اسلام سيفلايزيشن -السيد فالح آل الحجية الكيلاني
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
اسلام سيفلايزيشن -السيد فالح آل الحجية الكيلاني

الحضارة الاسلامية باشراف المهندس خالدصبحي الكيلاني والباحث جمال الدين فالح الكيلاني


أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

الفصل الخامس المعارضات في عصرها الذهبي

اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

فالح الحجية

فالح الحجية
Admin



الفصل الخامس

المعارضات في عصرها الذهبي



المعارضات الشعرية كثرت في الشعرالعربي الاندلسي وذلك لشعور الشعراء الاندلسيون بافضلية الشعراء المشرقيون في العراق والشام ومصر بانهم افضل شعرا واكثر فصاحة وابلغ مقالا منهم واعترافهم بذلك واعترافهم بفضل الشعرالعربي في المشرق العربي عليهم فاخذ الكثير من الشعراء الاندلسين معارضة قصائد لفحول الشعراء المشارقة حيث اعتبروهم اساتذتهم ولهم السبق عليهم فازدهرت المعارضات الشعرية والف بعضهم كتبا قيمة في في الادب والشعر مثل محمد بن عبد ربه صاحب كتاب ( العقد الفريد ) ولما وصل الكتاب الى المشرق قال المشرقيون عنه ( هذه بضاعتنا ردت الينا ) .

ومن ناحية اخرى اخذوا يطلقون على شعرائهم في الاندلس اسماء وكنى شعراء مشارقة فحول او كبار فمثلا سموا الشاعر ابن هانئ الاندلسي بمتنبي الاندلس وسموا الشاعر ابن دراج القسطلي متنبي الاندلس ايضا ولقبوا الشاعر احمد بن زيدون ببحتري الاندلس وهكذا الكثير من شعرائهم .

وقد كثرت المعارضات الشعرية وهم يعارضون قصائد لشعراء مشارقة قبلهم كما اسلفت قبل قليل . بحيث نستطيع ان نقول ان المعارضات عاشت عصرها الذهبي في ذلك الوقت لكثرة الشعراء المعارضين واهمية هذه المعارضات في اذكاء نشرها ونظم القصائد الطويلة فيها . ومن ذلك على سبيل المثال معارضة الشاعر ابن دراج القسطلي الاندلسي لقصيدة أبي نواس الحسن بن هانئ التي يمدح فيها الخصيب
قال ابو نؤاس :


أجارة َ بَيْتَيْنَا أبوكِ غَيــــــــورُ،
وميْسُورُ ما يُرْجَى لديْكِ عسِيرُ

و إن كنتِ لا خِلماً ولا أنتِ زوْجة
فلا برحَتْ دوني عليكِ ستُورُ

وجاوَرْتُ قوْماً لا تزاوُرَ بينهمْ ،
ولا وَصْلَ إلاّ أن يكونَ نُشُورُ

فما أنا بالمشْغُوفِ شَرْبَة َ لازِبٍ ،
ولا كلّ سلطانٍ عليّ قَديــــــــــرُ

وإنّي لِطَرْفِ العينِ بالعينِ زَاجِرٌ،
فقد كدْتُ لا يخْفى عليّ ضميرُ

كما نظرتْ ، والريحُ ساكنة ٌ لها ،
عُقابٌ بأرســــــاغِ اليديْن نَدُورُ

طوتْ ليلتين القُوتَ عن ذي ضَرُورَة ٍ
أُزَيْغِبَ لم ينْبُتْ عليهِ شَكــــــــِيرُ

فأوْفَتْ على عَلْياءَ حينَ بَدَالَهـــــا
من الشمْسِ قَرْنٌ، والضّرِيبُ يمورُ

يقلّبُ طَرْفاً في حِجاجَيْ مَغارَة ٍ ،
من الرأس ، لم يدْخُلْ عليه ذَرُورُ

تقولُ التي عن بيتها خفّ مرْكبي :
عزيزٌ علينا أن نَرَاكَ تَســــــيرُ

أما دونَ مصْـــــــرٍ للغنَى مُتَطَلّبٌ؟
بلى إنّ أسْبابض الغِنَى بكثيرُ

فقلتُ لها: واستعجلَتْها بَوَادِرٌ ،
جرتْ ، فجرى في جرْيهِنّ عبيرُ :

ذريني أكَثّرْ حاســـــديكِ برِحْلَة ٍ،
إلى بلَدٍ فيه الخصيبُ أمــــــيرُ

إذا لم تَزُرْ أرْضَ الخصِيبِ ركابُنا،
فأيّ فتى ً ، بعدَ الخصيبِ ، تَزُورُ

فتًى يشْتري حسْنَ الثناءِ بمالِهِ،
ويعْلَمُ أنّ الدّائِرَاتِ تَــــــــــدُورُ

فما جازَهُ جُودُ ، ولا حَلّ دونَه،
ولكنْ يصيرُ الجودُ حيثُ يصيرُ

سموتَ لأهلِ الجوْرِ في حال أمنِهمْ ،
فأضحو وكلٌّ في الوثاق أسِيرُ

إذا قام غَنّتْهُ على السّــــــاقِ حِلية ٌ،
لها خُطوة ٌ عند القيام قصــــــيرُ

فمنْ يكُ أمْســــــَى جاهِلاً بمقالتي ،
فإنّ ألأمِيرَ المُؤمنينَ خَبِيــــــرُ

ومازلتَ توليهِ النصيحة َ يافِعاً
إلى أن بدا في العارضَينِ قتيرُ

إذا غالَهُ أمرٌ ، فإمّا كفَيْتَــــــــهُ ،
وإمّا عليه بالكِفاءِ تُشِــــــيرُ

إليكَ رمَتْ بالقَوْمِ هُوجٌ كأنّمــــــــا
جماجمها ، فوق الحِجاجِ ، قبورُ

رحلْنَ بنا من عَقْرقُوفَ، وقد بدا
من الصّبْحِ مفتوقُ الأديمِ شهيرُ

فما نجدَتْ بالماءِ حتى رأيتُهَا
معَ الشّمسِ في عينيْ أباغَ تغُورُ

وغُمّرْنض من ماءِ النُّقَيْبِ بشَرْبَة ٍ،
وقد حانَ من ديك الصّباحِ زميرُ

ووافَينَ إشْـــــــرَاقاً كنائسَ تدْمُرٍ ،
وهنّ إلى رَعْنِ المُدخِّنِ صُورُ

يُؤمّمْنَ أهْلَ الغُوطَتَينِ كأنّمَـــــا
لها، عند أهلِ الغوطتينِ، ثُؤورُ

وأصْبحنَ بالجوْلان يرْضَخن صَخرَها،
ولم يَبْقَ من أجْراحِهِنّ شُطورُ

وقاسَيْنَ لَيْلاً دونَ بَيْسانَ لم يكَــــــدْ
سنَا صُبْحِهِ ، للناظرينَ ، يُنِيرُ

وأصْبحنَ قد فوّزْنَ من نهرِ فُطرُسٍ،
وهُنّ عنِ البيْتِ المقدّسِ زُورُ

طوالبَ بالرّكْبانِ غزة َ هاشــــــمٍ،
وفي الفَرَمَا ، من حاجِهِنّ ، شُقُورُ

ولَمّا أتَتْ فُسْطاطَ مصْرٍ أجارَهَا
على رَكبِها، أن لا تزالَ، مجيرُ

من القوْمِ بسّــــــــــــــامٌ كأنّ جبينَهُ
سنَا الفجْرِ يسْري ضوؤه ويُنيرُ

زَها بالخصِيبِ السيْفُ والرّمحُ في الوَغَى ،
وفي السّلْمِ يزْهُو مِنْبرٌ وســـــَرِيرُ

جوادٌ إذا الأيْدي كفَفْنَ عن النّـــــدى ،
ومن دونِ عَوْراتِ النساءِ غَيُورُ

لَهُ سَلَفٌ في الأعجَميـــــن كأنّهمْ
إذا اسْتُؤذِنوا يوْمَ السّلامِ بدُورُ

وإني جديرُ ، إذ بلغْتُكَ بالمُنى ،
وأنْتَ بمـــــــــــــا أمّلْتُ منكَ جديرُ

فإنْ تُولِني منك الجَمِيلَ ، فأهْلُهُ ،
وإلاّ فإنّي عــــاذرٌ وشَــــــــكُورُ


فعارضه ابن درّا ج القسطلي الاندلسي :



ابن درّاج القسطلي




* ابن دراج القسطلي : هو أبو عمر أحمد بن محمد بن العاصي بن أحمد بن سليمان بن عيسى بن درّاج القسطلي

ولد في( قرطبة ) في المحرم من سنة \347 هجرية 958 ميلادية لأسرة من الاسر النبيلة ذات المكانة المرموقة في قرية قسطلة الدراج أصولها من البربر من سكنة مدينة صنهاجة بالمغرب كانت تسكن قرية ( قسطلة دراج ) غرب الاندلس ثم انتقلت الى قرطبة فكانت ولادته فيها وقيل كان جد الشاعر الأعلى رئيسا فيها وبنيه تداولوا على رياستها.

