الشاعر السُليك بن سُلكة
هو السُليك بن عُمير بن يثربي بن سنان من بني مقاعس بن الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم.
والسلكة: أمة، وهي أمة سوداء.قيل انه كان أسود اللون او قريباً من السواد .
كان قد تقرب من الشنفري وتأبط شراً وعمرو بن برّاق وعروة بن الورد وغيرهم من الشعراء الصعاليك وسلك طريقهم فهو من الشعراء الصعاليك .
وقيل كان من رجال العرب الاشداء ومن أدل الناس بالارض واعلمهم بمعالمها سهوبها وهضابها ومهادها واشدهم عدواً من العدو ( الركض ) لذا كان يلقبونه (الرئبال) اي الذئب .
و قيل كان السليك من أشد رجال العرب وأنكرهم وأشعرهم. وكانت العرب تدعوه سليك المقانب وكان أدل الناس بالأرض، وأعلمهم بمسالكها، وأشدهم عدواً على رجليه لا تعلق به الخيل. وكان يقول:
( اللهم إنك تهيئ ما شئت لما شئت إذا شئت. اللهم إني لو كنت ضعيفاً كنت عبداً، ولو كنت امرأة أمة. اللهم إني أعوذ بك من الخيبة، فأما الهيبة فلا هيبة).
وذكر أنه أملق او افتقر حتى لم يبق له شيء فخرج على رجليه آملا أن يصيب شيئا من بعض من يمر به فيذهب بإبله حتى أمسى في ليلة من ليالي الشتاء باردةٍ مقمرةٍ فاشتمل الصماء ثم نام (واشتمال الصماءهو أن يرد فضلة ثوبه على عضده اليمنى، ثم ينام عليها-) فبينما هو نائم إذ جثم رجل بقربه فقعد على جنبه فقال:
- استأسر.
فرفع السليك إليه رأسه وقال:
- الليل طويل وأنت مقمر.
فأرسلها مثلاً، فجعل الرجل يلهزه ويقول:
- يا خبيث استأسر.
فلما آذاه أخرج السليك يديه فضم الرجل إليه ضمة شديد واذاه وهو فوقه ثم قال له :
- من أنت؟
- فقال: أنا رجل افتقرت، فقلت: لأخرجن فلا أرجع إلى أهلي حتى أستغني فآتيتهم وأنا غني .
قال. انطلق معي.
فانطلقا، فوجدا رجلاً قصته مثل قصتهما. فاصطحبوا جميعاً حتى أتوا الجوف فلما أشرفوا عليه إذا فيه نعم كثير قد ملأ كل شيء من كثرته. فهابوا أن يغيروا فيطردوا بعضها، فيلحقهم الطلب. فقال السليك لصاحبيه:
- كونا قريباً مني حتى آتي الرعاء فأعلم لكما علم الحي، أقريب أم بعيد. فإن كانوا قريباً رجعت إليكما، وإن كانوا بعيداً قلت لكما قولاً أومئ إليكما به فأغيرا.
فأنطلق حتى أتى الرعاء، فلم يزل يستنطقهم حتى أخبروه بمكان الحي، فإذا هم بعيد. إن طلبوا لم يدركوا.
فقال السليك للرعاء: ألا أغنيكم؟
فقالوا: بلى غننا،
فرفع صوته وغنى:
يا صاحبي ألا لا حي بالوادي
سوى عبـيد وآم بـين أذواد
أتنظران قريباً ريث غفلتهـم
أم تغدوان فإن الريح للغادي؟
فلما سمعا ذلك أتيا الى السليك، فأطردوا الإبل فاخذواها ولم يبلغ الخبر الحي حتى فاتوهم بالإبل.
ومن اخباره قال المفضل:
زعموا أن السليك خرج ومعه رجلان من بني الحارث بن امرئ القيس بن زيد مناة بن تميم يقال لهما: عمرو وعاصم وهو يريد الغارة، فمر على حي بني شيبان في ربيع والناس مخصبون في عشية فيها ضباب ومطر، فإذا هو ببيت قد انفرد من البيوت وقد أمسى. فقال لأصحابه:
- كونوا بمكان كذا حتى آتي أهل هذا البيت، فلعلي أن أصيب لكم خيراً، أو آتيكم بطعام.
- قالوا: افعل،
فانطلق وقد أمسى وجن عليه الليل، فإذا البيت بيت( رويم) وهو جد حوشب بن يزيد بن رويم، وإذا الشيخ وامرأته بفناء البيت.
فأتى السليك البيت من مؤخرة البيت فدخله فلم يلبث أن راح ابنه بإبله. فلما أراحها غضب الشيخ، فقال لابنه:
- هلا عشيتها ساعة من الليل؟.
فقال له ابنه: إنها أبت العشاء
فقال: العاشية تهيج الآبية،
فأرسلها مثلاً. ثم غضب الشيخ، ونفض ثوبه في وجهها، فرجعت الابل إلى مراتعها ومعها الشيخ حتى مالت بأدنى روضة او افضل مكان للرعي. فرتعت. وحبس الشيخ عندها لتتعشى، وغطى وجهه بثوبه من البرد، فتبعه السليك. فلما وجد الشيخ معترا ختله من ورائه، فضربه فأطار رأسه، وصاح بالإبل فطردها، فلم يشعر صاحباه -وقد ساء ظنهما وتخوفا عليه- حتى إذا هما بالسليك يطردالابل فطرداها معه،
وقال السليك في ذلك:
وعاشيةٍ راحت بطانا ذعـرتـهـا
بسوط قتيل وسطـهـا يتـسـيف
كأن عليه لـون بـرد مـحـبـر
إذا ما أتـاه صـارخ يتـلـهـف
فبات لها أهل خـلاءٌ فـنـاؤهـم
ومرت بهم طير فلـم يتـعـيفـوا
وباتوا يظنون الظنون وصحبـتـي
اذا ما علوا نشزا أهلوا وأوجفـوا
وما نلتها حتى تصعلكـت حـقـبة
وكدت لأسباب المـنـية أعـرف
وحتى رأيت الجوع بالصيف ضرني
إذا قمت تغشاني ظلال فـأسـدف
و من اخباره قيل انه أغار مرة على بني عوار من بني مالك بن ضبيعة، فلم يظفر منهم بفائدة، وأرادوا مساورته.
فقال شيخ منهم: إنه إذا عدا لم يتعلق به - اي لم يستطع ان يلحقه احد - فدعوه حتى يرد الماء، فإذا شرب وثقل لم يستطع العدو، وظفرتم به،
فأمهلوه حتى ورد الماء وشرب، ثم بادروه، فلما علم أنه مأخوذ خاتلهم وقصد لأدنى بيوتهم حتى ولج على امرأة منهم يقال لها ( فكيهة) فاستجار بها، فاجارته وجعلته تحت درعها، واخترطت السيف، وقامت دونه، فكاثروها فكشفت خمارها عن شعرها، وصاحت بإخوتها فجاءوا اليها ودافعوا عنه حتى نجا من القتل، فقال السليك في ذلك:
لعمر أبيك والأنباء تـنـمـى
لنعم الجار أخت بني عـوارا
من الخفرات لم تفضح أباهـا
ولم ترفع لإخوتهـا شـنـارا
كأن مجامع الأرداف منـهـا
نقاً درجت عليه الريح هـارا
يعاف وصال ذات البذل قلبـي
ويتبع الممـنـعة الـنـوارا
وما عجزت فكيهة يوم قامـت
بنصل السيف واستلبوا الخمارا
ومن اخباره ايضا :
قيل قال أبو عبيدة:
- بلغني أن السليك بن سلكة رأته طلائع جيش لبكر بن وائل، وكانوا جازوا منحدرين ليغيروا على بني تميم ولا يعلم بهم أحد، فقالوا:
- إن علم السليك بنا أنذر قومه
فبعثوا إليه فارسين على جوادين، فلما هايجاه خرج يمحص كأنه ظبي، ، وطارداه سحابة يومه ثم قالا:
- إذا كان الليل أعيا، ثم سقط أو قصر عن العدو فنأخذه.
فقالا: ما له قاتله الله؟ ما أشد متنه! والله لا نتبعه أبداً، فانصرفا. وذهب إلى قومه وأنذرهم، فكذبوه لبعد الغاية، فأنشأ يقول:
يكذبني العمران عمرو بن جنـدب
وعمرو بن سعد والمكذب أكـذب
لعمرك ما ساعيت من سعى عاجز
ولا أنا بالواني فـفـيم أكـذب ؟
ثكلتكما إن لم أكن قـد رأيتـهـا
كراديس يهديها إلى الحي موكب
كراديس فيها الحوفزان وقـومـه
فوارس همام متى يدع يركـبـوا *
تفاقدتم هـل أنـكـرن مـغـيرة
مع الصبح يهديهن أشقر مغرب ؟
.
*الحوفزان بن شريك الشيباني
اما وفاته فقد قيل :
إنه لقي رجلاً من خثعم في أرض يقال لها ( فخة) بين أرض عقيل وسعد تميم هو مالك بن عمير بن أبي ذراع بن جشم بن عوف، فأخذه ومعه امرأة له من خفاجة اسمها (النوار) فقال له الخثعمي:
- أنا أفدي نفسي منك
- فقال له: السليك: ذلك لك، على ألا تخيس بي، ولا تطلع علي أحداً من خثعم
فحالفه على ذلك، ورجع إلى قومه، وخلف امرأته رهينة معه فنكحها السليك .
فقالت له :
- احذر خثعم؛ فإني أخافهم عليك، فأنشأ يقول:
تحذرني كي أحذر العام خثعمـا
وقد علمت أني امرؤ غير مسلم
ومـا خـثـعـم إلا لــئام أذلة
إلى الذل والإسحاق تنمي وتنتمي
وقد بلغ ذلك شبل بن قلادة بن عمر بن سعد، وأنس بن مدرك الخثعميين فذهبا إلى السليك، فلم يشعر بهما إلا وقد طرقاه في الخيل حتى وصلا اليه فأنشأ يقول:
من مبلغ جذمي بأبني مقتول؟
يا رب نهب قد حويت عثكول
ورب قرن قد تركت مجدول
ورب زوج قد نكحت عطبول
ورب عانٍ قد فككت مكبـول
ورب واد قد قطعت مسبـول
- فقال أنس للشبل: إن شئت كفيتك القوم واكفني الرجل وإن شئت أكفني القوم أكفك الرجل.
- قال الشبل : بل أكفيك القوم
فشد أنس على السليك فقتله، وقتل شبل وأصحابه من كان معه. وكان ذلك عام \605 ميلادية
وقيل قتله اسد بن مدرك الخثعمي
*****************************