الفصل التاسع
النقائض في العصور المختلفة او المتتابعة
العصور المتتابعة اقصد بها هنا العصر العباسي بشقيه الاول والثاني اي من تاريخ قيام دولة بني العباس عام \ 132 هجرية الى احتلال بغداد على يد هولاكو والعصر الاندلسي \ 656 للهجرة وعصر الفترة المظلمة وحتى العصر الحديث في نهاية القرن التاسع عشر والقرن العشرين ايضا اذ خفتت فيها حدة النقائض .
وخلال كل هذه الفترات خمدت شعلة النقائض في الشعر واستعيض عنها بغيرها مثلا بالمعارضات او المطارحات . الا ان بعض الشعراء ظلوا ينظمون في غرض الهجاء فلم يمت لكن سكنت حالته وهدأت فكانت اقل بكثير مما كانت عليه في العصر الاموي .
ونقف مكتوفي الايدي ونحن نبحث كثيرا عن النقائض في الشعر العباسي وما بعده او الشعرالاندلسي وما بعده ولم نحصل على ضالتنا فيه فقد تبخرت المعارضات هذه القصائد الطوال واصحابها الشعراء الافذاذ وتحولت الى فن الهجاء الذي هو الاخر مسه التقزم والانكماش .
و الهجاء فن قديم في الشعرالعربي رافق المديح منذ عصر الجاهلية وكان أول أمره يمثل وضاعة النسب والبخل والفقر ، والقعود عن الغزو او الجبن ، والتقصير في حماية الجار، والعجز عن اخذ الثار، والانهزام في الحرب ، والاستسلام للأعداء. واستساغة الظلم . واسغلته النقائض في موضوعاتها كما مربنا
وفي هذه العصور – واقصد العصرالعباسي وما بعده قل الإقبال على النقائض، في العصر العباسي الأول وأصبحت مقتصرة على شعراء قلائل ليس لهم ذكر في التاريخ الادبي مثل ابن ميادة ، والحكم الخضري ، وعبد الرحمن بن جهيم الاسدي . إن حجم الهجاء في العصر العباسي الأول كبير ، وقد تنوعت موضوعاته ، واختلفت اتجاهاته ، و وكان الكثير من الشعراء الشعوبيين مجدوا اقوامهم واولهم الشاعر ابن سيار النسائي
و كان شخصيا بدافع من الحقد والغضب والحسد والانتقام مثل الشاعر بشار بن برد في هجاء العباس بن محمد بن العباس والي الجزيرة لاخيه المنصور لانه بخل عليه ولم يسعفه بالمال فقال فيه :
ظل اليسار على العباس ممدود وقلبه ابـــدا بالبـــخل معقود
ان الكريم ليخفى عنك عسرته حتى تراه غنيا وهو مجهود
وللبخيل على امــــــواله علل زرق العيون عليها اوجه ســـود
ونري في الهجاء روح الاستخفاف والتهوين والتحقير وربما تكون هذه من السخرية المريرة و الكراهية المقيتة او من الحسد هذا الداء الوبيل والذي ح-رمه الاسلام ومقته ومن الهجاء ان يعض الشعراء اقتصروا هجائهم على انفسهم واقاربهم ومن معهم او كان تعا بثا وتظرفا جريا وراء النادرة المسلية ، والنكتة البارعة ، او انتقاما لانفسهم ا وايلاما لمنافسيهم .
ان سهولة الالفاظ وبساطة التعبير والميل الى الشعبية يغلب على فن الهجاء في هذا العصر ، الى جانب انه تميز بمقطوعات او قصائد ليست طويلة منظومة في بحور قصيرة او مجزوءة.
وكان للنشاط الشعوبي في العصر العباسي الاول دور كبير في بروز نوع من الهجاء عند عدد من الشعراء ، تعصبوا على العرب وهم اولو نعمتهم ، وتطاولوا عليهم ، وتغنوا بمجدهم الاعجمي وكان على راسهم الشاعر الاعمى بشار بن برد الذي تنكر لفضل العرب عليه ومحاولته الحط من شانهم ومن قدرهم باسلوب ساخر حتى اعتبر قادح نار الشعوبية في العصر العباسي .