وبهذا فابن دراج ولد ونشأ أندلسيا إذ لم يشعر بنسبه الصنهاجي البربري ، وقد قام بهجاء الزعيم البربري زيري بن عطية المغراوي عندما أعلن الثورة على المنصور بن أبي عامر وبهذا دليل على تجرد الشاعر من هذه العصبية ، ثم أن جل شعره بعد انهيار الدولة العامرية في مدح أولئك الملوك الذين ناصبوا البربر العداء.

ابن دراج لانعرف عن حياته وطفولته كثيرا وقد بدأ حياته تلميذا يتردد على مجالس الشيوخ وحلقاتهم في ( جيان )، ولعل دراسته في تلك الفترة المبكرة من حياته لم تكن تختلف عما يتلقاه أمثاله من الصبيان من حفظ للقران وإلمام بمادئ النحو و اللغة والأدب و الأخبار والأنساب والفقه ثم صار فحلا من فحول الشعر في زمانه ، و شهد له الكثير من النقاد بتفوقه وعندما نضجت موهبته و فاضت شاعريته ، تطلع إلى العاصمة الأندلسية ( قرطبة ) حيث المنصور بن أبي عامر وهناك سطعت شمسه ، شاع ذكره. فكان معدود ا في تاريخ الأندلس من جملة الشعراء المجيدين والعلماء المتقدمين .

وبعد أن قوي عود القسطلي واشتد ساعده الادبي و أنس في نفسه المقدرة الأدبية اتجه الى قرطبة عاصمة البلاد وشق طريقه إلى بلاط الحاجب العامري فيها بعدما علم عنه من إكرامه للأدباء وتقديره للشعراء وعلى رأسهم( صاعد البغدادي) فنال الحظوة عنده وقربه إليه ،
و في العاصمة الأند لسية ( قرطبة ) التي تطلّع لها الشاعر بعد أن فاضت شاعريته ؛ سطعت شمسه و شاع ذكره .فابن دراج عاش في ظل الدولة العامرية ستة عشر عاما ، و هي فترة ليست بالقصيرة مدح خلالها الحاجبين العامريين المنصور بن أبي عامر وابنه عبد الملك المظفر و يمكن اعتبار هذه الفترة أخصب فترات الشاعر حيث نعم باستقرار مادي و معنوي ففاضت شاعريته ، فقد مدحهما باكثر من خمسين قصيدة ، وهذا يدل على كثرة شعره ،حتى عد من أغزر شعراء العربية ، والسمة البارزة في شعره هي غلبة المدح بشكل ملفت للنظر وان كان مدحه تشوبه بعض الاحيان اغراض اخرى .

ثم قام ابن دراج القسطلي بنظم قصيدة عارض بها قصيدة صاعد البغدادي متمنيا ان تكون همزة وصل بينه وبين ( المنصور) حاكم البلاد ، وعسى أن يثبته في ديوان شعرائه ، ويغدق عليه من هباته خاصة وأنه قليل المال كثير العيال مع رقة حاله و زوال سلطان أجداده فمن المعروف أن أجداده كانوا سادة بلدة قسطلة وحكامها كما اسلفنا ، أي أنه ألف العيش الرغيد و الحياة الناعمة و الشاعر ظل على تعلقه بحياة القصور والاتصال بالرؤساء . وتعتبر هذه القصيدة التي تعتبر أول ما أنشده ابن دراج في حضرة المنصور، وقد بدا الشاعر قصيدته بخطاب الى امراته قائلا ( دعيني اطوف في البلاد ملبيا عزماتي لعلني اكسب مالا يعز الذليل ويطلق العاني . اعلمي ان الاقامة مهلكة وان العجز مقبرة . ان السفر هو وسيلتي لتقبيل كف المنصور فدعيني ارتحل واقطع المفاوز والمسافات لابلغ الخليفة صاحب المكرمات الكثيرة ). وبعدها يصف لوعة فراقه لها ويذكر آلمه في وداع الزوجة والولد. واخيرا يصف رحلته وصعوبتها التي تهون امام شوقه لزيارة خليفة االبلاد (العامري) . وهذه القصيدة مطلعها :

دعي عزمات المستضام تسير
فتنجد في عرض الفلا وتغور

فكان له ما اراد وتمنى فقد قدمه الخليفة المنصورعلى غيره من الشعراء وكان هو شاعرا طموحا تغنى بأشواق فكره وروحه الهائمة بالمجد بالرغم من القيود العائلية التي كبلته، ما جعله بحق شاعر الفروسية والوجدان في آن معاً. واستفاد من ثقافته المشرقية في المحاكاة والمعارضة، حيث حيث اعتمد على موروثه المشرقي كان اتكاء تجديد وتطوير لا اتكاء تقديس وتعظيم ، إذ أكدت شاعريته الفذة غلبته على المؤثرات المشرقية أسلوباً وموضوعاً.

قال عنه الثعالبي :

( كان بالأندلس كالمتنبي بالشام )

وقال عنه ابن حيان الأندلسي:

( و أبو عمر القسطلي سباق حلبة الشعراء العامريين وخاتمة محسني أهل الأندلس أجمعين )

وقال عنه الحميدي الأندلسي :

(وهو معدود في جملة العلماء و المقدمين من الشعراء و المذكورين من البلغاء ، و شعره كثير يدل على علمه وله طريقة خاصة في البلاغة والرسائل تدل على اتساعه و قوته )

الا ان هذه الحياة لا تصفو مشاربها لاحد فقد تتقهقرت وضعية ابن الدراج من شاعر بلاط ( قرطبة ) حاضرة الخلافة الأموية بالأندلس بعدما ذاق هو وأسرته حياة النعيم بين القصور الشامخة والدور السنية والرياض الوارفة، ليصبح على حد تعبيره مجرد( نازح متودد) لصاحب سبتة علي بن حمود الذي بقي في كنفه حوالي ثلاث سنوات ( غريبا ذليلا ) كما هو يقول يئن بالشكوى من الدهر الظلوم ومن الكرب واليأس ومن الفاقة والحاجة ، فيحتضن أسرته وصغار أبنائه الذين ظلوا في حجره كما يقول حسبما ضمنه من شعر الحطيئة في قصيدته الرائية الشهيرة التي نظمها خلال ما اعتبره اغترابا بحصن( سبتة) المنيع حيث انتقل اليها بعد سقوط قرطبة ، ثم عاد ليغترب ب(ألمرية ) وشرق الأندلس وبقي متنقلا حيث انتهى به المطاف إلى ( سرقسطة ) فسكنها و تحسنت بها وضعيته كثيرا حيث صادف فيها حياة الدعة والسكون فاتخذ فيها ضياعا واشترى عقارات فبقي فيها إثنتي عشرة سنة التي أمضاها بسرقسطة، لكنه كثيرا ما كان ينتابه الحنين إلى مسقط راسه في غرب الأندلس، حيث عاش أحلى سنوات طفولته وشبابه، كما ظل الحنين يراوده إلى أيام العز والمجد التي انصرمت إلى غير رجعة ينتابه من حين إلى حين ويهيج به الشوق والحنين لقرطبة فيعانق تربتها، ومن ثم ذلك الشعور الذي ظل يلازم نفسيته المنكسرة المهيضة الجناح وشعوره الفياض بالغربة والشرود عن موطنه وهو فيه يقول في قصيدة مطلعها :

