وجيه الدولة الحمداني
بقلن -فالح الحجية
هو ابو المطاع ذو القرنين بن ابي المظفر حمدان بن ناصر الدولة ابي محمد حسن بن عبدالله بن حمدان التغلبي ويلقب ( وجيه الدولة ). من أسرة بني حمدان امراء ( حلب ) وما جاورها ومنهم الامير سيف الدولة الحمداني . و كان والده ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان التغلبي صاحب الموصل دمشقي الاصل .
ولد بالموصل سنة \ 347 هجرية -954 ميلادية وبها ترعرع وانتقل الى دمشق صغيرا لان اصله من اهل دمشق يقول في شعره :
سقى مصلّى دمشق صوب غادية
من كلّ منخرق ينهلّ بالماء
ففيه مثوى حبيب ما مررت به
إلا توهمت فيه بعض أعضائي
أظلّ أشتمه طوراً وألثمه
كأن تربته تشفي من الداء
فإن يكن ماء عيني قلّ ساكبه
فإنما نشّفته نار أحشائي
وفي دمشق تربى تربية ابناء الملوك والامراء واشتد ساعده وعلمه وادبه ودرس على اكابر علمائها واساتيذها وادبائها فكان أديبا فاضلا شاعرا سائسا مدبرا و تولى امرة ولاية دِمَشْق بعد لؤلؤ البشراوي في سنة إحدى وأربعمائة . ويصف احد مجالسه شرابه وانسه فيها فيقول :
ما أنس لا أنس يوم الدّير مجلسنا
ونحن في نعم توفي على النعم
وافيته غلساً في فتية زهر
ما شئت من أدب فيهم ومن كرم
والفجر يتلو الدّجى في اثر زهرته
كطاعن بسنان إثر منهزم
فلم نزل بمطيّ الراح نعملها
محدوة بيننا بالزمر والنغم
حتى اثنينا ونور الشمس يطرده
جنح من الليل في جيش من الظلم
وليس فينا لفعل الخندريس بنا
من تستقل به ساق على قدم
وجاء عن أبي الحسن عَلِيّ بْن المسلم الفرضي انه قال في تولي ذي القرنين دمشق :
( دفع إلي مجير الكتامي ، شيخ من جند المصريين ، ورقة فيها أسماء الولاة بِدِمَشْقَ فكان فيها : ثم ولي الأمير أبو المطاوع بْن حمدان سنة اثنتين وأربع مائة ، ثم ولي وجيه الدولة ابن حمدان سنة اثنتي عشرة ، ثم ولي ابن حمدان ولايته الثالثة سنة ست عشرة. وفي يوم عيد النحر ، وهو يوم الجمعة عَلَى العدد سنة إحدى وأربع مائة بعد صلاة العيد ، وصل السجل من مصر إلى الأمير أبي المطاع ذي القرنين بْن ناصر الدولة بْن حمدان بولاية دِمَشْق وتدبير العساكر وخلع عليه وقرأ الشريف القاضي الحسيني النصيبي السجل وعزل لؤلؤ البشراوي فكان جميع ما أقام واليا ستة أشهر وثلاثة أيام ، وسير الأمير أبو المطاع الأمير لؤلؤا مقيدا في يوم السبت لثمان بقين من ذي الحجة سنة إحدى وأربع مائة إلى مصر ، وورد الأمير لؤلؤ البشراوي الملقب بمنتخب الدولة عَلَى يد ابن الأمير أبي المطاع ، ثم عزله عنها بمحمد بْن نزال في جمادى الأولى سنة اثنتين وأربع مائة ، ثم ولي الأمير أبو المطاع دِمَشْق مرة أخرى في صفر سنة اثنتي عشرة وأربع مائة للملقب بالظاهر بعد ولي العهد ، ثم ولي بعده سختطين وعزل عنها في جمادى الآخرة سنة اثنتي عشرة وأربع مائة ، ووليها مرة ثالثة في يوم الأربعاء لتسع خلون من شهر ربيع الأول سنة خمس عشرة ، ويقال : في شهر ربيع الآخر سنة ست عشرة وأربع مائة إلى أن عزل عنها في سنة تسع عشرة بالدزبري قرأت بخط أبي مُحَمَّد بْن الأكفاني مما نقله من خط عَبْد الوهاب الميداني ، وجاءت الولاية إلى ذي القرنين بْن حمدان ، وكان شاعرا ، ولقب بوجيه الدولة وبرز إلى المزة يوم السبت لست خلون من جمادى الآخرة من سنة اثنتي عشرة وأربع مائة ، وسار في عد هذا اليوم يعني معزولا إلى مصر ، وقدم وجيه الدولة يوم الأربعاء لتسع خلون من شهر ربيع الأول سنة خمس عشرة فنزل في المزة ، ودخل في عد هذا اليوم يوم الخميس لعشر خلون من شهر ربيع الأول فنزل في القصر.)
