مالك بن الريب المازني .
هو مالك بن الريب بن حوط بن قرط بن حسيل بن ربيعة بن كابية بن حرقوص بن مازن بن تميم نشأ في نجد ببادية بني تميم وقيل هو مولى لهم .
وقيل لما شب تصاحب من جماعة من الفرسان اللصوص وكان مالك شابا شجاع فاتكاً لا ينام الليل إلا متوشحاً بسيفه ولكنه استغل قوته في قطع الطريق هو وثلاثة من أصدقائه ولازم شظاظ الضبي- الذي
قالت عنه العرب ألص من شظاظ - وابو حردبة واخرون حيث كانوا يقطعون طريق الناس وساموا الناس شرا فطاردهم عامل المدينة وتتبعهم ثم كتب إلى الحارث بن حاطب الجمحي وهو عامله على بني عمرو بن حنظلة يطلبهم فهربوا منه الى عامله في فانهزم مالك الى البحرين صحبة ابي حردبة ثم عبرا الى فارس وفي ذلك يقول مالك :
أحقاً على السلطان أما الـذي لـه
فيعطى وأما ما يراد فـيمـنـع
إذا ما جعلت الرمل بيني وبـينـه
وأعرض سهب بين يبرين بلقـع
من الأدمى لا يستجم بها القـطـا
تكل الرياح دونـه فـتـقـطـع
وما أنا كالغير المـقـيم لأهـلـه
على القيد في بحبوحة الضيم يرتع
وفي شبابه قيل ان مالك بن الريب ذات ليلة في بعض هناته وهو نائم - وكان لا ينام إلا متوشحاً بالسيف - فإذا هو بشيء قد جثم على صدره لا يدري ما هو فانتفض به مالك فسقط عنه ثم انتحى له بالسيف فقطعه نصفين، ثم نظر إليه فإذا هو رجل أسود كان يقطع الطريق في تلك الناحية فقال مالك في ذلك:
أدلجت في مهمة ما إن أرى أحـداً
حتى إذا حان تعريس لمـن نـزلا
وضعت جنبي وقلت: الله يكلؤنـي
مهما تنم عنك من عين فما غفـلا
ما نمت إلا قليلا نـمـتـه شـئزاً
حتى وجدت على جثماني الثقـلا
داهية من دواهي الليل بـيتـنـي
مجاهدا يبتغي نفسي وما خـتـلا
أهويت نفحاً له واللـيل سـاتـره
إلا توخيته والجرس فـانـخـزلا
لما ثنى الله عنـي شـر عـدوتـه
رقدت لا مثبتاً ذعراً ولا بـعـلا
خذها فإني لضراب إذا اختلفـت
أيدي الرجال بضرب يختل البطلا
ولما استعمل معاوية بن أبي سفيان سعيد بن عثمان بن عفان على خراسان فذهب سعيد بجنده في طريق فارس فالتقى به مالك بن الريب وكان من أجمل الناس صباحة وأحسنهم زيا ورجولة فلما رآه سعيد قال له :
ويحك يا مالك تفسد نفسك بقطع الطريق! وما يدعوك إلى ما يبلغني عنك من العبث والفساد وفيك هذا الفضل كله .
قال: يدعوني إليه العجز عن المعالي ومساواة ذوي المروءة ومكافأة الإخوان
قال: فإن أنا أغنيتك واستصحبتك أتكف عما كنت تفعل؟
قال: إي والله أيها الأميرأكف كفاً لم يكف أحد أحسن منه.
فاستصحبه وأجرى له خمسمائة درهم في كل شهر.
وقيل لما خرج مالك بن الريب مع سعيد بن عثمان متوجهين الى فارس تعلقت به ابنته وبكت تخشى طول سفره او غيابه عنهم فبكى وأنشأ يقول:
ولقد قلت لابنتي وهـي تـبـكـي
بدخيل الهمـوم قـلـبـاً كـئيبـا
وهي تذري من الدموع على الخدّي
ن من لوعة الـفـراق غـروبـا
عبرات يكدن يجرحن مـا جـزن
ن بـه أو يدعـن فـيه نـدوبـا
حذر الحتف أن يصيب أباهـا
ويلاقي في غير أهل شعوبا
اسكتي قد حززت بالدمع قلبي
طالما حز دمعكن القلـوبـا
فعسى الله أن يدفـع عـنـي
ريب ما تحذرين حتى أؤبـا
ليس شيء يشاؤه ذو المعالـي
بعزيز عليه فادعي المجيبـا
ودعي أن تقطعي الآن قلبـي
أو تريني في رحلتي تعذيبـا
أنا في قبضة الإلـه إذا كـن
ت بعيداً أو كنت منك قريبـا
كم رأينا امرأً أتى من بـعـيد
ومقيما على الفراش أصيبـا
فدعيني من انتحـابـك إنـي
لا أبالي إذا اعتزمت النحيبـا
حسبي الله ثم قربـت لـلـس
ير علاة أنجب بها مركوبـا
انطلق مالك بن الريب مع سعيد بن عثمان إلى خراسان غازيا ومجاهدا حتى إذا كانوا في بعض مسيرهم احتاجوا إلى لبن فطلب سعيد صاحب الابل فلم يجدوه فقال مالك لغلام من غلمان سعيد:
-أدن مني فلانة - وهي ناقة كانت لسعيد عزيزة عليه –
فأدناها منه فمسحها وأبس بها حتى درت ثم حلبها فإذا أحسن حلب حلبه الناس وأغزره درة فاخبر الغلام إلى سعيد فقال سعيد لمالك: - هل لك أن تقوم بأمر إبلي فتكون فيها وأجزل لك الرزق وأضع عنك الغزو فتاثر مالك بذلك فقال:
إني لأستحي الفوارس أن أرى
بأرض العدا بو المخاض الروائم
و إني لأستحي إذا الحرب شمرت
أن أرخي وقت الحرب ثوب المسالم
وما أنا بالثاني الحفيظة في الوغى
ولا المتقي في السلم جر الجرائم
ولا المتأني في العواقب للذي
أهم به من فاتكات العزائم
ولكنني مستوحد العزم مقدم
على غمرات الحادث المتفاقم
فندم سعيد لمحادثته لمالك بالامر واصطحبه فارسا ومجاهدا فكان مثال الفارس المجاهد وانتصرا انتصارا مؤزرا في هذه المعركة وعادوا منتصرين .
وذكر ابن الأعرابي:
ان مالك بن الريب مرض عند قفول سعيد بن عثمان من خراسان في طريقه فلما أشرف على الموت تخلف معه مرة الكاتب ورجل آخر من قومه من بني تميم فعرج الى منزله في منطقة ( عنيزة ) في نجد وهما اللذان يقول فيهما:
أيا صاحبي رحلي دنا الموت فانزلا
برابـية إنـي مـقـيم لـيالــيا
ومات في منزله ذلك فدفناه وقبره هناك لايزال ظاهرا معروفا إلى الآن
وفي رواية اخرى يذكرها الا صفهاني صاحب الاغاني في كتابه ان مالكا عند عودته بعد الغزو وبينما هم في طريق العودة إلى منطقة الغضا في (عنيزة) في نجد حيث تشتهر عنيزة بكثافة اشجار الغضا – تذكر ان له سرقة قد اخفاها في عنيزة وهو مسكن أهله فمرض مرضاً شديداً وقيل أنه لسعته أفعى وهو في القيلولة فسرى السم في عروقه فلما أحس بالموت قال قصيدته اليائية يرثي فيها نفسه. واود ان اثبت ان مالك بن الريب لم تشتهر له غير هذه القصيدة وبعض المقاطع التي ذكرتها انفا لذا يعبر من اصحاب الواحدة وهذه بعض من .
أبيات القصيدة:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
بجنب الغضا أزجي القلاص النواجيا
فليت الغضا لم يقطع الركبُ عرضه
و وليت الغضا ماشى الركاب لياليا
لقد كان في أهل الغضا لو دنا الغضا
مزار ولكن الغضا ليس دانيا
ألم ترني بعت الضلالة بالهدى
وأصبحت في جيش ابن عفان غازيا
وأصبحت في أرض الأعادي بعدما
أراني عن أرض الأعادي قاصيا
دعاني الهوى من أهل ودّي وصحبنتي
بذي الطبسين، فالتفت ورائيا
أجبت الهوى لما دعاني بزفرة
تقنعت ، منها أن ألام، ردائيا
أقول وقد حالت قرى الكرد بيننا
جزى الله عمرا خير ما كان جازيا
إنْ الله يرجعني من الغزو لا أرى
وإن قلّ مـالي طالبا ما ورائيا
تقول ابنتي لما رأت طول رحلتي
سفارك هذا تاركي لا أبا ليا
لعمري لئن غالت خراسان هامتي
لقد كنت عن بابي خراسان نائيا
فإن أنج من بابي خراسان لا أعد
إليها وإن منيتموني الأمانيا
فلله دري يوم أترك طائعا
بنيَّ بأعلى الرقمتين، وماليا
ودرٌ الظباء السانحات عشية
يخبّرن أني هالك من ورائيا
لله در كبيريَّ الذين كلاهما
عليَّ شفيق ناصح لو نهانيا
ودر الرجال الشاهدين تفتكي
بأمري ألا يقصروا من وثاقيا
ودر الهوى من حيث يدعو صحابه
ودر لجاجاتي ودر اتنهائيا
تذكرت من يبكي علي فلم أجد
سوى السيف والرمح الرديني باكيا
وأشـقرَ خنديداً يجـرُّ عِنانه
إلى الماء لم يترك له الموت ساقيا
ولكنْ بأطرف (السُّمَيْنَةِ) نسوةٌ
عزيزٌ عليهنَّ العشيةَ ما بيا
صريعٌ على أيدي الرجال بقفزة
يُسّوُّون لحدي حيـث حُـمَّ قضائيا
ولما تراءت عند مروٌ منيّتي
وحلّ بها جسمي وحانت وفاتيا
أقولُ لأصحابي ارفعوني فإنني
يقرُّ بعيني أن سهيل بدا ليا
فيا صاحبي رحلي دنا الموت فانزلا
برابية إني مقيم لياليا
أقيما علي اليوم أو بعض ليلةٍ
ولا تعُجلاني قد تبيّن مابيا
وقوما إذا ما استُل روحي فهيّئا
لي القبر والأكفان ثم ابكيا ليا
وخطا بأطراف الأسنة مضجعي
وردّا على عيني فضل ردائيا
ولا تحسُداني بارك الله فيكُما
من الأرض ذات العرض أن توسعا ليا
خُذاني فجُرّاني ببردي إليكما
فقد كنت قبل اليوم صعبا قياديا
وقد كنت عطّافاً إذا الخيل أدبَرتْ
سريعاً لدي الهيجا إلى من دعانيا
وقد كنت محموداً لدى الزاد والقرى
وعن شتم بن العم والجار وانياً
وقد كنت صبارا على القرن في الوغى
ثقيلاً على الأعداء عضبا لسانيا
فطورا تراني في ظلال ونعمة
وطورا تراني والعتاق ركابيا
وطورا تراني في رحى مستديرة
خرق أطراف الرماح ثيابيا
وقوما على بئر الشبيكي فأسمعا
بها الوحش والبيض الحسان الروانيا
بأنكما خلفتماني بقفرة
تهيل عليّ الريح فيها السوافيا
ولا تنسيا عهدي خليلاي إنني
تقطع أوصالي وتبلى عظاميا
فلن يعدم الولدان بثا يصيبهم
ولن يعدم الميراث مني المواليا
يقولون لا تبعد وهم يدفنوني
وأين مكان البعد إلا مكانيا
غداة غدٍ يا لهف نفسي على غد
إذا أدلجوا عني وخلفت ثاويا
وأصبح مالي من طريف وتالد
لغيري وكان المال بالأمس ماليا
فيا ليت شعري هل تغيرت الرحى
رحى الحرب أو أضحت بفلج كما هيا
إذا الحيُّ حَلوها جميعاً وأنزلوا
بها بَقراً حُمّ العيون سواجيا
رَعَينَ وقد كادَ الظلام يُجِنُّهـا
يَسُفْنَ الخُزامى مَرةً والأقاحيا
وهل أترُكُ العِيسَ العَواليَ بالضُّحى
بِرُكبانِها تعلو المِتان الفيافيا
إذا عُصَبُ الرُكبانِ بينَ (عُنَيْزَةٍ)
و(بَوَلانَ) عاجوا المُبقياتِ النَّواجِيا
فيا ليت شعري هل بكت أم مالك
كما كنت لو عالوا نَعِيَّـكِ باكيا
إذا مُتُّ فاعتادي القبور وسلمي
على الرمس أسقيتي السحاب الغواديا
تري جَدَثٍ قد جرت الريح فوقه
غبارا كلون القسطلان هابيا
رهينة أحجار وترب تضمنت
قرارتها مني العظام البواليا
فيا راكبا إما عرضت فبلغن
بني مالك والريب ألا تلاقيا
وبلغ أخي عمران بردي ومئزري
وبلغ عجوزي اليوم أن لا تدانيا
وسلم على شيخيّ مني كليهما
وبلغ كثيرا وابن عمي وخاليا
وعطل قلوصي في الركاب فإنها
سَتَفلِقُ أكباداً وتبكي بواكيا
بعيد غريب الدار ثاو بقفرة
يد الدهر معروفا بأن لا تدانيا
أقلب طرفي حول رحلي فلا أرى
به من عيون المؤنسات مراعيا
وبالرّمل مني نسوةًّ لو شهد نني
بكين وفدّين الطبيب المداويا
فمنهن أمّي وابنتاها وخالتي
وباكية أخرى تهيج البوا كيا
وما كان عهد الرّمل مني وأهلهِ
ذميماً ولا بالرّملِ ودّعت ُ قاليا
**************************