فما راع المشوقُ إِلَى غريبٍ
ولا أَصغى المحِبُّ إِلَى مَلامِ


والشاعر الأمازيغي الاصل ابن دراج القسطلي ليس من شعراء عصر الخلافة ولا من شعراء عصر الطوائف ، بل من شعراء الفترة الفاصلة بين هذين العصرين، وقد قضى بقرطبة حوالي اثنتين وعشرين سنة تعد من أزهى أيام عمره، وبعد ها حاق به الدمار اذ احتد مت نار الفتنة داخلها واشتد طوق الحصار حول جنباتها، قرر ابن الدراج مغادرتها ، مخلفا وراءه آنسات الديار تنهبها الحمى و موحشات الطلول يهيج فيها زفير الرياح :

بَقاءُ الخلائقِ رَهْنُ الفَناءِ
وقَصْرُ التَّدانِي وَشيكُ التَّنائي

هلِ المُلكُ يَملِكُ ريبَ المَنونِ
أَمِ العِزُّ يَصْرِفُ صَرْفَ القضاءِ

هُوَ الْمَوْتُ يصدَعُ شَمْلَ الجميع
وَيَكسو الرُّبوعَ ثيابَ العفاءِ

توفي الشاعر ابن دراج القسطلي في سرسقطة سنة \421 هـجرية - 1030 ميلادية .

ابن دراج شاعر فذ وكاتب مجيد وفي ذروة إبداعه الشعري عندما اعتمد فن المعارضة الشعرية، وكان هذا الفن وسيلته الأبرز لتأكيد هويته الشعرية الفذة القادرة على اللحاق بركب فحول الشعراء المشارقة من امثال ابي تمام والمتنبي . وكان امرا هاما في تكوين إبداعه الشعري، مركزاً مهارته في المزاوجة بين الاسلوب القديم والجديد على صعيد البناء الشكلي والتصويري وفق مقتضيات منهجه الشعري الجديد. ومن اهم الفنون الشعرية التي اشتهر فيها المدح وعنده قصائد المدح تحمل في طياتها اغلب الفنون الشعرية ففها الغزل وفيها الوصف اما اسلوبه فيضاهي اسلوب المتنبي في المشرق .


وفي غمرة حياة ابن دراج المترفة امر المنصور بن أبي عامر الشاعر ابن دراج أن يعارض قصيدة ( أبي نواس ) الحسن ابن هانئ
بقصيدة رائية بنفس ىالقافية والبحر او الوزن او الموسيقى وبنفس القافية والروي فقال :

دَعِي عَزَماتِ المستضامِ تسيرُ
فَتُنْجِدُ فِي عُرْضِ الفَلا وتَغُورُ

لعلَّ بما أَشجاكِ من لوعةِ النَّوى
يُعَزُّ ذليلٌ أَوْ يفــــــك أَســـــيرُ

أَلَمْ تعلَمِي أَن الثَّواءَ هو التَّوى
وأَنَّ بيوتَ العــــاجِزينَ قُـــبورُ

ولم تزجُرِي طَيْرَ السُّرى بِحروفِها
فَتُنْبِئْكِ إِنْ يَمَّنَّ فَهْيَ سُـــــــرورُ

تُخَوِّفُنِي طولَ السّـــــِفارِ وإِنَّهُ
لتقبيلِ كفِّ العامِريّ سَـــــفِيرُ

دَعِيني أَرِدْ ماءَ المفاوِزِ آجِناً
إِلَى حَيْثُ ماءُ المكرُمَاتِ نميرُ

وأَخْتَلِسِ الأَيَّامَ خُلْسَــــةَ فاتِكٍ
إِلَى حَيْثُ لي مِنْ غَدْرِهِنَّ خَفِيرُ

فإِنَّ خطيراتِ المهالِكِ ضُمَّنٌ
لراكِبِها أَنَّ الجــــــزاءَ خطيرُ

ولَمَّا تدانَتْ للوداعِ وَقَدْ هَفــــا
بصَبْرِيَ منهـــــــا أَنَّةٌ وزَفيرُ

تناشِدُني عَهْدَ المَوَدَّةِ والهَوى
وَفِي المَهْدِ مبغومُ النِّداءِ صَغيرُ

عِيِيٌّ بمرجوعِ الخطابِ ولَفْظُهُ
بمَوْقِعِ أَهواءِ النفـــــوسِ خَبيرُ

تبوَّأَ ممنوعَ القلوبِ ومُهِّدَتْ
لَهُ أَذرُعٌ محفوفَةٌ ونُحُـــــــورُ

فكلُّ مُفَدَّاةِ الترائِبِ مُرْضِـــــعٌ
وكلُّ مُحَيَّاةِ المحاسِــــــنِ ظِيرُ

عَصَيْتُ شفيعَ النفس فِيهِ وقادَنِي
رَوَاحٌ لِتَدْآبَ السُّـــــــــرى وبُكُورُ

وطارَ جَناحُ الشَّوْقِ بِي وَهَفَتْ بِهَا
جوانِحُ من ذُعْرِ الفِـــــــراقِ تطيرُ

لئِنْ وَدَّعَتْ مني غَيوراً فإِنَّنِي
عَلَى عَزْمَتِي من شَجْوِها لَغَيُورُ

ولو شاهَدَتْنِي والصَّواخِدُ تَلْتَظِي
عَلَيَّ ورقراقُ الســـــــراب يَمُورُ

أُسَلِّطُ حَرَّ الهاجِراتِ إذَا سَطَا
عَلَى حُرِّ وَجْهِي والأَصيلُ هَجِيرُ

وأَسْتَنْشِقُ النَّكْباءَ وَهْيَ بَوارِحٌ
وأَسْتَوْطِئُ الرَّمْضاءَ وَهْيَ تَفُورُ

ولِلْمَوْتِ فِي عيشِ الجبانِ تلوُّنٌ
وللذُّعْرِ فِي سَمْعِ الجريءِ صَفيرُ

لَبانَ لَهَا أَنِّي مِنَ الضَّيْمِ جازِعٌ
وأَنِّي عَلَى مَضِّ الخُطُوبِ صَبُورُ

أَمِيرٌ عَلَى غَوْلِ التَّنائِفِ مَا لَــــهُ
إذَا رِيعَ إلّا المَشْرِفيَّ وَزِيـــــــرُ

ولو بَصُرَتْ بِي والسُّرى جُلُّ عَزْمَتي
وجَرْسِي لِجِنَّانِ الفَلاةِ سَـــــــمِيرُ

وأَعْتَسِفُ المَوْمَاةَ فِي غَسْقِ الدُّجى
وللأُسْدِ فِي غِيلِ الغِياضِ زَئِيرُ

وَقَدْ حَوَّمَتْ زُهْرُ النُّجومِ كَأَنَّها
كواعِبُ فِي خُضْرِ الحَدائِقِ حُورُ

ودارَتْ نجومُ القُطْبِ حَتَّى كَأَنَّها
كُؤوسُ مَهاً والى بِهِنَّ مُدِيرُ

وَقَدْ خَيَّلَتْ طُرْقُ المَجَرَّةِ أَنَّهـــا
عَلَى مَفْرِقِ الليلِ البهيمِ قَتِيرُ

وثاقِبَ عَزْمِي والظَّلامُ مُرَوِّعٌ
وَقَدْ غَضَّ أَجفانَ النجومِ فُتُورُ

لَقَدْ أَيْقَنَتْ أَنَّ المنى طَوْعُ هِمَّتِي
وأَنِّي بعطفِ العامِريِّ جديرُ

وأَنِّي بذكراهُ لِهَمِّيَ زاجِـــــــرٌ
وأَنِّيَ منهُ للخطــــــــوبِ نذِيرُ

وأَيُّ فتىً للدينِ والملكِ والنَّدى
وتَصْدِيقُ ظَنِّ الراغِبِينَ نَزُورُ

مُجِيرُ الهُدى والدينِ من كُلِّ مُلْحِدٍ
وَلَيْسَ عَلَيْهِ لِلضَّــــــــلالِ مُجِيرُ

