والقصيدة المعاصرة
لاشك ان القصيدة المعاصرة هي ( النص الشعري الحديث للقصيدة العربية او وجهها الجديد الذي يحمل رؤية رومانسية رمزية في الاغلب ) وقد ظهرت للوجود في الشعر العربي الحديث او المعاصر على ايدي شعراء امتازوا بالتجديد من امثال نازك الملائكة والسياب وصلاح عبد الصبور وان تقدمهم قليلا امين الريحاني في قصائده النثرية فهم اول شعراء هذا النوع من الشعر والذي يعتبر بذاته طفرة نوعية معاصرة او جديدة او تعتبر بداية قيام نوع من الشعر جديد
ولو راجعنا الشعرالعربي قديما وحديثا لراينا ان هذا التجديد قد بدا منذ القدم ايام الدولة العباسية لكنه لم يخرج عن قاعدة الشعر العربية - الوزن والقافية - وذلك بقول الشعراء - المربع والمخمس والسمط او ايجاد الموشح- في بلاد الاندلس ثم هجرة الموشح الى شرق البلاد العربية فانتشر كثيرا باعتبار تغييرالزمن ونفسية الشاعر والمتلقي وحاجتهما الى التطور او بالاحرى مالت النفس التواقة نحو الافضل الى الغناء والرفاهية والخفة في الطبع على اعتبار ان الشعر هندسة أصوات يدخل بها الشاعر في نفوس الآخرين والتي قد تشبه عالمه الداخلي او لواعج نفسه الانسانية، بغية تحفيز الطاقة الشعورية لديه ودفعها إلى ممارسة عملية التزاوج الاجتماعي والواقع النفسي السياسي، وبانحسار استعمال الأشكال الشعرية العربية القديمة ، وتزايد استخدام الأشكال والإيقاعات والصور المقتبسة من الشعر الأوروبي، خاصة الشعر الحر، وقصيدة النثر
وقد تحولت هذه الحالة إلى تيار رمزي جارف يقوم على اعتبار الشعر كتابة إبداعية مادتها اللغة، وهذه الكتابة هي عمل ابداعي نابع من اللغة حيث يخلق منها كيانا ذاتيا يختلف عن لغة التعامل اليومي اوعن لغة المنطق الظاهري، يتفاعل معه الفكر الشعوري بالتداعي الحر مشتركا بتيار الأحلام النفسية المنبثقة من نفسية الشاعر ذاته ويهدف إلى ايجاد معان جمالية مبتكرة لها قابلية تغيير الاحوال نحو الافضل في التعامل مع الموروث التاريخي واللغة المقال فيها هذا الشعر وهذان قد ينزعان في ادراكهما للموضوعات والفهم الشعوري ، من أجل فهم أشمل وأعمق ، و تحرير الطاقات الكامنة لدى الشاعر تحريرا شاملا يدخل من خلالها الى الطاقات الشعريةالذاتية اوالنفسية والبواعث الانسانية الاجتماعية.
إن المتعة الجمالية هي الوسيلة الشعرية في الوصول إلى الغاية، فالجمال وسيلة الشعر إلى غاية الجمال (فهو إحدى وسائل غرس الجمال في الوجود كذلك فإن من وسائل غرس الجمال الكبرى هي الصورة الشعرية)
ان قصيدة النثر قد لاتخلو من الإيقاع او موسيقى الشعر التي وجدت في الشعرالعربي كاوزان وقوافي مستلهمة من بحورعمود الشعر التي اوجدها الخليل الفراهيدي الا انه انحصر عند بعض الشعراء والنقاد والمتلقين في الوزن دون غيره، وربما تعداه الى غيره عند اخرين فشمل كافة الظواهر الصوتية الأخرى
ومن المعلوم أن الإيقاع ركن من أركان الشعر، وقد اتسع عند آخرين ليضم إلى كل الظواهر المسموعة، وظواهر أخرى ملموسة، أي أنواع الحركة الداخلية النفسية غير المسموعة المتعلقة بالصراعات بين الأفكار
ان الوزن سمة قاهرة من سمات الشعر، ولئن لم يركز الرومانسيون والرمز يون على البعد الإيقاعي الصوتي بصورة خاصة، فإن المتأثرين بالمدارس اللسانية الحديثة يتفقون ان العنصر الإيقاعي الدال الأكبر والعنصر الاظهر من مكونات الشعر، فالنص الشعري حقيقة هو نوع من الأوزان تتولد من قاعدة اتحاد وانسجام بين مختلف مستوياته وخاصة بين حروف اللغة وابراز ذات الصوت المتشكل من الحرف اللغوي اتصاله باخر وفقا لامكانية الشاعر ومقدرته على الاتيان بالافضل ويشكل العروض الجانب الأبرز في الشعرية، الا ان القصيدة المعاصرة واقصد قصيدة الشعرالحر التزمت عن بعد بحور الشعر الصافية مع ايغالها المفرط في الزحافات عند اغلب شعرائها اوقصيدة النثر الرافضة لكل المفاهيم الشعرية القديمة والثائرة على كل الاوضاع الموروثة سائرة في خط الحاضر اوالمستقبل
والشعر على العموم بجماليته وقوته وطموحه وأحلامه، يبقى بماهيته شكلا ومضمونا ومنابعه الصافية محيراً للعقول ويظل جمال ماهيته شيئاً مثيراً جاذباً للنفوس واعواطفها معبرا عن خوالجها يكتسب جماليته من وظيفته الإيحائية الغامضة فنياً. صائغا ماهيته من انبثاق عالم مكبوت في داخل هذا الشاعر الثائر وعلى هذا انبثقت جمالية هذا الفن من روحية عالية ونفسية شاعرة ملهمة
الشاعر
فالح الحجية الكيلاني
7\3\2011