والشعوبية حركة سياسية اعجمية – واقصد بالاعجمية كل الشعوب التي لا تتكلم العربية كالفارسية والهندية والتركية وغيرها – والشعوبية تهدف الى مقت وكراهية كل ما هو عربي وتعمل على الحط من كل ما هو عربي لدي ابناء الشعوب الاخرى وتعمل على اذلال العنصر العربي اينما وجد . وبكل الوسائل المتاحة ومحاولة غرس كراهية العرب في نفوس الشعوب الاخرى المجاورة للبلاد العربية وحتى غرس الكراهية في نفوس بعض ابناء العربية ممن في قلبه مرض او ذي مطامع يستفيد منها سياسية او طائفية او.....
لقد ظهرت الشعوبية في الشعر العربي بادئ ذي بدء في زمن العصر الاموي ظهرت في شعر أحد شعراء العصر الأموي ، وهو إسماعيل بن يسار النسائي الذي افتخر بقومه وأمجادهم ، وعير العرب في جاهليتهم بعاداتهم وطريقة معيشتهم. لكن الظروف السياسية والاجتماعية لم تكن لتسمح لهذه النزعة بالاتساع والشمول ، والتحول إلي تيار له أنصاره ومؤيدوه. وكان على هؤلاء تحيّن الفرص المناسبة لتغيير الوضع السياسي.
هل من رسول مخبر *~* عنّي جميع العرب
من كان حيّا منهمُ *~* ومن ثوى في التُّرَبِ
بأنّني ذو حســب *~* عالٍ على ذي الحسب
جدي كسرى ملكا*~* يجثى له بالركـــــــب
فما حدا قطّ أبي *~* خلف بعير أجرب
ومنهم الشاعر مهيار الديلمي يقول:
لا تخالـي نـسباً يخفضني أنا من يرضيك عندَ النسبِ
قومي استولوا على الدهر فتى ومشوا فوق رؤوس الحِقبِ
عمّمـوا بالشمس هاماتِـهم وبنــــــوا أبياتـهم بالشـهبِ
فأبي ( كسـرى ) على إيوانهِ أين في الناس أبُ مثل أبي
ولما ظهرت الشعوبية كحركة حاربها ابناء العربية وشددوا على شعرائها من اصحاب هذه النزعة الشاذة التي تحمل في صلبها الحقد والكراهية واول من رد عليهم الكاتب الشهير الجاحظ صاحب كتاب ( البيا ن والتبيين) . ثم وضعت الكتب الكثيرة في تاريخ نشوء هذه الحركة ومضامينها وأبعادها وأهدافها.. لذا كثرت المناظرات والمساجلات الأدبية والفكرية بين الطرفين فكانت هذه الحركة دافعاً لنتاج أدبي جديد.
. واشهر من اظهر من الشعراء للشعوبية هو الشاعر بشار بن برد الشاعر المجدد اذ قال كثير من القصائد في ذم العرب وتفضل الاعاجم عليهم وخاصة قومه الفرس يقول :
أصلي كريم ومجدي لا يقاس به
ولي لسان كحد السيف مسموم
أحمي به مجد أقوام ذوي حسب
من كل قرم بتاج الملك معموم
من مثل كسرى وسابور الجنود معا
والهرمزان لفخــــر أو لتعظيــــم
أسد الكتائب يوم الروع ان زحفوا
وهم أذلوا ملـــــوك الترك والروم
فالشعوبية سلكت طرائق و سبلاً متعددة بين ظاهر ومستور ، وكلها لها أثرخطير فهى تحاول ارباك العقائد ، وتشوه المفاهيم الإسلامية لتزعزع قاعدة المجتمع وأساسه. وضغينتهم وأوضح حقيقتهم هو شاعرهم الرودكي الذي قالها بصراحة:
( إنّ الصراع والعداوة مع العرب ليس حبا بعلي والدفاع عن حقه في الخلافة، ولكنّها البغضاء والعــــداوة لعُمــَر الذي كسر ظهـــر العجــم وهدّ حضارتهم. )
وحاولوا غرس الحقد والكراهية في نفوس بعض العرب انفسهم بعضهم للبعض الاخر من خلال زرع بذور الطائفية في نفوس من عاش بين ظهرانيهم او قصد الانتفاع من هذه الامور .
وليس هذا في موضوعنا لذا مررت عليه مر الكرام .
************************************