تلاقَتْ عَلَيْهِ من تَميمٍ ويَعْرُبٍ
شُموسٌ تَلالا فِي العُلا وبُدُورُ

منَ الحِمْيَرَيِّينَ الَّذِينَ أَكُفُّهُــــمْ
سحائِبُ تَهْمِي بالنَّدى وبُحُورُ

ذَوُو دُوَلِ المُلْكِ الَّذِي سَلَفَتْ بِهَا
لَهُمْ أَعصُرٌ مَوْصُولَةٌ ودُهُــــورُ

لَهُمْ بَذَلَ الدهرُ الأَبيّ ُقيـــــــاده
وهُمْ سَـــــــكَّنُوا الأَيَّامَ وَهْيَ نَفُورُ

وهُمْ ضَرَبُوا الآفاقَ شرقاً ومغرِباً
بِجَمْعٍ يَسيرُ النَّصْرُ حَيْثُ يَسيرُ

وهُمْ يَستَقِلُّونَ الحيــــــاةَ لِرَاغِبٍ
ويَسْتَصْغِرُونَ الخطْبَ وَهْوَ كبيرُ

وهُمْ نَصَرُوا حِزْبَ النُّبُوَّةِ والهُدى
وَلَيْسَ لَهَا فِي العالَمِينَ نَصِيرُ

وهُمْ صَدَّقُوا بالوَحْيِ لَمّا أَتاهُمُ
وَمَا النَّاسُ إِلّا عائِدٌ وكَفُـــــــورُ

مناقِبُ يَعْيا الوَصْفُ عَنْ كُنْهِ قَدْرِها
ويَرْجِعُ عَنْها الوَهْمُ وَهْوَ حَسِيرُ

ألا كُلُّ مَدْحٍ عَنْ مَدَاكَ مُقَصِّرٌ
وكلُّ رجاءٍ فِي سِواكَ غُرُورُ

تَمَلَّيْتَ هَذَا العيدَ عِدَّةَ أَعْصُرٍ
تُوَالِيكَ منها أَنعُمٌ وحُبُــــــورُ

ولا فَقَدَتْ أَيَّامَكَ الغُرَّ أَنفُسٌ
حياتُكَ أَعيادٌ لهم وسُــــــرورُ

ولما تَوافَوْا للسَّـــــــلامِ ورُفِّعَتْ
عن الشمسِ فِي أُفْقِ الشُّروقِ سُتورُ

وَقَدْ قامَ من زُرقِ الأَسِنَّةِ دُونَها
صفوفٌ ومن بِيضِ السُّيوفِ سُطُورُ

رأَوْا طاعَةَ الرَّحمنِ كَيْفَ اعتِزازُها
وآياتِ صُنْعِ اللهِ كَيْفَ تُنيــــــــــرُ

وكَيْفَ اسْتَوى بالبَحْرِ والبَدْرِ مَجْلِسٌ
وقامَ بِعِبْءِ الرَّاسِياتِ ســــــَريرُ

فَسارُوا عِجالاً والقُلوبُ خَوَافِقٌ
وأُدْنُوا بِطاءً والنَّوَاظِرُ صُورُ

يَقُولونَ والإِجلالُ يُخْرِسُ أَلسُناً
وحازَتْ عُيُونٌ مِلأَها وصُدُورُ

لقَدْ حاطَ أَعلامَ الهُدى بِكَ حائِطٌ
وقَدَّرَ فيكَ المَكْرمــــــــاتِ قَدِيرُ

مُقِيمٌ عَلَى بَذْلِ الرَّغائِبِ واللُّهى
وفِكْرُكَ فِي أَقْصى البِلادِ يَسيرُ

وأَيْنَ انْتَوى فَلُّ الضَّلالَةِ فَانْتَهى
وأَيْنَ جُيُوشُ المسلِمينَ تُغِيرُ

وحَسْبُكَ من خَفْضِ النَّعِيمِ مُعَيِّداً
جِهازٌ إِلَى أَرضِ العِدى ونَفِيرُ

فَقُدْها إِلَى الأَعداءِ شُعْثاً كَأَنَّها
أَرَاقِمُ فِي شُمِّ الرُّبى وصُقُورُ

فَعَزْمُكَ بالنَّصْرِ العَزِيزِ مُخَبِّرٌ
وسَعْدُكَ بالفَتْحِ المُبِينِ بَشِيرُ

ونادَاكَ يَا ابْنَ المُنْعِمِينَ ابْنُ عَشرَةٍ
وعَبدٌ لِنُعْماكَ الجِسامِ شَكُورُ

غَنِيٌّ بِجَدْوى واحَتَيْكَ وإِنَّـــــهُ
إِلَى سَبَبٍ يُدْني رِضاكَ فَقِيــــــرُ

ومِنْ دُونِ سِتْرَيْ عِفَّتِي وتَجَمُّلِي
لَرَيْبٌ وصَرْفٌ للزَّمـــــــانِ يَجُورُ

وضاءَلَ قَدْرِي فِي ذَرَاكَ عوائِقٌ
جَرَتْ ليَ بَرْحاً والقضاءُ عَسِيرُ

وَمَا شَكَرَ النَّخْعِيُّ شُكْرِي ولا وَفى
وفائيَ إِذْ عَزَّ الوَفــــــــــاءُ قَصِيرُ

فَقُدْنِي لِكَشْفِ الخَطْبِ والخَطْبُ مُعضِلٌ
وكِلْنِي لِلَيْثِ الغابِ وَهْوَ هَصُورُ

فَقَدْ تَخْفِضُ الأَسماءُ وَهْيَ سَوَاكِنٌ
ويَعْمَلُ فِي الفِعْلِ الصَّحيحِ ضَمِيرُ

وتَنْبُو الرُّدَيْنيَّاتُ والطُّولُ وافِرٌ
ويَنْفُذُ وَقْعُ السَّهْمِ وَهْوَ قَصِيرُ

حنانَيْكَ فِي غُفْرانِ زَلَّةِ تائِبٍ
وإِنَّ الَّذِي يَجْزِي بِهِ لغَفـــــورُ



اما الشاعر الامير ابو فراس الحمداني فقد قال قصيدته في اسره عندما اسره الروم في احدى المعارك فقال قصيدته المشهورة :


أَراكَ عَصِيَّ الدَمعِ شيمَتُكَ الصَبرُ
أَما لِلهَوى نَهيٌ عَلَيكَ وَلا أَمرُ *



ابو فراس الحمداني



* هو ابو فراس الحارث بن سعيد بن حمدان بن حمدون بن الحارث الحمداني من تغلب العربية من وائل . ولد في الموصل سنة \ 320 هجرية – 932 ميلادية من اسرة بني حمدان المؤسسة للامارة الحمدانية بحلب في الشام.

وكان ظهور الحمدانيين في فترة ضعف العنصر العربي في الخلافة العباسية وهزيمة الفرس والترك. فباشر الحمدانيون الحروب مع الروم لدعم حكمهم وترسيخ سلطتهم فاحتل عبد الله والد سيف الدولة الحمداني وعم شاعرنا ابي فراس بلاد الموصل وبسط سلطة بني حمدان على شمال سوريا بما فيها عاصمة الشمال (حلب) وما حولها وتملك سيف الدولة حمص ثم حلب حيث أنشأ فيها بلاطاً جمع فيه الكتاب والشعراء والادباء واللغويين في حلب عاصمة امارته .

