اما الشاعر البصري الفرزدق فقد تهاجا هو والشاعر جرير كثيرا وبالعديد من القصائد سنورد بعضا منها في دراستنا للفرزدق وكان كل قصيدة يقولها الفرزدق يرد عليها جرير بمثلها حتى كثر التهاجي بينهما كثيرا ومن هذه القصائد في هجا ء الشاعر جرير يقول الفرزدق ومطلعها :
إِنَّ الَّذي سَمَكَ السَماءَ بَنى لَنا
بَيتاً دَعائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطـــــــــــــوَلُ
فرد جرير على الفرزدق قائلا :
لِمَنِ الدِيارُ كَأَنَّها لَم تُحلَــــــــلِ
بَينَ الكِناسِ وَبَينَ طَلحِ الأَعزَلِ
وَلَقَد أَرى بِكَ وَالجَديدُ إِلى بِلىً
مَوتَ الهَوى وَشِفاءَ عَينِ المُجتَلي
نَظَرَت إِلَيكَ بِمِثلِ عَينَي مُغزِلٍ
قطَعَت حِبالَتَها بِأَعلى يَليــــــــَلِ
وَإِذا اِلتَمَستَ نَوالَها بَخِلَت بِهِ
وَإِذا عَرَضتَ بِوُدِّها لَم تَبخَلِ
وَلَقَد ذَكَرتُكِ وَالمَطِيُّ خَواضِعٌ
وَكَأَنَّهُنَّ قَطا فَلاةٍ مَجهَــــــــــــــلِ
يَسقينَ بِالأُدَمى فِراخَ تَنوفَةٍ
زُغباً حَواجِبُهُنَّ حُمرَ الحَوصَلِ
يا أُمَّ ناجِيَةَ السَلامُ عَلَيكُمُ
قَبلَ الرَواحِ وَقَبلَ لَومِ العُزَّلِ
وَإِذا غَدَوتِ فَباكَرَتكِ تَحِيَّةٌ
سَبَقَت سُروحَ الشاحِجاتِ الحُجَّلِ
لَو كُنتُ أَعلَمُ أَنَّ آخِرَ عَهدِكُم
يَومُ الرَحيلِ فَعَلتُ ما لَم أَفعَلِ
أَو كُنتُ أَرهَبُ وَشكَ بَينٍ عاجِلٍ
لَقَنَعتُ أَو لَسَأَلتُ ما لَم يُسأَلِ
أَعدَدتُ لِلشُعَراءِ سُــــــمّاً ناقِعاً
فَسَقَيتُ آخِرَهُم بِكَأسِ الأَوَّلِ
لَمّا وَضَعتُ عَلى الفَرَزدَقِ مَيسَمي
وَضَغا البَعيثُ جَدَعتُ أَنفَ الأَخطَلِ
أَخزى الَّذي سَمَكَ السَماءَ مُجاشِعاً
وَبَنى بِناءَكَ في الحَضيضِ الأَسفَلِ
بَيتــــاً يُحَمِّمُ قَينُكُم بفنائـــــــــــــــه
دَنِساً مَقاعِـــــدُهُ خَبيثَ المَدخَلِ
وَلَقَد بَنَيتَ أَخَسَّ بَيـــــتٍ يُبتَنى
فَهَدَمتُ بَيتَكُــــــــمُ بِمِثلَي يَذبُلِ
إِنّي بَنى لِيَ في المَكارِمِ أَوَّلي
وَنَفَختَ كيرَكَ في الزَمانِ الأَوَّلِ
أَعيَتكَ مَأثُرَةُ القُيونِ مُجاشِــــعٍ
فَاِنظُر لَعَلَّكَ تَدَّعي مِن نَهشَلِ
وَاِمدَح سَـــــــراةَ بَني فُقَيمٍ إِنَّهُم
