الحطيئة
هو ابو مُلَيْكة جرول بن أوس بن مالك العبسي و امه امة اسمها ( الضراء ) لا يعرف له نسب صحيح فشب في بني عبس ودعي بهم حيث ولد مظلوما محروما لم يجد سندا من اهله فتربى تربية شاذة واضطر الى جلب ة قوته بنفسه منذ الصغر فاثر ذلك في نفسه ولعل ذلك سبب ميله الى هجاء نفسه وامه وعائلته واقاربه ومعارفه والناس الاخرين فقد عاش في بيئة ظلمته كثيرا .يكنى أبا مليكة ولقب (الحطيئة) لقصر قامته وقربه من الأرض .
شاعر مخضرم جاهلي إسلامي اسلم في زمن ابي بكر الصديق من فحول الشعراء في وقته عرف بالهجاء لم يسلم أحد من لسانه وهجائه حتي قيل أنه هجا نفسه وهجا أمه وزوجته وكانت أغلب القبائل العربية تهابه وتهبه المنح والعطايا خوفاً من هجائه فقد كان متين الشعر شرود القافية.
وقد وصفه الأصمعي فقال عنه : كان قليل الخير جشعاً سؤولاً ملحاحاً دنيىء النفس كثير الشر بخيلاً قبيح المنظر رث الهيئة فاسد الدين بذيئاً هجاءً الى درجة أنه هجا نفسه بقوله:
أبـت شـفتاي الـيوم إلا تـكلماً
بـسوءٍ فـما أدري لمن أنا قائله
أرى لـي وجـهاً شوَّه الله خلقهُ
فـقُبِّح مـن وجـهٍ وقُبِّح حامله
وقيل انه لزم زهير بن ابي سلمى يعلَّمه أحكام الشعر.
اشتهر الحطيئة في الهجاء ويقول بعض المؤرخين من انه كان ناقما على الناس لوضاعة اصله لذا نراه اشتهر بالهجاء فهجى امه واباه واقاربه ومن الناس كثير وحتى هجا نفسه وكذلك اشتهر بالدح والغزل . وهجا امه فقال:
تـنـحي فـاقعدي مـني بـعيداً
أراح الله مــنـك الـعـالـمينا
ألـم أوضـح لـك البغضاءَ مني
ولـكـن لا أخـالُـكِ تـعـقلينا
أغـربـالاً إذا اسـتُـدعت سـراً
وكـانـوناً عـلـى الـمتحدثينا
جـزاكِ الله شـراً مـن عـجوز
ولـقَّـاك الـعقوق مـن الـبنينا
حـياتكِ مـاعلمت حـياةُ سـوءٍ
ومـوتُـكِ قــد يـسرُّالصالحينا
وهجا أباه فـقال:
لـحـاك الله ثــم لـحاك حـقاً أبــاً
ولـحـاك من عـمٍّ وخـالِ
فـنعم الـشيخُ أنت لدى المخازي
وبـئس الشيخُ أنت لدى المعالي
جـمعت الـلُّؤم لا حـياك ربـي
وأبــواب الـسـفاهةِ والـظلالِ
الحطيئة التزم بمدرسة الجاهلية أسلوبا ومنهجا فهو التزم منهج الهجاء. وبتصور المحاولات والزمن أصبح وقد اختلف الرواة في اسلامه فمنهم من يرى انه قدم الى النبي صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة واعلن اسلامه وقسم منهم يؤكد انه تاخر اسلامه والتزم الصمت بعد اسلامه وبعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم نراه قد ارتد عن الاسلام ولم يسلم ثانية الا بعد انتهاء حروب الردة .
وفي ذلك يقول :
أطعنا رسول الله ما كان بيننا
فيا لعباد الله ما لأبي بكر
أيورثنا بكرا إذا مات بعده
وتلك لعمر الله قاصمة الظهرِ
أغلب شعر الحطيئة يدور في المديح والهجاء ، وكان قد مدح سادة القبائل بشعره منذ نشا في الجاهلية ومنهم عيينة بن حصن الفزاري وزيد الخيل وكان كثير غيره من الشعراء يصنعنون صنيعه .