قتل ابوه ولم يبلغ الثالثة من العمر فكفله ابن عمه سيف الدولة فشب محاطا برجال العلم والادب والثقافة العالية فترعرع أبو فراس في كنف ابن عمه سيف الدولة في حلب بعد موت والده باكراً فشب فارساً شاعراً وتعلم الفروسية والشجاعة والقتال في صباه حيث كان يخرج في طفولته مع الجيش للجهاد وعندما بلغ سن الرشد ولاه سيف الدولة ولاية (منبج ) قرب الحدود البيزنطية فصد هجمات الروم دفاعا عن حياض الامارة وجهادا في سبيل الله وفي أوقات السلم كان يشارك في مجالس الأدب فيذاكر الشعراء وينافسهم .
يقول يفخر :

لم أعدُ فيه مفاخري ومديح آبائي النُّجُبْ

لا في المديح ولا الهجاءِ ولا المجونِ ولا اللعبْ

وهو القائل :

الشعر ديوان العرب أبداً وعنوان الأدب

كانت المواجهات والحروب كثيرة بين الحمدانيين والروم في أيام أبي فراس وفي احدى الحروب وقع أسيراً سنة 347 هـجرية - 959 ميلادية فحمله الروم إلى منطقة تسمى (خَرْشَنة )على الفرات وكان فيها للروم حصنٌ منيع الا انه لم يمكث في الأسر طويلاً وقيل إن سيف الدولة افتداه من الاسر وقيل إنه استطاع الهرب ويروي ابن خلكان في تاريخه أن الشاعر ركب جواده وأهوى به من أعلى الحصن إلى الفرات وهي شجاعة ما بعدها شجاعة وتخلص من الاسر .

انتصر الحمدانيون في معارك كثيرة على الروم الا ان الروم اعدوا العدة لقتال الحمدانيين فأعدوا جيشاً كبيراً وحاصروا أبا فراس في (منبج) حتى احتلوها فسقطت منبج في ايدي الروم سنة \ 350 هـجرية - 962 ميلادية فوقع الامير الشاعر ابو فراس أسيراً وحُمل هذه المرة إلى القسطنطينية حيث أقام اسيرا قرابة أربع سنوات وكان خلال فترة اسره ينظم قصائده فيبعثها الى والدته ومن روائع شعره لأمه وهو في الأسر قوله :

لولا العجوز بـمنبجٍ ما خفت أسباب المنيّـة

ولكان لي عمّا سألت من فدا نفـس أبيّة

وقد كتب اسمى قصائده وابلغها في فترة اسره منها قصيدته الرائية التي تعد من روائع الشعرالعربي :

أراك عصيّ الدمع شيمتك الصبر
أما للهوى نهيٌ عليك ولا أمر؟

وقصيدته التي يخاطب فيها حمامة كانت بقربه وهو في سجنه بعيدا عن الاهل والاحبة يقول فيها :

أقُولُ وَقَدْ نَاحَتْ بِقُرْبي حمامَةٌ:
أيَا جَارَتَا، هَلْ تَشعُرِينَ بِحَالي؟

مَعاذَ الهَوَى! ما ذُقتِ طارِقةَ النّوَى
وَلا خَطَرَتْ مِنكِ الهُمُومُ ببالِ

وقد وجه الشاعر ابو فر اس جملة رسائل إلى ابن عمه سيف الدولة في حلب فيها يتذمر من طول الأسر وقسوته ويلومه على عدم في افتدائه. بيد أن الإمارة الحمدانية بحلب كانت في تلك الحقبة تمر بمرحلةٍ صعبة لفترة مؤقتة فقد قويت شوكة الروم وتقدم جيشهم فاكتسح الإمارة الحمدانية واقتحم عاصمتها (حلب ) فتراجع سيف الدولة إلى (ميافارقين) الا ان سيف الدولة اعاد قوته وترتيب وتجهيز جبشه وها جم الروم في سنة 354 هجرية - 966 ميلادية فاستطاع ان يهزمهم. وانتصر عليهم واستعاد إمارته وملكه في حلب واسر اعدادا يسيرة من الروم فأسرع إلى افتداء أسراه ومنهم ابن عمه أبو فراس الحمداني بعد انتصاره عليهم ولم يكن أبو فراس ٍ يتبلغ أخبار ابن عمه فكان يتذمر من نسيانه له ويشكو الدهر ويرسل القصائد المليئة بمشاعر الألم والحنين إلى الوطن فتتلقاها أمه بلوعة تفتت الاكباد حتى توفيت قبل عودته من الاسر وفي قصيدة إلى والدته وهو يئن من الجراح والأسر يقول:

مصابي جليل والعزاء جميلُ
وظني بأنّ الله سوف يديلُ

جراح وأسر واشتياقٌ وغربةٌ
أهمّكَ؟ أنّـي بعدها لحمولُ

وقبل وفاته رثى نفسه بأبيات إلى ابنته قائلا:.

أبنيّتـي لا تـحزنـي كل الأنام إلى ذهابْ

أبنيّتـي صبراً جـميلاً للجليل مـن الـمـصابْ

نوحي علـيّ بحسـرةٍ من خلفِ ستركِ والحجابْ

قولـي إذا ناديتنـي وعييتُ عـن ردِّ الجوابْ

زين الشباب أبو فراسٍ لم يمتَّعْ بالشبـابْ

وبعد مرور سنة على تحرير أبي فراس وخروجه من الأسر توفي سيف الدولة امير الدولة الحمدانية سنة \355 هجرية - 966 ميلادية وكان لسيف الدولة مولى اسمه ( قرغويه ) طمع في السلطة فنادى بابن سيده ( أبي المعالي ) أميراً على حلب آملاً أن يبسط يديه باسم أميره على الإمارة بأسرها وأبو المعالي هذا هو ابن أخت أبي فراس. فأدرك أبو فراسٍ نوايا ( قرغويه ) فدخل ابو فراس مدينة (حمص) واستقل بها فأ وفد أبو المعالي جيشاً بقيادة (قرغويه ) لمقاتله خاله ابي فراس ودارت معركةٌ بين الجيشين قُتل فيها أبو فراس الحمداني . وكان ذلك في ربيع الأول سنة\ 357 هـجرية - 968ميلادية في بلدة يقال لها ( صدد ) على مقربة من حمص. ووجدت في بعض الروايات انه قتل في تدمر .

هكذا قتل ابو فراس وهو في زهو شبابه ومقتبل عمره وبمقتله انهارت الامارة الحمدانية في الشام حيث قضي عليها بمقتله.

ابو فراس شاعر صادق العاطفة امير لم يتكسب بشعره وشعره يتميز بالعاطفة الصادقة وسهولة لفظه يدخل الى القلب مستساغا كانه الماء الزلال اشتهر بالفخر والرثاء و الوصف والغزل
يقول الصاحب بن عباد:

(بُدئ الشعر بملك وخُتم بملك) ويعني بدئ بامرئ القيس وختم
بأبي فراس.

ويقول أبو منصور الثعالبي :

(كان فرد دهره ، وشمس عصره ، أدباً وفضلاً وكرماً ونبلاً ومجداً وبلاغةً وبراعةً وفروسيةً وشجاعةً ، وشعره مشهور سائر بين الحسن والجودة والسهولة والجزالة والعذوبة والفخامة والحلاوة والمتانة .)

لم يجمع أبو فراس شعره وقصائده إلا أن ابن خالويه- وهو احد علماء اللغة - في بلاط الامارة الحمدانية وقد عاصره جمع قصائده فيما بعد ثم اهتم الثعالبي بجمع الروميات وهي القصائد التي قالها في اسره عند الروم من شعره في كتابه يتيمة الدهر. وقصيدته التي عارضها ابو بكر الاشبوني هي قصيدته التي نظمها في الاسر والتي تعد من روائع الشعرالعربي يقول فيها:

أَراكَ عَصِيَّ الدَمعِ شيمَتُكَ الصَبرُ
أَما لِلهَوى نَهيٌ عَلَيكَ وَلا أَمرُ

بَلى أَنا مُشتاقٌ وَعِندِيَ لَوعَةٌ
وَلَكِنَّ مِثلي لايُذاعُ لَهُ ســـــــِرُّ

إِذا اللَيلُ أَضواني بَسَطتُ يَدَ الهَوى
وَأَذلَلتُ دَمعاً مِن خَلائِقِهِ الكِبرُ

