وَالعِنَبِ

يا رُبَّ حَوباءَ حينَ اِجتُثَّ دابِرُهُم
طابَت وَلَو ضُمِّخَت بِالمِسكِ لَم تَطِبِ

وَمُغضَبٍ رَجَعَت بيضُ السُيوفِ بِهِ
حَيَّ الرِضا مِن رَداهُم مَيِّتَ الغَضَبِ

وَالحَربُ قائِمَةٌ في مَأزِقٍ لَجِجٍ
تَجثو القِيامُ بِهِ صُغراً عَلى الرُكَبِ

كَم نيلَ تَحتَ سَناها مِن سَنا قَمَرٍ
وَتَحتَ عارِضِها مِن عارِضٍ شَنِبِ

كَم كانَ في قَطعِ أَسبابِ الرِقابِ بِها
إِلى المُخَدَّرَةِ العَذراءِ مِن سَبَبِ

كَم أَحرَزَت قُضُبُ الهِندِيِّ مُصلَتَةً
تَهتَزُّ مِن قُضُبٍ تَهتَزُّ في كُثُبِ

بيضٌ إِذا اِنتُضِيَت مِن حُجبِها رَجَعَت
أَحَقَّ بِالبيضِ أَتراباً مِنَ الحُجُبِ

خَليفَةَ اللَهِ جازى اللَهُ سَعيَكَ عَن
جُرثومَةِ الدِينِ وَالإِسلامِ وَالحَسَبِ

بَصُرتَ بِالراحَةِ الكُبرى فَلَم تَرَها
تُنالُ إِلّا عَلى جِسرٍ مِنَ التَعَبِ

إِن كانَ بَينَ صُروفِ الدَهرِ مِن رَحِمٍ
مَوصولَةٍ أَو ذِمامٍ غَيرِ مُنقَضِبِ

فَبَينَ أَيّامِكَ اللاتي نُصِرتَ بِها
وَبَينَ أَيّامِ بَدرٍ أَقرَبُ النَسَبِ

أَبقَت بَني الأَصفَرِ المِمراضِ كَاِسمِهِمُ
صُفرَ الوُجوهِ وَجَلَّت أَوجُهَ العَرَبِ





فعارض قصيدة ابي تمام البائية هذه اعلاه الشاعرشرف الدين القيسراني بقصيدة مماثلة



https://falih.ahlamontada.net

الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى