الخا لـديـــا ن
بقلم د.فالح الحجية
هما أخوان شاعران مبدعان : أبو بكر محمد وأبو عثمان سعيد ابنا هاشم بن وعكة بن عرام بن عثمان بن بلال وعائلتهما من الموصل وكنيا (الخالديان) لانهما من أهل قرية الخالدية التي كانت تابعة للموصل . وقيل: نسبتهما إلى جد لهما اسمه خالد (ابن منبه، أو ابن عبد القيس، أو ابن عبد عنبسة، في روايات مختلفة وعرفهما الزبيدي صاحب كتاب ( تاج العروس ) بالموصليين. الا انهما عرفا بالخالديين .
ولدا في قرية الخالدية ونشأ ا فيها ثم انتقلا الى دمشق في صحبة سيف الدولة بن حمدان اميرالدولة الحمدانية التي حكمت الموصل وحلب ودمشق وما حولها . وعرفهما الزبيدي صاحب كتاب ( تاج العروس ) بالموصليين. الا انهما عرفا بالخالديين . بينما يقول ياقوت الحموي في كتابه( معجم الأدباء)
- كانا أديبي (البصرة) وشاعريها في وقتهما.)
أي جعلهما من ابناء البصرة .
وقد تلقيا د روسهما عن أبي بكر محمد بن منصور الخياط النحوي وعلى ابن دريد والصولي وكانا يأخذان من كتب جحظة البرمكي وأتصل الخالديان ببلاط سيف الدولة قبل أن يدخله المتنبي وبقيا فيه بعدما غادره المتنبي .
وكانا شاعرين من خواص شعراء سيف الدولة الحمداني وقد اشتركا في شيء كثير من الاعمال الثقافية والشعرية وامور الدولة وولاهما خزانة كتبه ومما قالا في مدحه :
دَمُ المَجْدِ أَجْراهُ الطَّبيبُ وعُصِّبَتْ
عَلى سَاعِدِ العَلْيَاءِ تِلكَ الْعَصَائِبُ
لَئِنْ لاحَ في عَضْدِ الأَميرِ نَجيعُهُ
غَدَاةَ جَرَتْ في الطَّسْتِ مِنْهُ سَباسِبُ
فَلا غَرْوَ للصَّمْصامِ إِنْ مَسَّ حَدَّهُ
دَمٌ وهو مَصْقُولَ الغِرَاريْنِ قاضِبُ
وَلَيْثُ الشَّرى لا تُنْكِرُ العَيْنُ أَنْ تُرَى
بَرَاثِنُه مَخْضُوبَةً والمَخَالِبُ
. وكانا آية في الحفظ والبديهة وكان الشاعر السري الرفاء يهجوهما ويهجوانه.
من شعر ابي بكر محمد يقول :
البدر منتقب بغيم أبيض
هو فيه بين تخفر وتبرج
كتنفس الحسناء في المرآة إذ
كملت محاسنها ولم تتزوج
و ومن شعر ابي عثمان سعيد :
أما ترى الغيم يا من قلبه قاسي
كأنه أنا مقياسا بمقياس
قطر كدمعي وبرق مثل نار أسى
في القلب مني وريح مثل أنفاسي
وقال فيهما أبو إسحاق الصابي :
أرى الشاعرين الخالديين سيرا
قصائد يفنى الدهر وهي تخلد
هما لاجتماع الفضل روح مؤلف
ومعناهما من حيث ما شئت مفرد
وكان يتهمهما شعراء عصرهما بسرقة اشعا رهم. وكانت قد انتشرت ظاهرة سرقة الشعر او اضافة القصيدة لغير قائلها فاختلطت الامور كثيرا وقد ذكرت ذلك سابقا .
وأورد الثعالبي في كتابه الموسوم ( يتيمة الدهر ) قصائد لأحد معاصريهما في هذا المعنى او الخصوص .
قال فيهما ابن النديم في كتابه ( الفهرست) :
(كانا سريعي البديهة . قال لي أبو بكر منهما : إني أحفظ ألف سمر ، كل سمر في نحو مائة ورقة : قال : وكانا مع ذلك إذا استحسنا شيئا غصباه صاحبه حيا كان أو ميتا ، كذا كانت طباعهما . وقد رتب أبو عثمان شعره وشعر أخيه ، وأحسب غلامهما رشأ رتب شعرهما ، فجاء نحو ألف ورقة ،)
وقد توفى سعيد بن هاشم سنة\ 370 هجرية – 981 ميلادية وقيل في سنة \371 هجرية .
وقد توفي محمد بن هاشم سنة \ 380 هجرية – 990 ميلادية وقيل في رواية اخرى توفي في سنة \400 هجرية – 1100 ميلادية
وقد تركا كتبا قيمة بعدهما منها :
1-الأشباه والنظائر من أشعار المتقدمين والجاهليين والمخضرمين وعرف بحماسة المحدثين أو حماسة الخالديين
2- التحف والهدايا جمعا فيه مختارات مما قيل فيهما ومن 3-3- أخبار أبي تمام ومحاسن شعره
4- أخبار الموصل
5- اختيار شعر ابن الرومي
6- اختيار شعر البحتري
7- اختيار شعر مسلم بن الوليد .
8- كتاب التحف والهدايا
9-- كتاب اختيار شعر بشار
10 - كتاب اختيار شعر ابن المعتز والتنبيه على معانيه
11 - كتاب الديارات
يتميز شعرها بقوته وقدرتهما على النظم المشترك – وهذه وايم الله - لم تكن موجودة في شعر الاولين ولا الاخرين وشدة سبكهما للمنظوم فكانا كانهما روح واحدة وفكر واحد في جسدين يشتركان في قرض الشعر وقوله وربما يقول احدهما فيه بمفرده وقد نظما الشعر في جل فنونه. فقالا في المدح والفخر والهجاء والغزل والوصف والحكمة و الاخوانيات والرثاء ووصف الخمرة ومجالسها فيقولان فيها :
أَلا فَاسْقِني واللًّيْلُ قَدْ غابَ نورُهُ
لِغَيْبَةِ بَدْرٍ في الغَمامِ غَريقِ
وقَدْ فَضَحَ الظَّلْماءَ بَرْقٌ كَأَنَّهُ
فُؤادُ مَشوقٌ مولَعٌ بِخَفوقِ
نُعايِنُها نوراً جَلاهُ تَجَسُّدٌ
ونَشْرَبُها ناراً بِغَيْرِ حَريقِ
كَأَنَّ حَبابَ الكَأْسِ في جَنَباتِها
كَواكِبُ دُرٍّ في سَماءِ عَقيقِ
وقد اخذا من الشعراء معاني صاغاها صياغة أسنى أو
أدنى وأبياتاً ومقاطع ليست لهما ينتحلانها ومن يتأمل شعرهما يلاحظ أنهما يلمان بمعاني الشعراء قبلهما مثل أبي نواس وأبي تمام والبحتري وابن المعتز وغيرهم إلماما ً قريباً ثم يلقيان عليها تراكيب أسهل والطف . فيتفضلان في اللفظ العذب الرقيق لا في المعنى الذي اقتنصاه من الشعراء .
وقيل انهما كانا يشتركان في نظم الأبيات أو القصيدة الواحدة فتنسب إليهما معا. وهذا ما اعجب به وقيل كانا كفرسي رهان في قوة الذكاء وسرعة النظم وجودته يتشاركان في القصيدة الواحدة لاحظ قولهما :
صاحِ غَمَّضْتُ وما غَمْ مَضَ جَفْنَيَّ الهُجودُ
بِبَريقٍ هَبَّ تَحْدو هُ بُروقٌ ورُعودُ
مُقْبِلٌ يَقْصِدُ أَحْيا ناً وأَحْياناً يَحيدُ
زَجِلٌ تَحْسَبُ في قُطْ رَيْهِ غِيلٌ وأُسودُ
عُلْوُهُ في النَّجْمِ لَكِنْ سفْلُهُ حَيْثُ الصَّعيدُ
فيهِ للأَزْهُرِ والرَّو ضَةِ وَعْدٌ ووَعيدُ
ويقولان في الوصف :
لَوْ أَشْرَقَتْ لَكَ شَمْسُ ذاكَ الهَوْدَجِ
لأَرَتْكَ سَالِفَتَيْ غَزالٍ أَدْعَجِ
أَرْعَى النُّجومَ كَأَنَّها في أُفْقِها
زهْرُ الأَقاحي في رِياضِ بَنَفْسَجِ
والمُشْتَري وَسَطَ السَّماءِ تَخالُهُ
وسَنَاهُ مِثْلَ الزِّئْبَقِ المُتَرَجْرِجِ
مِسْمار تِبْرٍ أَصْفَرٍ رَكَّبتَه
في فَصِّ خَاتِمِ فِضَّةٍ فَيْروزَجِ
وتَمايُلُ الجَوْزاءِ يَحْكي في الدُّجَى
مَيَلانَ شَارِبِ قَهْوَةٍ لَمْ تُمْزَجِ
وَتَنَقَّبَتْ بِخَفيفِ غَيْمٍ أَبْيَضٍ
هيَ فِيهِ بَيْنَ تَخَفُّرٍ وتَبَرُّجِ
كَتَنَفُّسِ الحَسْناءِ في المِرْآَةِ إِذْ
كَمُلَتْ مَحاسِنُها وَلَمْ تَتَزَوَّجِ
ومن شعرهما ايضا هذه الابيات :
يا سَيِّداً بِالعُلا والمَجْدِ مُنْفَرِدا
وواحِدَ الأَرْضِ لا مُسْتَثْنياً أَحدا
لُهاكَ أَوْجَدَتِ الآَمالَ ما فَقَدَتْ
وقَرَّبَتْ لِمُنى الرّاجينَ ما بَعُدا
هَذا زَمانُ عِلاجٍ يُتَّقى ضَرَرُ الْ
أَخْلاطِ فيهِ لأَنَّ الفَصْلَ قَدْ وفَدا
فَلَسْتَ تُبْصِرُ إِلاّ شارِباً قَدَحاً
مُرّاً وإِلاّ نَزيفَ الجِسْمِ مُفْتَصدَا
وقَدْ عَصَيْتُ الهَوى مُذْ أَمْسِ مُحْتَمياً
لَمّا عَزَمْتُ عَلى إِصْلاحِ ما فَسَدا
ورَوَّقوا لِيَ رَطْلاً لَسْتُ أَذْكُرُهُ
إِلاّ عُدِمْتُ لَدَيْهِ الصَّبْرَ والجَلَدا
مُناكِرٌ لِطِباعِيَ غَيْرَ أَنَّ لَهُ
عُقْبى تُمازِجُ مَحْموداتُها الجَسَدا
ولَيْسَ لي قَهْوَةٌ أُطْفي بِجَمْرَتِها
عَنْ مُهْجَتي شِرَّةَ الماءِ الَّذي بَرَدا
فامْنِنْ بِدَسْتيجَةِ المَشْروبِ يَوْمَكَ ذا
فَقَدْ عَزَمْتُ عَلى شُرْبِ الدَّواءِ غَدا
امير البيان العربي
د. فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلدروز
****************************