تَكادُ تُضيءُ النارُ بَينَ جَوانِحي
إِذا هِيَ أَذكَتها الصَبابَةُ وَالفِكرُ

مُعَلِّلَتي بِالوَصلِ وَالمَوتُ دونَهُ
إِذا مِتَّ ظَمآناً فَلا نَزَلَ القَطرُ

حَفِظتُ وَضَيَّعتِ المَوَدَّةَ بَينَنا
وَأَحسَنَ مِن بَعضِ الوَفاءِ لَكِ العُذرُ

وَما هَذِهِ الأَيّامُ إِلّا صَحائِفٌ
لِأَحرُفِها مِن كَفِّ كاتِبِها بَشرُ

بِنَفسي مِنَ الغادينَ في الحَيِّ غادَةً
هَوايَ لَها ذَنبٌ وَبَهجَتُها عُذرُ

تَروغُ إِلى الواشينَ فِيَّ وَإِنَّ لي
لَأُذناً بِها عَن كُلِّ واشِيَةٍ وَقرُ

بَدَوتُ وَأَهلي حاضِرونَ لِأَنَّني
أَرى أَنَّ داراً لَستِ مِن أَهلِها قَفرُ

وَحارَبتُ قَومي في هَواكِ وَإِنَّهُم
وَإِيّايَ لَولا حُبَّكِ الماءُ وَالخَمرُ

فَإِن يَكُ ماقالَ الوُشاةُ وَلَم يَكُن
فَقَد يَهدِمُ الإيمانُ ماشَيَّدَ الكُفرُ

وَفَيتُ وَفي بَعضِ الوَفاءِ مَذَلَّةٌ
لِإِنسانَةٍ في الحَيِّ شيمَتُها الغَدرُ

وَقورٌ وَرَيعانُ الصِبا يَستَفِزُّها
فَتَأرَنُ أَحياناً كَما أَرِنَ المُهرُ

تُسائِلُني مَن أَنتَ وَهيَ عَليمَةٌ
وَهَل بِفَتىً مِثلي عَلى حالِهِ نُكرُ

فَقُلتُ كَما شاءَت وَشاءَ لَها الهَوى
قَتيلُكِ قالَت أَيَّهُم فهــــــــم كُثرُ

فَقُلتُ لَها لَو شِئتِ لَم تَتَعَنَّتي
وَلَم تَسأَلي عَنّي وَعِندَكِ بي خُبرُ

فَقالَت لَقَد أَزرى بِكَ الدَهرُ بَعدَنا
فَقُلتُ مَعاذَ اللَهِ بَل أَنتِ لا الدَهرُ

وَما كانَ لِلأَحزانِ لَولاكِ مَسلَكٌ
إِلى القَلبِ لَكِنَّ الهَوى لِلبِلى جِسرُ

وَتَهلِكُ بَينَ الهَزلِ وَالجَدِّ مُهجَةٌ
إِذا ماعَداها البَينُ عَذَّبَها الهَجرُ

فَأَيقَنتُ أَن لاعِزَّ بَعدي لِعاشِقٍ
وَأَنَّ يَدي مِمّا عَلِقتُ بِهِ صِفرُ

وَقَلَّبتُ أَمري لا أَرى لِيَ راحَةً
إِذا البَينُ أَنساني أَلَحَّ بِيَ الهَجرُ

فَعُدتُ إِلى حُكمِ الزَمانِ وَحُكمِها
لَها الذَنبُ لاتُجزى بِهِ وَلِيَ العُذرُ

كَأَنّي أُنادي دونَ مَيثاءَ ظَبيَةً
عَلى شَرَفٍ ظَمياءَ جَلَّلَها الذُعرُ

تَجَفَّلُ حيناً ثُمَّ تَرنو كَأَنَّهـــــــا
تُنادي طَلاً بِالوادِ أَعجَزَهُ الخُضرُ

فَلا تُنكِريني يا اِبنَةَ العَمِّ إِنَّـــــهُ
لِيَعرِفُ مَن أَنكَرتِهِ البَدوُ وَالحَضرُ

وَلا تُنكِريني إِنَّني غَيرُ مُنكِرٍ
إِذا زَلَّتِ الأَقدامُ وَاِستُنزِلَ النَصرُ

وَإِنّي لَجَرّارٌ لِكُلِّ كَتيبَـــــــةٍ
مُعَوَّدَةٍ أَن لايُخِلَّ بِها النَصرُ

وَإِنّي لَنَزّالٌ بِكُلِّ مَخوفَــــــــةٍ
كَثيرٌ إِلى نُزّالِها النَظَرُ الشَــــزرُ

فَأَظمَأُ حَتّى تَرتَوي البيضُ وَالقَنا
وَأَسغَبُ حَتّى يَشبَعَ الذِئبُ وَالنَسرُ

وَلا أُصبِحُ الحَيَّ الخَلوفَ بِغارَةٍ
وَلا الجَيشَ مالَم تَأتِهِ قَبلِيَ النُذرُ

وَيارُبَّ دارٍ لَم تَخَفني مَنيعَةٍ
طَلَعتُ عَلَيها بِالرَدى أَنا وَالفَجرُ

وَحَيٍّ رَدَدتُ الخَيلَ حَتّى مَلَكتُهُ
هَزيماً وَرَدَّتني البَراقِعُ وَالخُمرُ

وَساحِبَةِ الأَذيالِ نَحوي لَقيتُها
فَلَم يَلقَها جافي اللِقاءِ وَلا وَعرُ

وَهَبتُ لَها ما حازَهُ الجَيشُ كُلَّهُ
وَرُحتُ وَلَم يُكشَف لِأَبياتِها سِترُ

وَلا راحَ يُطغيني بِأَثوابِهِ الغِنى
وَلا باتَ يَثنيني عَنِ الكَرَمِ الفَقرُ

وَما حاجَتي بِالمالِ أَبغي وُفورَهُ
إِذا لَم أَفِر عِرضي فَلا وَفَرَ الوَفرُ

أَسِرتُ وَما صَحبي بِعُزلٍ لَدى الوَغى
وَلا فَرَسي مُهرٌ وَلا رَبُّهُ غَمــــــرُ

وَلَكِن إِذا حُمَّ القَضاءُ عَلى اِمرِئٍ
فَلَيسَ لَهُ بَرٌّ يَقيهِ وَلا بَحــــــــرُ

وَقالَ أُصَيحابي الفِرارُ أَوِ الرَدى
فَقُلتُ هُما أَمرانِ أَحلاهُما مــــُرُّ

وَلَكِنَّني أَمضي لِما لا يُعيبُني
وَحَسبُكَ مِن أَمرَينِ خَيرَهُما الأَسرُ

يَقولونَ لي بِعتَ السَلامَةَ بِالرَدى
فَقُلتُ أَما وَاللَهِ مانالَني خُســــــرُ


وَهَل يَتَجافى عَنِّيَ المَوتُ ساعَةً
إِذا ماتَجافى عَنِّيَ الأَسرُ وَالضَرُّ

هُوَ المَوتُ فَاِختَر ماعَلا لَكَ ذِكرُهُ
فَلَم يَمُتِ الإِنسانُ ماحَيِيَ الذِكرُ

وَلا خَيرَ في دَفعِ الرَدى بِمَذَلَّةٍ
كَما رَدَّها يَوماً بِسَوءَتِهِ عَمروُ

يَمُنّونَ أَن خَلّوا ثِيابي وَإِنَّما
عَلَيَّ ثِيابٌ مِن دِمائِهِمُ حُمرُ

وَقائِمُ سَيفٍ فيهِمُ اندَقَّ نَصلُهُ
وَأَعقابُ رُمحٍ فيهِمُ حُطَّمُ الصَدرُ

سَيَذكُرُني قَومي إِذا جَدَّ جِدُّهُم
وَفي اللَيلَةِ الظَلماءِ يُفتَقَدُ البَدرُ

فَإِن عِشتُ فَالطَعنُ الَّذي يَعرِفونَهُ
وَتِلكَ القَنا وَالبيضُ وَالضُمَّرُ الشُقرُ

وَإِن مُتُّ فَالإِنســــــانُ لابُدَّ مَيِّتٌ
وَإِن طالَتِ الأَيّامُ وَاِنفَسَحَ العُمرُ