قَتَلوا أَباكَ وَثَأرُهُ لَم يُقتَــــــــلِ
وَدَعِ البَراجِمَ إِنَّ شِـــــربَكَ فيهِمُ
مُرٌّ عَواقِبُهُ كَطَعمِ الحَنـــــــظَلِ
إِنّي اِنصَبَبتُ مِنَ السَماءِ عَلَيكُمُ
حَتّى اِختَطَفتُكَ يا فَرَزدَقُ مِن عَلِ
مِن بَعدِ صَكَّتِيَ البَعيثَ كَأَنَّهُ
خَرَبٌ تَنَفَّجَ مِن حِــــــذارِ الأَجدَلِ
وَلَقَد وَسَمتُكَ يا بَعيثُ بِمَيسَمي
وَضَغا الفَرَزدَقُ تَحتَ حَدِّ الكَلكَلِ
حَسبُ الفَرَزدَقِ أَن تُسَبَّ مُجاشِعٌ
وَيَعُدَّ شِعرَ مُرَقِّشٍ وَمُهَلهِلِ
طَلَبَت قُيونُ بَني قُفَيرَةَ سابِقاً
غَمرَ البَديهَةِ جامِحاً في المِسحَلِ
قُتِلَ الزُبَيرُ وَأَنتَ عاقِدُ حُبوَةٍ
قُبحاً لِحُبوَتِكَ الَّتي لَم تُحلَلِ
لا تَذكُروا حُلَلَ المُلوكِ فَإِنَّكُم
بَعدَ الزُبَيرِ كَحائِضٍ لَم تُغسَلِ
أَبُنَيَّ شِعرَةَ لِم تَسُدُّ طَريقَنا
بِالأَعمَيَينِ وَلا قُفَيرَةَ فَاِزحَلِ
وَلَقَد تَبَيَّنَ في وُجوهِ مُجاشِعٍ
لُؤمٌ يَثورُ ضَبابُهُ لا يَنجَلي
وَلَقَد تَرَكتُ مُجاشِعاً وَكَأَنَّهُم
فَقعٌ بِمَدرَجَةِ الخَميسِ الجَحفَلِ
إِنّي إِلى جَبَلَي تَميمٍ مَعقِلي
وَمَحَلُّ بَيتي في اليَفاعِ الأَطوَلِ
أَحلامُنا تَزِنُ الجِبالَ رَزانَةً
وَيَفوقُ جاهِلُنا فَعالَ الجُهَّلِ
فَاِرجِع إِلى حَكَمَي قُرَيشٍ إِنَّهُم
أَهلُ النُبُوَّةِ وَالكِتابِ المُنزَلِ
فَاِسأَل إِذا خَرَجَ الخِدامُ وَأُحمِشَت
حَربٌ تَضَرَّمُ كَالحَريقِ المُشعَلِ
وَالخَيلُ تَنحِطُ بِالكُماةِ وَقَد رَأوا
لَمعَ الرَّبيئَةِ في النِيافِ العَيطَلِ
أَبَنو طُهَيَّةَ يَعدِلونَ فَوارِسي
وَبَنو خَضافِ وَذاكَ ما لَم يُعدَلِ
وَإِذا غَضِبتُ رَمى وَرائِيَ بِالحَصى
أَبناءُ جَندَلَتي كَخَيرِ الجَندَلِ
عَمروٌ وَسَعدٌ يا فَرَزدَقُ فيهِمُ
زُهرُ النُجومِ وَباذِخاتُ الأَجبُلِ
كانَ الفَرَزدَقُ إِذ يَعوذُ بِخالِهِ
مِثلَ الذَليلِ يَعوذُ تَحتَ القَرمَلِ
وَاِفخَر بِضَبَّةَ إِنَّ أُمَّكَ مِنهُمُ
لَيسَ اِبنُ ضَبَّةَ بِالمُعَمِّ المُخوَلِ
وَقَضَت لَنا مُضَرٌ عَلَيكَ بِفَضلِنا
وَقَضَت رَبيعَةُ بِالقَضاءِ الفَيصَلِ
إِنَّ الَّذي سَمَكَ السَماءَ بَنى لَنا
بَيتاً عَلاكَ فَما لَهُ مِن مَنقَلِ
أَبلِغ بَني وَقبانَ أَنَّ حُلومَهُم
خَفَّت فَما يَزِنونَ حَبَّــــةَ خَردَلِ
أَزرى بِحِلمِكُمُ الفِياشُ فَأَنتُمُ
مِثلُ الفَراشِ غَشينَ نارَ المُصطَلي
تَصِفُ السُيوفَ وَغَيرُكُم يَعصى بِها
يا اِبنَ القُيونِ وَذاكَ فِعلُ الصَيقَلِ
وَبِرَحرَحانَ تَخَضخَضَت أَصلأؤُكُم
وَفَزِعتُمُ فَزَعَ البِطانِ العُزَّلِ
خُصِيَ الفَرَزدَقُ وَالخَصاءُ مَذَلَّةٌ
يَرجو مُخاطَرَةَ القُرومِ البُزَّلِ
هابَ الخَواتِنُ مِن بَناتِ مُجاشِعٍ
مِثلَ المَحاجِنِ أَو قُرونَ الأَيِّلِ
قَعَدَت قُفَيرَةُ بِالفَرَزدَقِ بَعدَما
جَهَدَ الفَرَزدَقُ جُهدَهُ لا يَأتَلي
أَلهى أَباكَ عَنِ المَكارِمِ وَالعُلى
لَيُّ الكَتائِفِ وَاِرتِفاعُ المِرجَلِ
أَبلِغ هَدِيَّتِيَ الفَرَزدَقَ إِنَّها
ثِقَلٌ يُزادُ عَلى حَسيرٍ مُثقَلِ
إِنّا نُقيمُ صَغا الرُؤوسِ وَنَختَلي
رَأسَ المُتَوَّجِ بِالحُسامِ المِقصَلِ
بَيتاً بَناهُ لَنا المَليكُ وَما بَنى
حَكَمُ السَــــــماءُ فَإِنَّهُ لا يُنقَلُ
بَيتاً زُرارَةُ مُحتَبٍ بِفِنــــــــــــائِهِ
وَمُجاشِعٌ وَأَبو الفَوارِسِ نَهشَلُ
يَلِجونَ بَيتَ مُجاشِعٍ وَإِذا اِحتَبوا
بَرَزوا كَأَنَّهُمُ الجِبالُ المُثَّلُ
لا يَحتَبي بِفِناءِ بَيتِكَ مِثلُهُم
أَبَداً إِذا عُدَّ الفَعالُ الأَفضَلُ
مِن عِزِّهِم جَحَرَت كُلَيبٌ بَيتَها
زَرباً كَأَنَّـــــهُمُ لَدَيهِ القُمّــــــــَلُ
ضَرَبَت عَلَيكَ العَنكَبوتَ بِنَسجِها
وَقَضى عَلَيكَ بِهِ الكِتابُ المُنزَلُ
أَينَ الَّذينَ بِهِم تُسامي دارِماً
أَم مَن إِلى سَلَفي طُهَيَّةَ تَجعَلُ
يَمشونَ في حَلَقِ الحَديدِ كَما مَشَت
جُربُ الجِمالِ بِها الكُحَيلُ المُشعَلُ
وَالمانِعونَ إِذا النِساءُ تَرادَفَت
حَذَرَ السِباءِ جِمالُها لا تُرحَلُ
يَحمي إِذا اِختُرِطَ السُيوفُ نِساءَنا
ضَربٌ تَخِرُّ لَهُ السَواعِدُ أَرعَلُ
وَمُعَصَّبٍ بِالتاجِ يَخفِقُ فَوقَـــــــهُ
خِرَقُ المُلوكِ لَهُ خَميسٌ جَحفَلُ
مَلِكٌ تَسوقُ لَهُ الرِماحَ أَكُفُّنـــــا
مِنهُ نَعُلُّ صُدورَهُنَّ وَنُنهِلُ
قَد ماتَ في أَسلاتِنا أَو عَضَّـــــهُ
عَضَبٌ بِرَونَقِهِ المُلـــــــــــــوكَ تُقَتَّلُ
***************************