عبد الله القباج
بقلم د فالح الكيلاني
هو ابو محمد عبد الله بن عباس القباج
ولد الفقيه عبد الله بن عباس القباج بمدينة (الرباط ) في بلاد المغرب سنة \ 1916م من اسرة عرفت بالفضل والجد والثقافة والادب ، وقد تعلم منذ طفولته اذ ارسلته عائلته الى الكتّاب لتعلم القران الكريم وبعدد من المساجد مع كبار علماء ( الرباط) الذين درس عليهم واثروا فيه خصوصا و منهم ( الشيخ ابو شعيب الدكالي) و(سيدي المدني بن الحسني)، و( الفقيه محمد السائح) و( السيد محمد الشرقاوي) وغيرهم...
ويتحدث هوعن حياته فيقول :
((...لم يكن اختيار اسرتي لمتابعة دراستي بالمساجد عفوية، ولكن المسجد كان طريق المستقبل الذي ينشده الذين لم يسيطر عليهم الوجود الاستعماري البراق يومئد، و الذين كانوا يؤمنون ان المغرب في حاجة الى رجال غير مكيفين مع الظروف وتلك ايضا كانت منهجية رجال المسجد يومئذ ... ولم تكن دروس السادة العلماء تقتصر على المنهج الذي يؤديه كل عالم ، بل كانت لكل واحد من هؤلاء رسالة...فقد كان للشيخ ابي شعيب الدكالي رسالة تجديد الفكر ، وكانت لسيدي المدني بن الحسيني رسالة فتح النوافذ الجديدة على الثقافة الجديدة : الاداب –الاعلام –الفنون على اختلافها، ولم يكن يبخل علينا بالاطلاع في بيته او (عشاياه) على عدد من المجلات و الصحف و الكتب الواردة من الشرق العربي و التي كان يتوصل ببعضها مباشرة، ويحصل على البعض الاخر عن طريق صديقه الفقيه المرحوم السيد احمد الزبدي . اما الفقيه السائح فقد كان عليه التركيز على المنهجية العلمية، و الابتعاد من الاستطراد في التفكير ، و الكتابة، والتزام الموضوع، وادخال آراء غير علماء المغرب، و الاشارةالى المصادر، و الدعوة الى الموضوع القصير ( المقالة) وتوزيع الموضوع الى عناصر ، وهو اول من كان يشير الى بعض كتاب الشرق وموضوعات بعض المجلات، واول مرة اشار فيها للموضوع القصير ، اشار الى مجلات ( الجوانب) و( الهلال) و( الهداية)... فكانت هذه المعطيات من اهم المؤثرات التي اثرت في طريق جيل ( الرواد ) الذين واصلوا معركة الرفض التي قادت المعركة الوطنية معركة الملك و الشعب التي حررت البلاد، وتعمل الان لتحقيق وحدتها وخلاصها ...والعودة بها الى مركزها الذي كان يسيطرعلى تفكيرهم، ويستبد بافاقهم.)
الشاعر الفقيه ابومحمد القباج اضطهد بسبب افكاره الوطنية وايمانه الراسخ ، فاعتقل سنة \ 1953 مع الوطنيين الرافضين للوضع المفروض على البلاد في ظل الاستعمارالفرنسي ، وكانت له اتصالات وثيقة منذ سنة\ 1941 مع الملك محمد الخامس عن طريق الحاجب الملكي الفقيه (محمد بن الحسن ابن يعيش ) لمراقبة الدروس التي كان يتلقاها سمو ولي العهد يومئذ ب(المدرسة المولوية) وخاصة ما يتصل بالموضوعات المغربية.
و كانت له اتصالات حول نوع الموضوعات التي كانت تنشر في مختلف الصحف و المجلات، وهي تواصل المعركة من اجل استقلال المغرب ، و له توجيه معين يتلقاه من جلالة الملك محمد الخامس وينشره بين مختلف الكتاب و الادباء الذين كانوا ينشرون بمختلف الصحف و المجلات ، وقد اسر او اعتقل الا انه بقي يحتفظ ببعض الموضوعات المتعلقة بذلك، رغم ان بعض منها كانت مسلمة للملك محمد الخامس بعد عودته من المنفى سنة \1956 عندما عمل على اعادة تنظيم مكتبة قصر (دار السلام) ب(الرباط )التي كانت بعض موادها مدفونة في باطن الارض وكذلك عمل على جمع مجلدات الصحف و المجلات بما فيها التي صدرت بشمال البلاد .
وعندما اسس الملك محمد الخامس الديوان الملكي سنة \1950 عين الاديب ابو محمد القباج عضوا فيه ولكن هذا الديوان تم حله من قبل (الجنرال جوان ) فعاد شاعرنا الى بيته لانه لم يكن ليعمل بالادارة يومئذ ، الا ان الملك محمد الخامس ظل يرسل اليه راتبه عن طريق كاتبه الخاص (احمد بن مسعود )الى ان نفي خارج البلاد
وبعد سنة 1956 عين بالكتابة العامة للحكومة فبقي يعمل بها مديرا لديوان الشؤون الادارية، ثم عين محافظا للخزانة العامة بمدينة (الرباط. (
ومن هنا نجد الفقيه القباج انطلق في ميدان الفكر، و الثقافة فهو حليف الكتب والمجلات وذو اهتمام بالاعلام وذو اهتمام خاص بالمسرح، ونجد من ملامح شخصيته انه لم يخرج من مجال المعركة الثقافية ، وتجديد الفكر، وبعث (المدرسة المغربية ) فهو من المناضلين الاوليين في الميدان الوطني والثقافي لما خلفه من اثار فكرية ، او توجيهات كان دعى اليها لاتحدها حدود في ايمان راسخ وثقة عالية في المستقبل. وكان من اعضاء الجماعة الاولى ب (الرباط) التي ساهمت في انشاء الحركة الوطنية ودعت الى تاسيس الصحافة بالمغرب منذ سنة 1918. وكان من اول الاقلام المغربية في المجال الادبي لفتت الانظار الى المغرب الجديد وكان له اهتمام بالنقد الادبي. فهو من رجال النهضة العربية الادبية الحديثة ، ومن كتاب المغرب و المشرق في اطار النثر الفني و كان لا يالو جهدا في الجمع بين الكتاب و الشعراء وتنظيم اللقاءات فيما بينهم ، وامسيات شعرية رائعة غالبا ما اعطت قصائد رائعة مرتجلة نتيجة حوار شعري بين مجموعة من الشعراء . وقد ساله بعض اصدقائه في اسبانيا (الاندلس)عن مدينة جميلة فوصف له مدينة (اسفي ) في المغرب فقال :
وبها من الفضلاء أفضل معشر
ومن الرجال الغر أكبر مسعـف
لا عيب فيهم غير أن وجوههم
تنفي الهموم عن الحزين المدنف
وبها الذين سألت عنهم سابقـا
من كل ذي ظرف ولطف مطرف
وإذا سألت فإنني قد كنت لـم
أعرف وذلك شأن من لم يعـرف
فعليهم مني السلام مؤبـــدا
ما حن مشتاقا لوصل الأهيــف
وعلى بلادهم التي قد أعطي
فخرا عظيما في خلافة يوســف
والله يسعدهم ويسعدها بهــم
والله يحفظهم بحفظ المصحــف
توفي الشاعر ابومحمد عبد الله القباج يوم الخميس الثاني والعشرين من شهر رجب الاصم \ 1399-21 الموافق الحادي والعشرين من حزيران (يونيو) 1979 ودفن بمقبرة الشهداء بالرباط،
ترك الشاعر والفقيه ابو محمدعبد الله القباج اثارا ادبية في الشعر والنثر وفي الصحافة والمسرح منها ما يلي :
1 معجم الشعراء
2.امثال شعبية
3.دروس الشيخ ابي شعيب الدكالي
4 .الحان واشجان - ديوان شعر
5 .الادب المغربي من دخول العرب الى العصر الحاضر
6.تقاليد وعادات
7.ابن عطية و الفكر العلمي في مغرب القرن السادس الهجري
8.تاريخ الادب العربي بالمغرب الاقصى - في جزئين
9. ديوان الامير ابي سليمان بن عبد الله الموحد بالاشتراك مع بعض الاساتذة .
ويقول عنه العلامة عبد الله كنون:
(وكان للاديب محمد بن عباس القباج فضل السبق في هذا المضمار ، فانه الذي اقتحم معركة النقد اولا بمقالاته القيمة التي كانت تنشرها له (مجلة المغرب) تحت عنوان (لذعات بريئة) ، وقد قومت هذه المقالات من زيغ المقاييس الادبية التي كانت متبعة اذ ذاك ، احدثت ضجة كبيرة بين الادباء المخضرمين الذين كانوا قليلي الاطلاع على الانتاج الادبي الجديد في الشرق العربي، ثم قام هذا الاديب الى جانب ذلك بتاليف كتاب عن الادب المغربي يضم اثار نخبة من الادباء المعاصرين ، شيوخا و شبابا ، فوضع بذلك اللبنة الاولى لدراسة الادب المغربي الحديث.. وقد نشر هذا الكتاب في جزئين لطيفين ..باسم : ( الادب العربي في المغرب الاقصى).
ابومحمد عبد الله بن عباس القباج من الشعراء المثقفين الذين اخلصوا للثقافة والادب و بالاخص الادب المغربي و الاندلسي بصفة خاصة ويتميز في هذا المجال باخلاقه الكريمة ونزاهته وعفته اخلاصه وقد امتازت كتاباته وابحاثه بالدقة وجزالة الاسلوب وشعره يتسم بجزالة الاسلوب ودقة المعاني ورقة الصورة الشعرية وعفويتها ويغلب عليه الشعرالوطني وقال في الوصف والغزل والاخوانيات وفي مجالات واسعة .
واختم بحثي بابيات من شعره قال :
آه له من عميـــد طالمــــا صبــــــــــــــرا
جمر الغضا في حشاه يرتمي شررا
إذا تــــــألق بـــــرق مـن بشائــــــره
جـــاءت زعازعـه تزجــي لــــه كــــــدرا
وقلت هذا الهوى الممقوت ضيعنــي
أمــا الرجيم فلا تسأله كيف جـــــــرى
والنفــس تأمرني واللهــو يبطرنـــــــــي
والشيـب ينذرنـي يا رب أنـت تـــــرى
لمــا أحــــــــل برأسـي قـلت مـزدريـــــــــــا
الشيب في الرأس لا يستلزم الكبــــــرا
فانحـــط في عارضي يمشي إلى ذقني
وإن فــــي اللحيـة الشمطـاء لي نـــــذرا
امير البيان العربي
د فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق - ديالى - بلدروز
********************************