وَلَو سَدَّ غَيري ماسَدَدتُ اِكتَفوا بِهِ
وَما كانَ يَغلو التِبرُ لَو نَفَقَ الصُفرُ

وَنَحنُ أُناسٌ لا تَوَسُّطَ عِندَنــــــا
لَنا الصَدرُ دونَ العالَمينَ أَوِ القَبرُ

تَهونُ عَلَينا في المَعالي نُفوسُنا
وَمَن خَطَبَ الحَسناءَ لَم يُغلِها المَهرُ

أَعَزُّ بَني الدُنيا وَأَعلى ذَوي العُلا
وَأَكرَمُ مَن فَوقَ التُرابِ وَلا فَخرُ




وقد عارض ابن هانئ الاندلسي (متنبي الاندلس ) بهذه القصيدة الرائية التي يمدح فيها المعز لدين الله الفاطمي لفتح مصر من حكم العباسيين فيقول ابن هانئ معارضا قصيدة الامير ابي فراس الحمداني والمذكورة اعلاه قال ابن هانئ الاندلسي معارضا :


تقول بنو العبّاس هل فُتحتْ مِصرُ
فقُل لبَني العباسِ قد قُضيَ الأمْرُ

وقد جاوزَ الاسكندريّةَ جوهَرٌ
تُطالعُه البُشرَى ويقْدُمُه النَّصْر

وقد أوفَدَتْ مصْرٌ إليه وفُودَهَا
وزِيدَ إلى المعقود من جِسرِها جسر

فما جاء هذا اليومُ إلاّ وقد غدَتْ
وأيديكُمُ منها ومِنْ غَيرِها صفْر

فلا تُكثِروا ذكرَ الزمان الذي خلا
فذلك عصْرٌ قدْ تَقَضّى وذا عَصْر

أفي الجيش كنتمْ تمْترونَ رُويدكمْ
فهذا القنا العرّاصُ والجحفلُ المَجْر

وقد أشرَفَتْ خيلُ الإله طوالِعاً
على الدين والدنيا كما طَلَعَ الفجر

وذا ابنُ نبيِّ اللّه يطلُبُ وِتْرَهُ
وكانَ حَرٍ أن لا يضيعَ له وِتر

ذَرُوا الوِرْدَ في ماء الفُراتِ لخيلِهِ
فلا الضَّحلُ منه تمنعون ولا الغَمر

أفي الشمس شكٌّ أنها الشمسُ بعدما
تجلَّتْ عِياناً ليس من دونها سِتر

وما هي إلاّ آيةٌ بعْـــــــد آيـــــــةٍ
ونُذْرٌ لكم إن كان يغنيكم النُّذر

فكونوا حصيداً خامدينَ أوِ ارعَوُوا
إلى مَلِكٍ في كفِّه الموتُ والنشر

أطِيعوا إماماً للأئمّةِ فاضِــــــلاً
كما كانتِ الأعمالُ يَفضُلُها البِرُّ

رِدُوا ساقياً لا تَنزِفونَ حِياضَهُ
جَموماً كما لا تَنزِفُ الأبحُرَ الذَّرُّ

فإن تتبعوه فهو مولاكمُ الّذي
له برسولِ اللّه دونكمُ الفخر

وإلاّ فبعُداً للْبَعِيــــــــدِ فبينَـــــهُ
وبينكُمُ ما لا يُقرِّبُهُ الدّهر

أفي ابنِ أبي السِّبْطَينِ أم في طليقكم
تنَزَّلَتِ الآياتُ والسُّوَرُ الغُرُّ

بَني نَتْلَةٍ مــــــــا أورَثَ اللّهُ نَتْلَةً
وما نسَلَتْ هل يستوي العبدُ والحُرُّ

وأنّى بهذا وهي أعْدَتْ برِقِّهَـــــــــــا
أباكم فإياكم ودعوىً هي الكُفر

ذرُوا الناسَ رُدُّوهم إلى من يَسوسهم
فما لكمُ في الأمرِ عُرْفٌ ولا نُكْرُ

أسَرْتُمْ قُروماً بالعراق أعِزَّةً
فقد فُكَّ من أعناقهم ذلك الأسر

وقد بزَّكم أيامَكُم عُصَبُ الهُدى
وأنصارُ دينِ اللّهِ والبِيضُ والسُّمر

ومُقْتَبَلٌ أيامُــــه متهلـــــــــــِّلٌ
إليه الشبابُ الغَضُّ والزَّمنُ النَّضر

أدارَ كما شاءَ الوَرَى وتحيَّزَتْ
على السّبعةِ الأفلاكِ أنمُلُه العَشر

أتدرونَ مَن أزكى البريّةِ منَصِباً
وأفضلُها إنْ عُدِّدَ البدْوُ والحضْر

تَعالَوا إلى حُكّام كلِّ قَبيلـــــــــةٍ
ففي الأرض أقيالٌ وأنْديةٌ زُهْر

ولا تَعْدِلوا بالصِيدِ من آلِ هاشمٍ
ولا تتْرُكوا فِهرْاً وما جمعَتْ فِهْر

فجيئوا بمن ضَمَّتْ لُؤيُّ بن غالبٍ
وجيئوا بمن أدتْ كِنانَةُ والنَّضْر

ولا تَذَرُوا عليا مَعَدٍّ وغيرِهَا
لِيُعْرَفَ منكم مَن له الحقُّ والأمر

ومن عجَبٍ أنَّ اللسانَ جرَى لهمْ
بذكرٍ على حين انقضَوا وانقضى الذكر

فبادُوا وعفّى اللّهُ آثارَ مُلكِهِمْ
فلا خَبَرٌ يلقاكَ عنهمْ ولا خُبْر

ألا تِلكمُ الأرضُ العريضةُ أصحبتْ
وما لبني العبّاس في عرضِها فِتر

فقد دالتِ الدنيا لآل محمــــــــــــّدٍ
وقد جرَّرت أذيالَها الدولةُ البِكر

ورَدَّ حقوقَ الطالبيّينَ مَن زكَتْ
صنائعُه في آلــــــهِ وزكا الذُّخر

مُعِزُّ الهُدَى والدين والرَحِمِ التي
به اتَّصَلتْ أسبابُها ولهُ الشُّكْر

مَنِ انتاشَهُم في كلِّ شرقٍ ومَغربٍ
فبُدّلَ أمْناً ذلك الخوْفُ والذُّعْرُ

فكُلُّ إمَامِيٍّ يجيءُ كأنّمـــــــــــــَا
على يدِهِ الشِّعْرَى وفي وجهه البدر

ولمّا تولّتْ دولةُ النُّصْبِ عنهمُ
تولّى العمى والجهلُ واللؤمُ والغدرُ

حقوقٌ أتَتْ من دوِنها أعصُرٌ خلتْ
فما ردَّهَا دَهْرٌ عليهم ولا عصر

فجرَّدَ ذو التّاج المقاديرَ دونها
كما جُرِّدتْ بِيضٌ مضاربُها حُمرُ

فأنْقَذَهَا من بُرْثُنِ الدّهرِ بعدما
تَواكَلَها القِرْسُ المُنَيَّب والهصرُ

فأجرْى على ما أنْزَلَ اللهُ قَسْمَها
فلم يُتَخَرَّمْ منهُ قُـــــــلٌّ ولا كُثْر

فدونكموها أهلَ بيتِ محمــــــــــــدٍ
صَفَتْ بمُعِزّ الدين جمّاتُها الكُدر

فقد صارتِ الدنيا إليكم مصيرَها
وصار له الحمدُ المضاعَفُ والشكر

إمامٌ رأيْتُ الدِّينَ مُرْتَبِطاً بِـــــــــــــــهِ
فطاعتُهُ فوزٌ وعِصْيانُهُ خُسْر