كانت له مع الزبرقان بن بدر حادثة قد اضرته كثيرا ذلك أن الحطيئة لقي الزبرقان في عهد عمر بن الخطاب يؤم المدينة وكان على صدقات قومه فلما عرفه دلَّه على داره حيث زوجه وعشيرته فنزل بأهله وفزع بنو أنف الناقة وكانت لهم خصومة مع (الزبر قان بن بدر) فعملوا على افساد العلاقة بين الشاعرين فاستمالوا الحطيئة اليهم فمدحهم وعرّض للزبرقان فكان هجاؤه اليه بصورة غير مباشرة في قصيدة طويلة حيث يخاطبه فيها :
دع المكارم لا ترحل لبغيتها
واقعد فأنك أنت الطاعم الكاسي
فشكاه الزبرقان إلى عمربن الخطاب فحبسه ولما طال به الحبس استعطف الحطيئة عمرا بأبياته المشهورة:
مَاذَا تقول لأِفْراخٍ بذي مَرَخٍ
زغبِ الحواصل لا ماءٌ ولا شجرُ
ألقيت كَاسِبَهُمْ في قَعْرِ مُظْلِمَة ٍ
فاغْفِرْ عَلَيْكَ سلامُ اللّه ياعُمَرُ
أنتَ الأمِينُ الذي مِنْ بَعْدِ صَاحِبه
ألْقَتْ إليْكَ مَقَالِيدَ النُّهَى البَشَرُ
لم يؤثروك بها إذْ قدَّموك لها
ألْقَتْ إليْكَ مَقَالِيدَ النُّهَى البَشَرُ
فامنن على صبيةٍ بالرَّمْلِ مسكنُهم
بين الأباطح يغشاهم بها القدرُ
نفسي فداؤك كم بيني وبينَهُمُ
من عَرْضِ واديةٍ يعمى بها الخبر
فعفا عنه بعد أن أخذ عليه العهد أن لا يعود إلى الهجاء وقيل ان الخليفة عمر بن الخطاب أشترى منه أعراض المسلمين بثلاثة الآف درهم ولكنه عاد للهجاء بعد وفاة عمر مرة أخرى.
توفي سنة تسع وخمسين للهجرة ومن اغرب ما سمعت وقرات في قصة موته فقد ذكر المؤرخون والرواة عن كيفية وفاة الحطيئة:
(( لما حضرت الحطيئة الوفاة أجتمع أصحابه اليه وطلبوا منه أن يوصي قبل وفاته :
فقال لهم : ويل للشعر من رواية السوء
قال له أحد أصحابه أوصي ياحطيئة رحمك الله
فقال: أوصيكم بأن تبلغوا قبيلة غطفان بأن الشماح هو أشعر العرب لقوله :
إذا أنبض الرامون عنها ترنمت
ترنم ثكلى أوجعتها الجنائز
قالوا له : أوصي بما ينفعك .
قال : أوصيكم بأن تبلغوا أهل ضابىء أن شاعرهم ضابىء هو أشعر العرب لقوله :
لكل جديد لذة غير أنني
رأيت جديد الموت غير جديد
قالوا له : ويحك يا حطيئة أوص بما ينفعك في آخرتك .
قال أوصيكم بأن تبلغوا أهل امرىء القيس أنه أشعر العرب لقوله:.
فيالك من ليل كأن نجومه
بكل مغار الفتل شدت بيذبلِ
فضحك القوم من تصرفه هذا رغم مشاهدتهم له يحتضر على فراش الموت .
فقال له أحدهم : اتق الله ودع عنك هذا وأ وص .
قال : أوصيكم أن تبلغوا الأنصار- ويعني به الشاعر حسان بن ثابت الانصاري - أن صاحبهم أ شعر العرب لأنه القائل :.
يغشون حتى ماتهر كلابهم
لايسألون عن السواد المقبل
قال له صاحبه وكأنه قد مل من تصرف الحطيئة : والله هذا لايغني عنك شياً ياحطيئة فاتق الله وقل غير هذا .
فالتفت الحطيئة اليهم وقال :
الشعر صعب وطويل سلمه
اذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه
زلت الى الحضيض قدمه
يريد أن يعربه فيعجمه
وحين رأوا أن لا فائدة من نصحه وأنحسر الجد من مجلسهم سأله أحدهم :
من أشعر الناس يا أبا مليكة ؟
قال مشيرا الى فمه: هذا الجحير اذا طمع في خير .
وسأله أخر قائلا : ياحطيئة بماذا توصي الفقراء ؟
قال : أوصيهم بالالحاح في المسالة فانها تجارة لا تبور.
فسأله مرة أخرى : وبماذا توصي اليتامى ؟
قال : كلوا أموالهم وانكحوا أمهاتهم .
وحين شعر القوم أن لا فائدة من نصحه قرروا الانصراف عنه فسألوه قبل خروجهم : هل تريد منا شيئاً قبل انصرافنا ؟
قال: نعم تحملوني على بغل وتتركوني راكبها حتى أموت فان الكريم لا يموت على فراشه .والبغل مركب لم يمت عليه كريم قط
هنا أحضر أصحابه بغلاً وحملوه عليه وجعلوا يذهبون به ويجيئون حتى مات .
وكان أخر ماقاله قبل أن يلفظ أنفاسه :
لا أحد الأمُ من حُطيه
هجا بنيه وهجا المُريه
من لومه مات على فُريه
يتميز شعره بلهجته البدوية ولم يتاثر في الاسلام الا قليلا لبعده عن مركز الخلافة الاسلامية وقلة دراسته واهتمامه وتفهمه للاسلام .
ومن شعره: –
نَأَتْكَ أُمَامَة ُ إلاّ َ سُؤَالاَ
و أَبْصَرْتَ مِنْهَا بغَيْبٍ خَيالا
خيالاً يروعك عند المنامِ
و يَأْبَى مَعَ الصُّبْحِ إلا زَوَالا
كِنَانِيَّة ٌ دَارُها غَرْبَة ٌ تُجِدُّ
وِصَالاً وتُبْلي وِصَالا
كعاطية ٍ من ظباءِ السَّليل
حُسَّانَة ِ الجيدِ تُزْجِي غَزَالا
تَعَاطَى العِضَاهَ إذا طَالَها
و تَقْرُو مِنَ النَّبْتِ أَرْطًى وضَالا
تَصَيَّفُ ذَرْوَة َ مَكْنُونَة
ٍ و تبدو مصاف الخريف الحبالا
مُجَاوِرَة ً مُسْتَحِيرَ السَّرا
أفرغت الغرُّ فيه السَّجالا
كأنّ بحافتهِ للطّراف
رجا ل لحميرَ لاقت رجالا
فهل تبلغنيكها عرمسٌ
صَمُوتُ السُّرَى لا تَشكّى الكَلالا
مفرّجة الضّبع موّارة
ٌ تَجُذُّ الإكامَ وتَنْفِي النِّقَالا
إذا ما النَّوَاعِجُ وَاكبْنَها جَشَمْنَ
من السَّير رَبْواً عُضَالا
و إن غضبت خلت بالمشفرين
سَبَائخَ قُطْنٍ وَ زِيراً نُسالا
و يَحْدُو يَدَيْها زَجُولاَ الحَصَى
أَمَرَّهُمَا العَصْبُ ثمَّ اسْتَمَالا
و تُحْصِفُ بَعْدَ اضْطِرابِ النُّسُوعِ
كما أَحْصَفَ العِلْجُ يَحْدُو الحِيَالا
تُطِيرُ الحَصَى بعُرَى المَنْسِمَيْنِ
إذا الحاقفات ألفن الظّلالا
و تَرْمِي الغُيُوبَ بِمَاوِيَّتَيْنِ
أُحْدِثَتا بَعْدَ صَقْلٍ صِقَالا
و لَيْلٍ تَخَطَّيْتُ أهْوَالَهُ
إلى عمرٍ ارتجيه ثمالا
طويتُ مهالك مخشية ً
إليك لتكذب عني المقالا
بِمِثْلِ الحَنِيِّ بَراها الكَلاَ
لُ يَنْزِعْنَ آلاً ويَرْكُضْنَ آلاَ
إلى مالكٍ عادلٍ حكمهُ
فلمّا وضعنا لديه الرِّحالا
ً
صرى قول من كان ذا مئرة
ٍ و مَنْ كان يَأْمَلُ فِيَّ الضَّلالا
و خصمٍ تمنّى المنى
لأنْ جاشَ بَحْر ُ قُرَيْع فَسَالا
أمينُ الخليفة بعد الرّسول
و أوفى قريشٍ جميعاً حبالا
و أطولهمْ في النّدى بسطة
ً و أفضلهم حين عدُُّوا فعالاً
أَتَتْنِي لِسَانٌ فَكذَّبْتُها
و ما كنتُ أحذرها أن تقالا
بأن الوشاة بلا جرمة ٍ
أتوك فراموا لديك المحالا
فَجِئْتُكَ مُعْتَذِراً رَاجِياً
لِعَفْوِكَ أَرْهَبُ مِنْكَ النَّكالا
فلا تسمعنْ بي مقال العدا
و لا تُوكِلَنِّي هُدِيتَ الرِجَالا
فإنّك خيرٌ من الزّبرقان
أشَدُّ نَكَالاً وخَيْرٌ نَوالا
---------------------------------------------