2
بســـــــــــم الله الرحمن الرحيم
( أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يجعلون اصابعهم في اذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين * يكاد البرق يخطف ابصارهم كلما اضاء لهم مشوا فيه واذا اظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وابصارهم ان الله على كل شيء قدير *)
سورة البقرة \ الآيات : 19-20
الحمد لله :
وهذا هو المثل الثاني الذي ضربه الله بحق المنافقين فهم قوم ظهر لهم الحق وعرفوه الا ان قلوبهم منكرة له فقلوبهم في حال شكهم وكفرهم وترددهم كما وصفها الله تعالى في هذا المثل كصيب والصيب المطر فهو المطر نزل من السماء في حال ظلمات وهي الشكوك والكفر والنفاق ورعد وهو ما يزعج القلوب من الخوف فإن من شأن المنافقين الخوف الشديد والفزع كما قال تعالى :
(يحسبون كل صيحة عليهم)
وقال تعالى ايضا :
(ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون)
اما البرق هو ما يلمع في قلوب هؤلاء الضرب من المنافقين في بعض الأحيان من نور الإيمان ولهذا قال الله تعالى في صفتهم :
(يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين)
أي لا يجدى عنهم حذرهم شيئا لأن الله محيط بقدرته بهم فهم تحت مشيئته وإرادته وحكمه وتصرفه وكقول الله تعالى :
(هل أتاك حديث الجنود فرعون وثمود بل الذين كفروا في تكذيب والله من ورائهم محيط) .
يشبه الله تعالى حالة المنافقين بحال من أصابهم مطر غزيرهطل من السماء، في ليلة مظلمة مليئة بوميض البرق وزمجرة الرعد، كلما أضاء لهم نور من البرق مشوا فيه، وإذا انزاح النور أظلمت الدنيا عليهم وقفوا حائرين لا يدرون أين يذهبون، وهم في هذه الحالة خائفون فزعون، فإذا لمع البرق كادت أن تنخطف منه أبصارهم، وإذا قصف الرعد جعلوا أصابعهم في آذانهم من مخافة من الموت من شدة وهول صوت الرعد القاصف وهلعا منه .
وكذلك المنافقون متلبسون في ظاهرهم بالإسلام الذي هو كصيب من السماء، ولكنهم يشعرون حقيقة بقلق واضطراب، ويتأرجحون بين لقاء المؤمنين وعودتهم للشياطين، بين ما يقولونه بألسنتهم وما تخفيه صدورهم، بين ما يطلبونه من هدى ونور، وما يفيئون إليه من ضلال وظلام، بين ما يريدونه من فوائد الإسلام وثمراته، وما يخافونه من تبعاته ووظائفه وزواجره.
فمثلهم كمثل جماعة خرجوا في ليل مدلهم مظلم شديد الظلام والحلكة ليل ملبد بالغيوم الثقيلة الشديدة تحمل المطر والرعد والبرق فاستوقدوا نارا ليستضيؤا بها فلما أضاءت ما حولهم فاذا بالرياح والمطر الشديد يطفؤها واذا بالرعد والبرق يرهبهم ويخيفهم ويخطف ابصارهم فهم يرتجفون منه خوفا وهلعا فاذا برق البرق وتبعه صوت الرعد الرهيب شديدا اغمضوا اعينهم ووضعوا اصابعهم في اذانهم خوفا من اصابتهم بالصواعق او خوف الصوت الشديد ان يودي بهم الى الموت فاذا برقت السماء وانارت لهم مشوا خطوة او خطوتين وانكبوا على رؤوسهم من صوت الرعد حتى اذا ذهب نور البرق وهو سريع الاختفاء داخلهم الخوف والهلع وضلوا الطريق فهم يتمنون ان يكونوا طرشانا في تلك الساعة كي لا يسمعون الرعد وعميانا كي لا يرون البرق فيصيبهم العمى الوقتي . فالله تعالى قادر على ان يفقدهم السمع والبصر- وهما نعمتان انعم الله تعالى بهما على البشر- الا ان الله تعالى ا بقى لهم السمع والبصر ليزيد من عذابهم في الحياة الدنيا فهم قد امنت السنتهم وكفرت قلوبهم فمرضت نفوسهم فزادها الله تعالى مرضا على مرض ولهم عذاب اليم شديد الوجع والوقع في يوم القيامة جزاءا بما كانوا في حياتهم الدنيا يكسبون . وربما كانوا ينحنون خوفا وهلعا عند رؤية البرق الذي يخطف او يخلب ابصارهم وعند صوت الرعد المزمجر فاذا ذهب ضوء البرق الذي خطف ابصارهم وصوت الرعد الشديد واشتد سواد الليل عدلوا قاماتهم أي اصبحوا قياما او قائمين والخوف يملأ قلوبهم وترتجف اجسادهم لكننهم لا يرون شيئا كانهم ليست لهم عيون او انتزعها الله تعالى منهم وذلك جزاء المنمافقين والمخادعين وما يخدعون الا انفسهم .
راجع كتابي في هذه الموسوعة ( يوم القيامة في القران الكريم )
فهذان المثلا ن الاول والثاني يوضح الله تعالى بهما شأن المنافقين الذين لا يجدون في أنفسهم الشجاعة ليواجهوا الحق بالإيمان الصريح ولا يسطيعون مواجهة الحق بالإنكار الصريح، فهم يتحلون بظاهر من الدين كذبا ونفاقا ليكسبوا مغانمه ويتقوا مغارمه، ولكنهم يعودون في نهاية الأمر خائبين خاسرين.
ففي المثال الأول: يشبه الله تعالى حال المنافقين بحال من استوقد نارا ليستضيء بها، ولكنها ما كادت تضيء ما حوله حتى تنطفي وعاد الظلام يلف الكون من حوله من جديد، لتبقى نفسه في حسرة حيرة وشك وضياع.
وفي هذه الآية مثل ضربه الله لمن آتاه شيئا من الهدى فأضاعه واستمر في نفاقه وما جبلت عليه نفسه ولم يتوصل به إلى النعيم المقيم وبقي متحيرا ضائعا لا يجد نفسه الا في ضلال .
وفي المثال الثاني: يشبه الله سبحانه حال المنافقين بحال من أصابهم مطر غزير يهطل من السماء في ليلة مظلمة كثر وميض البرق وزمجرة الرعد كلما أضاء لهم نور البرق مشوا فيه واذا اختفى نور البرق او انطفأ فيشتد الظلام عليهم وإذا أظلم عليهم وقفوا حائرين لا يدرون أين يذهبون، وهم في حالة من الخوف والرعب الشديد المفضي الى الفزعون، فإذا لمع البرق كادت أن تنخطف منه أبصارهم، وإذا قصف الرعد جعلوا أصابعهم في آذانهم مخافة من صوته الراعد الشديد .
فالمنافقون متلبسون بالاسلام في الظاهر والذي هو كصيب من السماء، ولكنهم يشعرون حقيقة بقلق واضطراب، ويتأرجحون بين لقاء المؤمنين في عملهم وتكاليفهم وايمانهم وعودتهم للشياطين، وبين ما يقولونه بألسنتهم وما تخفيه صدورهم وبين ما يرجونه من هدى ونور، وما يفيئون إليه من ضلال وظلام دامس وظلم شديد وما يريدونه من فوائد الإسلام وثمراته، وما يخافون من تبعات هذا الدين الجديد واركانه وتكاليفه وزواجره ونواهيه .
*******************************