أرى مدحَهُ كالمدح للهِ إنّـــــــــــــهُ
قُنوتٌ وتسبيحٌ يُحَطُّ به الوِزر

هو الوارثُ الدُّنيا ومن خُلقتْ لهُ
من الناس حتى يلتقي القُطرُ والقُطر

وما جهِلَ المنصورُ في المهدِ فضلَهُ
وقد لاحتِ الأعلامُ والسِّمَةُ البَهر

رأى أن سيُسْمَى مالكَ الأرض كلها
فلمّا رآهُ قال ذا الصَّمَــــــــــــدُ الوَتْر

وما ذاكَ أخذاً بالفِراسة وَحدَها
ولا أنّه فيها إلى الظنِّ مضطَرُّ

ولكنًّ موجوداً من الأثَر الذي
تَلقَّاهُ من حِبرٍ ضَنينٍ به حِبْر

وكنزاً من العِلم الرُّبوبيِّ إنّهُ
هو العلمُ حقّاً لا القِيافةُ والزَّجْر

فبشر به البيتَ المحرَّمَ عاجِلاً
إذا أوجفَ التطوافُ بالناس والنَّفر

وها فكأنْ قد زارَهُ وتَجانَفَتْ
به عن قصور المُلك طَيْبةُ والسُّرُّ

هل البيتُ بيتُ اللهِ إلاّ حريمُهُ
وهل لغريبِ الدار عن دارِه صَبر

منازلُهُ الأولى اللَّواتي يشُقْنَهُ
فليس له عنهُنَّ معْدىً ولا قصْر

وحيثُ تلَقّى جدُّهُ القدسَ وانتحَتْ
له كلماتُ اللهِ والسرُّ والجَهرُ

فإن يَتَمَنَّ البيتُ تلك فقد دَنَتْ
مواقيتُها والعُسرُ من بعدهِ اليُسر

وإن حَنَّ من شوْقٍ إليكَ فإنّهُ
لَيوجَدُ من رَيّاكَ في جوِّه نَشْر

ألستَ ابنَ بانيهِ فلو جئتَهُ انجَلَتْ
غواشيه وابيضَّتْ مناسكهُ الغُبْر

حبيبٌ إلى بطحاءِ مكّةَ موسِمٌ
تُحيّي مَعَدّاً فيه مكّةُ والحِجْر

هناك تُضيءُ الأرضُ نوراً وتلتقي
دُنُوّاً فلا يَستبعِدِ السَّفَرَ السَّفْر

وتدري فُروضَ الحجِّ من نافِلاتِهِ
ويمتازُ عندَ الأمَّةِ الخَيرُ والشرُّ

شهِدتُ لقد أعززتَ ذا الدينَ عزَّةً
خَشِيتُ لها أن يَستبِدَّ به الكِبْر

فأمضَيتَ عَزماً ليس يَعصيك بعدَه
من الناس إلاّ جاهلٌ بك مغترُّ

أُهنّيكَ بالفتْحِ الذي أنا ناظِرٌ
إليه بعَينٍ ليسَ يُغمِضُها الكفْر

فلم يَبقَ إلا البُردُ تَتْرَى وما نأى
عليكَ مدىً أقصى مواعيده شَهر

وما ضَرَّ مصراً حينَ ألقَتْ قِيادَهَا
إليكَ أمَدَّ النّيلُ أم غالَهُ جَزْر

وقد حُبِّرَتْ فيها لك الخُطَبُ التي
بدائعُها نَظْمٌ وألفاظُها نَشْـــــــــــــر

فلم يُهَرَقْ فيها لذي ذمَّةٍ دمٌ
حرامٌ ولم يُحمَلْ على مسلِمٍ إصْر

غدا جوهرٌ فيها غمامةَ رحمَةٍ
يَقي جانبَيها كلَّ حادثةٍ تَعْرُو

كأنّي به قد سارَ في الناس سيرةً
تَوَدُّ لها بغْدادُ لو أنّها مِصْــــــر

وتحسُدُهَا فيه المشــــــــارقُ أنّهُ
سواءٌ إذا ما حلَّ في الأرض والقَطر

ومن أين تَعْدوهُ سياسةُ مثلِها
وقد قُلِّصَتْ في الحربِ عن ساقِه الإزر

وثُقِّفَ ثَثْقيفَ الرُّدَيْنيِّ قبلَهــــــَا
وما الطِّرْفُ إلاّ أن يُهذِّبَهُ الضُّمر

وليسَ الذي يأتي بأوَّل ما كفى
فشُدَّ به مُلْكٌ وسُـــــــــــــدَّ به ثَغر

فما بمداه دون مَجدٍ تَخَلُّفٌ
ولا بخُطاهُ دونَ صالحةٍ بُهْـــــــر

سننْتَ له فيهم من العدلِ سُنَّةً
هي الآيةُ المُجْلى ببُرْهَانِها السّحر

على ما خلا من سنَّةِ الوحي إذْ خلا
فأذيالُها تضفو عليهم وتنجّرُّ

وأوصيتَهُ فيهم برِفقكَ مُرْدَفاً
بجودكَ معقوداً به عهدُك البَرُّ

وصاةً كما أوصى بها اللهُ رُسْلَهُ
وليس بأُذنٍ أنت مُسْمِعُها وَقْر

وثنَّيْتَها بالكُتْبِ من كلِّ مُدْرَجٍ
كأنَّ جميعَ الخيرِ في طَيّهِ سَطْر

يقولُ رجالٌ شاهَدوا يوم حكمِهِ
بِذا تُعْمَرُ الدُّنيا ولو أنّها قَفْر

بِذا لا ضِياعٌ حَلَّلوا حُرُماتِهَا
وأقطاعَها فاستُصفيَ السَّهْلُ والوعْر

فحسبُكمُ يا أهلَ مِصرٍ بعَدْلِهِ
دليلاً على العدل الذي عنه يَفترُّ

فذاك بيانٌ واضحٌ عن خليفةٍ
كثيرُ سواهُ عند معروفه نَزْر

رضينا لكُمْ يا أهلَ مِصرٍ بدولَةٍ
أطاعَ لنا في ظلِّها الأمْنُ والوَفْر

لكُمْ أُسْوةٌ فينا قديماً فلم يكنْ
بأحوالنا عنكم خَفاءٌ ولا سَتر

وهل نحنُ إلاّ مَعشَرٌ من عُفاتِهِ
لنا الصافناتُ الجُردُ والعَكَرُ الدَّثْر

فكيْفَ مَوالِيهِ الّذينَ كأنّهُمْ
سَماءٌ على العافينَ أمطارُهَا التِّبْر

لَبِسْنا به أيّامَ دهرٍ كأنّمـــــــــــــَا
بها وَسَنٌ أو مالَ مَيلاً بها السُّكْر

فيا مالِكاً هَديُ الملائكِ هَديُهُ
ولكنّ نَجْرَ الأنْبيــــــــاء له نَجر

ويا رازقاً من كفِّهِ نَشَأ الحَيَا
وإلاّ فمِنْ أسرارِها نَبَعَ البحر

ألا إنّما الأيامُ أيامُكَ الّتي
لك الشَّطرُ من نعمائها ولنا الشَّطر

لك المجد منها يا لك الخيرُ والعُلى
وتَبقى لنا منها الحَلوبةُ والدَّرُّ

لقد جُدْتَ حتى ليس للمالِ طالِبٌ
وأنفقْتَ حتى ما لمُنْفِسَةٍ قَدْر

فليسَ لمن لا يرتقي النجمَ هِمَّةٌ
وليس لمن لا يستفيدُ الغِنى عُذر

وَدِدتُ لجِيلٍ قد تقَدَّمَ عصرُهم
لوِ استأخروا في حَلبة العُمرِ أو كروا

ولو شَهِدوا الأيامَ والعيشُ بعدهم
حدائقُ والآمالُ مونِقَةٌ خُضــــْر

فلو سَمِعَ التثويبَ مَن كان رِمَّةً
رُفاتاً ولبّى الصوتَ مَن ضَمَّه قَبر

لناديتُ من قد ماتَ حيَّ بدولةٍ
تُقامُ لها الموتى ويُرتَجَعُ العمر



وقد قال الشاعر مسلم بن الوليد (صريع الغواني )* قصيدته اللا مية في مدح الخليفة هارون الرشيد ادناه فعارضه الشاعر ابن عبد ربه الاندلسي صاحب كتاب ( العقد الفريد) بقصيدة مماثلة .

https://falih.ahlamontada.net

الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى