الفصل السابع
اهمية النقائض في الادب العربي
ظهر شعرالنقائض كفن مستقل بحد ذاته في العصر الاموي كانت له الاهمية العالية في الثقافة العر بية والادب العربي وفي التاريخ والانساب وفي كثير من الاوجه او الجوانب الاخرى نوجزها بما يلي :
1- الجانب الاجتماعي:
مما لا خلاف فيه ان الشعر الأمويّ نشخص فيه البداوة امتدادا للعصر الجاهلي و بقيت سائدة وغالبة عليه وعلى المجتمع الأموي. فالشعر الأمويّ غلبت عليه المفاخر الجاهلية والبدوية كالفخر بالأنساب العربية والذكر العشائري وذكر أيام العرب المشهورة وخاصة المعارك بين القبائل العربية ما حالفها وما قيل فيها من شعر في ذكر الثأر وايام الانتصار والغلبة على القبائل الاخرى.بحيث بقي شعراء المناقضات حتى أواخر العصر الأمويّ يعدّون الحياة الحضرية في باب المعايب المعيشية.
فالأخطل التغلبي قد هجا الأنصار وعاب عليهم قيامهم بالزراعة والفلاحة أنهم زرّاعون وجرير بن عطية ظلّ إلى آخر حياته يهجو بني مجاشع بأنهم قيون (حدادون) ذلك لأنّ القيانة اي الحدادة مهنة صناعية كسائر الصناعات التي كان يقوم بها العبيد والاعاجم من غير العرب من اتباع الدولة الاموية حيث ان العنصرالعربي كان يستهجن هذه الاعمال الا الفقراء منهم والذين لايجدون مكسبا للعيش فيرتادونها او يعملون بها للعوز وسدا للرمق .
الا ان الشعر في صدر الاسلام و العصر الأموي كثرت فيه الألفاظ الاسلامية والآراء الاسلامية، حتى الشاعر الاخطل وهوعلة دين النصرانية لم يشذّ عن ذلك فلما مدح الخليفة الاموي قال :
نفسي فداء أميــــــر المؤمنين إذا.
أبدى النواجــــذ يوم عارم ذكــــر
الخائض الغمر والميمــــون طائره
خليفــــة اللّه يستسقى به المطـــــر
بينما ذكر غيره من الشعراء المسلمين مثل جرير والفرزدق وغيرهما الكثيرمن الشعراء في قصائدهم الصلاة والزكاة والحج والصيام واقتباسهم الشيء الكثير من القرآن الكريم. وربما قد يكون الفرزدق وجرير قد شربا الخمر المحرم اسلاميا ولكنهما لم يصفاها اضافة الى ذلك ان الشاعر جرير كان يعيب على الفرزدق أحيانا شربه الخمرة في بعض اشعاره . يقول في الخمرة :
إذا استبأوا خمراً نقلتمْ زقاقهمْ
إلَيهِمْ وَلا يَسقُونَ تَيماً من الخمرِ
2-الجانب السياسي:
اما الجانب السياسي فقد صوّرت النقائض النزاع السياسي على الخلافة بين الامويين وبين خصومهم. ومع ان الأمويين قد انتصروا في هذا النزاع انتصارا حاسما على مناوئيهم و أنّ الأحزاب السياسية الأخرى قد فقدت قدرتها الفعّالة بقوة خلفاء بني امية وقد تمثلت قوة الاحزاب السياسية في الاغلب في الشعور القبلي الذي بعث من جديد. حيث ان القيسيين وهم أنصار عبد اللّه بن الزبير واخيه مصعب قد وقفوا موقف المناوئ لليمانيين من أنصار بني أميّة في الخلافات السياسية التي امتلأ بها العراق والشام، وكذلك في تعيين الولاة والعمّال على البلدان في الدولة الاسلامية المترمية الاطراف .
ومن المفيد ان اذكر أن شعراء النقائض وهم من العرب لم ينسوا-في غمرة نزاعهم القبليّ الاشادة بالعنصر العربي و بعظمة العرب القومية وان يشيروا إلى اتّساع الفتوح الاسلامية، وخصوصا في المشرق: في بلاد فارس والهند والصين.
والشعراء الذين دخلوا في هذا النزاع لم يدخلوه وهم يحملون عقيدة أموية أو زبيرية أو علويّة انما عقيدتهم عربية وانما دخلو ا الصراع للتكسّب في الدرجة الأولى. حتى إن الشعراء الزبيريين انقلبوا بعد ذلك أمويين. وكذلك الشاعر الفرزدق-والذي كان يمثّل العلويين-من ان يعرّض بآل البيت ويمدح بني أمية. وكذلك الأخطل المسيحي مدح الخلفاء مدائح ذات طابع اسلامي كما اسلفت وانه راح يناقض عقيدته الدينية. بينما بقي نفرا من الشعراء لم يفعلوا ذلك، فقد ظل الشاعر الكميت الاسدي العلوي على وفائه واخلاصه للعلويين رغم كونه مدح الأمويين تكسّبا اضطرارا للحاجة فاضطرّ إلى التكسّب من الخلفاء الامويين . يقول في مدح الخليفة هشام الاموي :
ماذا عليك من الوقو ف بها وإنك غيرُ صاغر
فالآن صرت إلى أميـَّ ـةَ والأمور إلى مصائر
يا ابن العقائل للعقا ئل والجحاجحة الأخاير
من عبد شمسٍ والأكا بر من أمــــــية فالأكابر
إن الخلافة والإلا فَ برغم ذي حَسدٍ وَوَاغِرْ
دَلَفَا من الشرف التليـ ـد إليك بالرِّفد الموافر
3- الجانب الفكري :
النقائض كانت تمثّل جوانبا من الحياة الأمويّة: الجانب السياسيّ والجانب اللغوي في الدرجة الأولى. أما الناحية الاجتماعية الحضرية الجديدة فكانت لا تزال مشوبة بقدر كبير من البداوة ومن احترام البداوة. بينما الناحية الأدبية فكان الطابع الجاهلي هو الغالب عليها وذلك لأنّ الشعراء الامويين أنفسهم كانوا معجبين بالشعراء الجاهلين يتّخذونهم أئمة وهداة لهم وقد نسجوا على منوالهم ويحتذون أشعارهم ويحاكون خصائصها. اذ ان الحركة الفكرية الجديدة أثرها لم يظهر بعد في شعر النقائض الا نادرا .
وقد عاصر شعراء النقائض نشأة علم الكلام وتوفّي الفرزدق وجرير بعد الحسن البصري ببضع سنوات. الا انها لم تؤثر في النقائض ولم نجد مسائل الجدال الديني ولا قضايا البحث العقلي ولم تجد بوادر الاتجاه العلمي الى النقائض طريقا رغم أن البصرة كانت سوقا عظيمة لهذه النقائض في مربدها الشهير ووجود شعرائها والشعراء القريبين منها وفيها مثل الفرزدق البصري وجرير القريب منها .
يقول الفرزدق يهجو الاخطل :
.
إن القصائد يا اخطل فاعترف
وصلت اليك فجرة الارسانٍ
وعلقت فــــــي الثلاثة رابعاً
مثل البكار درقن في الاقران
3-الجانب اللغوي:
كانت النقائض في العصر الاموي ذات قيمة لغوية وثقافية واسعة فشعراء المناقضات قد حفظوا اللغة العربية صافية كما كانت في العصر الجاهلي. فحفظوا العدد الأوفر من الألفاظ حتى قيل: لو لا الفرزدق لذهب ثلث اللغة، بل قيل لذهب ثلثاها.
وكذلك حفظ الشعراء هذه الألفاظ لجزالتها، فشعراء النقائض قد استعملوا هذه الالفاظ لتدل على معانيها الصحيحة التي لم تكن قد شوهت بعد نتيجة الاختلاط بالأعاجم .وقد استخدموا الألفاظ الجزلة والعذبة الرقيقة والتي تمثل البيئة الأموية من ناحية الترف ونعومة العيش . وكذلك امتازت هذههذه القصائد بوحدة الوزن والموضوع والقافية بالتناغم مع قصيدة الخصم في الرد عليها أما وحدة حركة حرف الروي فأكثر النقائض تلتزم بحركة الروي وبعضها لم تلتزم بها واكتفى البعض بالتزام حرف الروي ، وهذا ما نلاحظه في لامية الفرزدق في هجاء جرير التي مطلعها :
إِنَّ الَّذي سَمَكَ السَماءَ بَنى لَنا
بَيتــــاً دَعائِمُـــهُ أَعَـــزُّ وَأَطـــــوَلُ
وكذلك في لامية جرير التي نقض بها قصيدة الفرزدق ومطلعها :
لِمَنِ الدِيـــارُ كَأَنَّها لَم تُحلَـــــلِ
بَينَ الكنــــاس وَبَينَ طَلحِ الأَعـــــزَلِ
وكذلك نلاحظ تأثر الشعراء بألفاظ القرآن الكريم إذ عاش شعراء النقائض في بيئة إسلامية للقران الكريم القدح المعلى في كل مقومات الثقافة واللغة العربية فدخلت المعاني الإسلامية في صلب النقائض كما نلاحظ ذلك في قول الفرزدق اعلاه
فالألفاظ العربية التي حفظت لنا في النقائض كثيرة، وكان أكثرها غريبا متصلا بالمعاني الجاهلية القديمة. بل لعل قسما من ألفاظ النقائض كان أكثر غرابة من ألفاظ المعلقات في الجاهلية .
وكذلك التراكيب اللغوية كانت تراكيب متينة تجري على الأسلوب العربي القديم. وهكذا نستطيع أن نقول: إنّ النقائض كانت مزيجا من معان قديمة وجديدة ولكن في اللغة العربية القديمة.
ومن شعرالطرماح في هذا المجال :
إنَّ بمعنٍ إنْ فخـــرتَ لمفخـــراً
وفي غيرِهَا تبنَى بيوتُ المكارمِ
مَتَى قُدْتَ يَا بْنَ العَنْبَرِيَّة عُصْبَة
مِنَ النَّاسِ تَهْدِيها فِجَاجَ المَخَارِمِ
4-الجانب الأدبي :
كانت النقائض تقليدا واضحا للمعلقات خاصة: تقليد في شكل القصيدة وفي كثرة أغراضها وطول نفسها وفي كثير من خصائصها الأخرى كالفخر بالأنساب والايام العربية المشهورة والهجاء القبلي ووكذلك النسيب في مطالع قصائد الشعراء وكالغزل البدوي الذي كان عفيفا وصريحا.
ومع اننا لا نعجب بالنقائض من الناحية الخلقية والاجتماعية فإننا نثبت أنّ شعراء النقائض قد أضافوا إلى الشعر العربي فنا جديدا هو فن الشعر السياسي، أو انهم على الأصح قد وسّعوا هذا الفن-الذي ظهرت طلائعه منذ الجاهلية عند النابغة الذبياتي خاصة-بحيث توسع توسعا كبيرا واصبح فنا جديدا.
والنقائض قد قامت على التكسّب بخلاف أكثر الشعر الجاهلي. فشعراء النقائض عموما لم يميلوا إلى حزب دون حزب بدافع المبدأ والعقيدة، بل مالوا إلى اي حزب كان يفيض عليهم الكثير من العطايا والهبات .
وقد اعتمد شعراء النقائض على توليد المعاني والصور الشعرية لخصوبة خيالهم فاخذوا يبتكرون الصورالشعرية ويبالغون في اسمى المعاني وافضل الاساليب ويخترعون الوقائع والحوادث حتى لو كان بعضها كذبا وبهتانا . مثال ذلك انشغال جرير بفكرة القين والحدادة عند الفرزدق فولّد منها المعاني القريبة اليها وتعمق فيها ، يقول :
ألهى أباك عن كل المكارم والعـــلا
لي الكتــــــــــائف وارتفاع المرجـــــل
تصف السيوف وغيركم يعــصي بها
يا ابن الــقيون و ذاك فعل الصّقل
وكذلك اعتماد اسلوب السخرية وفيه إسفاف وتشنيع للخصم والحط من مكانته . وفي نقائض جرير والفرزدق أمثلة كثيرة على ذلك . فقد سخر جرير من الفرزدق قائلاً :
وإنك لو تعطي الفرزدق درهماً
على دين نصــرانية لتنصـــّر
ومن ذلك قول الفرزدق في والد جرير :
إنّا لنضــــرب رأس كـــــلّ قبيلــــــةٍ
وأبوك خلــــف أتانـــــه يتقمّــــــل
ومن المهم أن نشير إشارة خاصة إلى أن الآراء الإسلامية والآيات الكريمة التي دخلت على المناقضات. فقد كانت النقائض قديمة بلغتها وأغراضها الفنية ثم كانت اسلامية بمعانيها الجديدة وفي بعض أغراضها. مثال ذلك قول الفرزدق في هجاء جرير اذ يقول في مطلع قصيدته :
ان الذي سمك السماء بنى لنا
بيتـــــا دعائمه اعـــز واطــــول
وعلى العموم فمن اشهر شعراء هذا الفن هم فحول الشعر العربي في العصر الاموي وهم جرير والاخطل والفرزدق وغيرهم من الشعراء ممن دخل في هذه المعارك الشعرية وقد وقف كل من الاخطل والفرزدق والبعيث وغيرهم كثير ضد جرير الذي تمكن من التصدي لهم تكميم افواه بعضهم كالشاعرالبعيث الذي قال قصيدته يناقض الشاعر جرير فرد عليه جرير فافحمه ولم يستطع البعيث مجارات جرير فآثر الانسحاب من المعارك المثيرة فانسحب من الحلبة ولم يعد اليها ابدا .
يقول الفرزدق في احدى نقائضه لجرير:
قال ابن صانعة الزروب لقومه
لا استطيع رواسي الاعـــــلام
ووجدت قومك فقؤوا من لؤ مهم
عينيك عند مكارم الا قــــــــــوام
صغرت دلاؤهم فما ملاءوا بها
حوضا ولا شهدوا عراك زحام
وحسبت بحر بني كليب مصدرا
فغرقت حين وقعت في القمقام
في حومة غمرت اباك بحورها
في الجاهلية كان والاســــــــلام
اني وجد ت ابي بنى لي بيته
في دوحة الرؤ ســــــــــاء والحكام
وابي ابن صعصعة بن ليلى غالب
غلب الملوك ورهطه اعمـــــامي
وترى عطية مغاربا بفنائه
ربقين بين حظا ئر الاغنــــــــــــا م
لاحظ مديح الفرزدق لابيه وقومه فهم من دوحة الروساء والحكام كما يقول ولاحظ هجاءه المقذع لجرير ووالده عطية البائس الهاجع في حضيرة الاغنام الا ان جريرا يرد عليه بقصيدة بنفس الوزن والقافية ينقض قصيدة الفرزدق هذه باخر ى مثلها فيقول :
خلق الفرزدق سوءة في مالك
ولخلف ضبة كان شر غلام
مهلا فرزدق ان قومك فيهموا
خورالقلوب وخفة الاحلام
كان العنان على ابيك محرما
والكير كان عليه غير حرام
مازلت تسعى في خيالك سادرا
حتى التبست بعرتي وعرامي
عمدا اعرف بالهوان مجاشعا
ان اللئام علي غير كرام
انب اذا كره الرجال حلاوتي
كنت الذعاف مقشبا بسمام
فيم المراء وقد علوت مجاشعا
علياء ذات معاقل وحوا م
وجللت في متمنع لو رمتـــــــه
لهويت قبل تثبت الاقدام
لاحظ كيف رد جرير على الفرزدق وكيف ظهرت معلوما ت جديد ة من تاريخ القبيلتين في الجاهلية وهكذا كانت النقائض تاريخا حافلا بالاحداث التاريخية عند العرب وقد استفاد منها المؤرخون كثيرا .
وكليب قوم جرير. لذا يرد عليه جرير بقصيدة طويلة فيقول :
ما كان يرضى رسول الله دبنهم
والطيبان ابو بكر ولا عمــــــر
جاءالرسول بدين الحق فانتكثوا
وهل يضير رسول الله ان كفروا
حيث يعيب جرير على الاخطل نصرانيته
ومما تقدم نثبت ان ما وصل إلينا من نقائض العصر الأموي وخاصة النقائض ما كان بين جرير والفرزدق والأخطل . هؤلاء هم الشعراء الذين اكتملت صور النقائض الفنية على أيديهم من كل الوجوه .