وبهذا يكون قد تقلد ولاية دمشق سنة \401 هجرية ثم عزل منها فارتحل عن دمشق الى مصر فولاه الامير الظاهر بالله بن الحاكم بامر الله الفاطمي ولاية الاسكندية سنة \ 414 هجرية واقام فيها سنة كاملة ثم عاد الى دمشق سنة 415 هجرية واليا عليها وبقي فيها واليا حتى عام\419 هجرية حيث عزل منها لشيخوخته فبقي فيها معتزلا الامورالسياسية . وقد احب دمشق وتغزل فيها ولا غرو في ذلك فهو الأمير الكبير نائب دمشق ، وجيه الدولة أبو المطاع ، ابن صاحب الموصل ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان ، التغلبي الشاعر فيقول في وصفها :
هذي دمشق وساعة من يومها
في فضل لذّتها تقوم بأشهر
فانعم بيوم غيمه متكاثف
والثلج يسقط فوق روض مزهر
وكأنّما يلقاك من خلع له
بمعنبر ومكفر ومعصفر
توفي بدمشق في شهر صفر من سنة \428 هجرية – 1036 ميلادية وجاء في رواية اخرى انه توفي في مصر والاول عندي هو الاصوب .
كان ذو القرنين بن ابي المظفرأديبا فاضلا وشاعرا سا ئسا متمكنا مدبرا ظريفا يتميز شعره بحسن السبك و شعره رقيق الحواشي غزير المعاني مبتكرا مجددا واغلب شعره في ديوانه في الغزل و من لطيف شعره قوله:
لو كنت أملك صبرا أنت تملكه
عني لجازيت منك التيه بالصلف
وبت تضمر وجدا بت أضمره
جزيتني كلفا عن شدة الكلف
تعمد الرفق بي يا حب محتسبا
فليس يبعد ما تهواه من تلفي
إني لأحسد (لا) في أسطر الصحف
إذا رأيت اعتناق اللام للألف
وما أظنهما طال اعتناقهما
إلا لما لقيا من شدة الشغف
ويقول متغزلا :
لو كنت ساعة بيننا ما بيننا
وشهدت حين نكرر التوديعا
أيقنت أن من الدموع محدثا
وعلمت أن من الحديث دموعا
ومن شعره في الغزل :
أفْدِي الذِّي زُرْتُهُ بالسَّيْفِ مُشْتَمِــلاً
ولَحْـظُ عَيْنَيْهِ أمْضَـى مِنْ مَضَارِبِـهِ
فمَا خَــلَعْتُ نِجَــادي للعِنَاقِ لَـهُ
إلا لَبِسْـتُ نِجَــادًا مِــنْ ذَوَائِبِـه
فبـاتَ أسْـعَدَنَا فــي نَيْـلِ بُغْيَتِـهِ
مَنْ كانَ فـي الحُـبِّ أشْقَانَا بِصَاحِبِه
ويقول ايضا :
لما التقينا معاً والليل يسترنا
من جنحه ظلم في طيّها نعم
بتنا أعفّ مبيت باته بشر
ولا مراقب إلا الطّرف والكرم
فلا مشى من وشى عند العذول بنا
ولا سعت بالذي يسعى بنا قدم
واختم بحثي في قوله واصفا دمشق :
سقى اللَه أرض الغوطتين وأهلها
فلي بجنوب الغوطتين شجون
وما ذقت طعم الماء إلا استشفّني
إلى برد ماء النيربين حنين
وقد كان شكّي في الفراق يروعني
فكيف أكون اليوم وهو يقين
وواللَه ما فارقتكم قاليا لكم
ولكن ما يقضي فسوف يكون
**********************