الامثــــــــا ل في القرآن الكريـــم
بســــــــم الله الرحمن الرحيم
(وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ)
سورة العنكبوت: الاية \43
المثل لغة : تعريف الأمثال
لغة: المثل مأخوذ من قول هذا مثل الشيء ومِثله او شَبهه، وشِبهه، لأن أصل المثل هو التشبيه. وقد نجد الكثير من الامثال العربية التي تدل على عقليتهم حيث أن المثل يوافق المزاج العقلي . والمثل قد لا يستدعي بقائله الإحاطة بالعلم أو بشؤون الحياة.
وقد نعرف المثل فنقول هو جملة قيلت في مناسبة معينة اوحالة خاصة ، ثم صارت لما فيها من حكمة او فائدة مثلا يتكرر ذكرها في كل مناسبة مشابهة لها .
وجملة المثل تشتمل على الإيجاز وحسن التشبيه و إصابة المعني و حسن الكناية . وأنّ لفظ المثل له عدة معان مختلفة، كالنظير والصفة والعبرة .
والمِثْل ـ بالكسر والتحريك ـ الشبه، والجمع أمثال؛ والمَثَلُ -محرّكة ـ الحجة، والصفة المِثْل والمثَل يدلاّن على معنى واحد وهو كون شيء نظيراً للشيء. والتمثيل يبرز المعاني في صورة حية تستقر في الأذهان بتشبيه المعقول بالمحسوس وقياس النظير على النظير والمثل يجمع امثال والمثال: المقدار والقصاص وإلى غير ذلك من المعانى .
وقد يجمع المثل الى مثلات للتقليل .
قال الله تعالى:
(وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلات )
وتعني العقوبات التي تزجر عن مثل ما وقعت لاَجله، وواحدها:مُثُل.
وأن للمَثل معنى في أصل اللغة هو: الشبيه والـمِثْل، والمعنى هو: القول السائر وهو: المجاز المركَّب الذي تكون علاقته المشابهة، ويفشو استعماله.
والمَثَلَ اصطلاحا: هو قسم من الحكم ياتي في واقعة لمناسبة اقتضت وروده فيها والامثال قد يكثر يتداولها بين الناس غير واحد من الوقائع التي تشابهها دون أدنى تغيير لما فيه من ايجاز وغرابة ودقة في التصوير.
والمثل او الكلمة الحكيمة تاتي مثل سائر منتشر بين الناس ودارج على ألسنتهم وقد يكون كلمة حكيمة لها قيمتها الخاصة وإن لم تكن سائرة.
وربما يقال : مثل سائر أي متداول بين الناس فالوصف قيد توضيحي لا احترازي، لاَنّ الانتشار والتداول داخل في مفهوم المثل . فالشيوع والانتشار وكثرة الدوران على الألسن هو الفارق بين الحكمة والمثل، فالقول الصائب الصادر عن تجربة يسمّى حكمة إذا لم يتداول،ويقال له مثلاً إذا كثر استعماله وشاع أداوَه في المناسبات المختلفة.
ولعل في ضرب المثل فوائد كثيرة اختلفت وتشعبت وفق ما يضرب به المثل والمراد فيه ولعلنا نجد ذلك فيما ضرب الله تعالى من الامثال في القران الكريم فيما يلي :
1- يُضرب المثل للترغيب اذا لوحظ ان الممثل به او المضروب مثلا يكون فيما تستحسنه النفوس وترغب فيه القلوب ومثال ذلك ضرب الله تعالى مثلًا لحال المنفِق في سبيل الله؛ حيث يعود عليه الإنفاق بالخيرٍوالسعة والاجر والثواب .
قال الله تعالى:
(مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)
سورة البقرة:الاية \ 261
2- ويُضرب المثل ايضا لتقرير حال الممثَّل في النفس الانسانية اذ يكون الممثَّل به أوضح من الممثَّل، أو بما يكون للنفس سابقةُ أُلْفَةٍ او استيناس به كما في حال المنفِق ماله رياءً حيث لا يحصل هذا المنفق مما انفقه على شيء من الثواب وانما تكون حالة المنفق المرائي اشبه بحالة الحجر الصلد الذي فوقه تراب قليل يجرفه المطر من فوق سطحه فيخرج صلدا لا ينبت عليه زرع ولا أي شيء اخر .
قال الله تعالى :
( فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا)
سورة البقرة:الاية \ 264
3- يُضرب المثل للمدح اذ يكون في الممثَّل به حالات او صفات تستحسنها الانفس وتمدح مَن يحرز ها او مثلها مثل لحالة صحابة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عن صحابته الابرار حيث كانوا في بداية الدعوة الاسلامية قليلون وضعفاء لكنهم تكاثروا فاصبحوا قوة كبيرة .
قال الله تعالى:
( ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ)
سورة الفتح: الاية\ 29
4- يُضرب المثل للذمِّ اذا كان الممثَّل به حالة يستقبحها الناس ولا يرغبونها ويذمُّون مَنْ رضي ان تكون بنفسه مثل هذه الصفة وقد ضرب اللهُ مثلًا لحال من جاءه كتابه، فنكت يده من العمل به ونكث ان يعمل به وسدر في أهوائه ولم يستطع الصبر على التكاليف فخست نفسه وانحط في هواه فمثله مثل الكلب شديد اللهاث في حالتي الراحة او التعب .
قال الله تعالى :
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا )
سورة الأعراف: الايتان \ 175، 176
5- يُضرب المثل للتنفيروالابتعاد اذ يكون الممثَّل به مما تمقته النفس ولا تحبه وتنفر منه مثل نفورها مِن مَن أكل لحم الأخ اخيه الميت كالغيبة وكراهة من يعمل بها .
قال الله تعالى:
(وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ)
سورة الحجرات: الاية \12
6- المثل بمقام الاحتجاج اذ ياتي ما يلزم مِن تسليم الممثَّل به وإدراكِ أنّ الممثَّل مطابق له بالرجوعُ إلى االايمان بالحقّ وان الحق اهل له كما نقول ان الله تعالى هو الحق المبين وكل ما بعده لاتستحق العبادة
قال الله تعالى :
(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ)
سورة النحل: الاية \ 75
7- وياتي القران الكريم في اسلوبه الرائع مستعملًا كل الاساليب البديعة في معانيها الحقيقية والمقصود بها حالة معينة او فرض مقصود معين وبعدَ أن يفيد بها الغرض المطلوب يجَعْلها مثلًا يرمي إلى غرض اخر من الأغراض التي تُضرَب لها الأمثال .
قال الله تعالى:
(وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ)
سورةالرعد: الايتان 16و 17
والمثل لا بد أن تجتمعَ فيه أربعة امور لا تجتمعُ في غيره من الكلام لانه غاية في البلاغة وحسن السبك وهي :
1- إيجاز اللفظ
2- حسن التشبيه
3- إصابة المعنى
4- جودة الكتابة
وتنقسم الأمثال إلى قسمين:
الأول : المثل الصريح
هو المثل الظاهر والمصرح به مثل قول الله تعالى:
(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ)
سورة البقرة الاية 17
والقسم الثاني : المثل الكامن:
وهو المثل الذي يؤخذ من مكنون النص ودلالاته وهذا المثل الذي لا يذكر في النص لفظ المثل وإنما يكون حكمه حكم الأمثال
كقول الله تعالى:
(أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)
سورة التوبة الاية\ 109
إن أمثال القرآن الكريم فيها بلاغة خاصة لا يدركها إلا العارف بأسرار اللغة العربية والمتبحر بها .
المجالات التي تناولتها الأمثال القرآنية كثيرة نذكر أبرزها وأهمها وهي:
1- بينت الإيمان ومثلت له افضل تمثيل
2- كشفت الكفر وردت المشابه له
3- فضحت النفاق والمنافقين وبينت انهم في الدرك الاسفل من النار
4- صورت الخبيث والطيب وبينت لكل منهما بحقيقته
5 نادت بالخير وردت الشر وكشفته
6- ميزت الصالح عن الطالح.
وفي القرآن الكريم من صريح الأمثال اثنان وأربعون مَثلاً هي هذه التي سنشرحها باذن الله .
****************************