ونسيتطيع ان نقول ايضا ان شرارة معركة النقائض استعرت نارها حين هجا الشاعر غسان السليطي من عشيرة سُلَيط اليربوعية التميمية الشاعر الفحل جرير الخطفي التميمي فرد عليه جرير بهجاء مر فاستغاث غسان بالشاعر البعيث المجاشعي ، فأغاث البعيث غسان السليطي وهجا جريرا وعشيرته فقال :
كُليبٌ لِئام الناس قد يعلمونها
وأنت إذا عُدّت كُليبٌ لئيمها
فما كان من جرير الا ان يرد عليه ناقضا قصيدته بقصيدة طويلة مطلعها :
أَلا بَكَرَت سَلمى فَجَدَّ بُكورُها
وَشَقَّ العَصا بَعدَ اجتِماعٍ أَميرُها
صب فيها عليه وعلى مجاشع شواظ النار وأفحش الكلام بنسائهم إفحاشاً شديداً مما جعل النسوة من مجاشع يستغثن بالشاعر البصري الفرزدق وكان الفرزدق معتكفاً على حفظ القرآن الكريم يريد أن يبدأ سيرة جديدة وحياة ذات مغزى ديني فما زلن يستثرنه ويقنعنه في الرد على الشاعر جرير .
قائلات له:
- إن جريراً هتك اعراض نسائك
وظللن عليه حتى وافق فهجا جرير
واستعر اوار الحرب الهجائية بين الفرزدق وجرير وامتد بينهما طويلا شملت اغلب القبائل العربية مثل قيس وتغلب وتميم .
وانزلق في هذه االمعركة الثقافية الادبية والشعرية كثير من الشعراء قد تحيزوا للفرزدق على جرير فكانت نار كلمات جرير وشعره يشوي وجوههم ووجوه عشائرهم بهجائه ولم يستطيعوا المقاومة والاستمرار فاثروا الانسحاب خاسرين و منهزمين .
ومن هؤلاء الشعراء الشاعر الراعي النميري فقد أوقعه سوء حظه في تفضيل الفرزدق على جرير فهجا جرير بقصيدة بائية فنظم جرير قصيدة نقيضة لقصيدة الراعي النميري هجاه فيها وهجا الفرزدق الفرزدق ايضا مخاطبا الراعي النميري بقوله :
فَغُضَّ الطَرفَ إِنَّكَ مِن نُمَيـــــــرٍ
فَلا كَعبـــــــاً بَلَغتَ وَلا كِلابـــــــــا
وفي هذا الوقت كان الشاعر الاخطل التغلبي يراقب مايدور في هذه المعركة وهو شاعر فحل نصراني الديانة الا انه نقم على جرير كون جرير اخذ يزاحمه في بلاط الخلافة الاموية لان الاخطل كان شاعرالخلفاء الامويين وبلاطهم ثم ان جرير ا كان قد مدح قبيلة ( قيس ) المعادية لقبيلته ( تغلب )
لذا تحرش الاخطل بالشاعر جرير للاسباب اعلاه حيث اذ القى قصيدته في مجلس ( بشر من مروان ) فضل فيها الفرزدق على جرير فاستشاط جرير غضبا ونظم قصيدة نونية ناقضة لقصيدته يهجو الاخطل والفرزدق يقول فيها :
يا ذا العَباءَةِ إِنَّ بِشراً قَد قَضى
أَن لا تَجوزَ حُكومَةُ النَسوانِ
فَدَعوا الحُكومَةَ لَستُمُ مِن أَهلِها
إِنَّ الحُكومَةَ في بَني شَـــــيبانِ
فكان ذلك بداية العداء بينهما وسبب وجود المناقضات في الشعر والادب العربي
واود ان اذكر ان الشاعر جرير تكالب عليه الشعراء من كل جانب وطرف وفج عميق حتى قيل ان من قارعهم - اكثرمن ثمانين شاعرا - افحمهم واغلق افواههم الا الاخطل والفرزدق الذي توفاه الاجل واسكته الموت . عند ذلك كان الشاعر جرير سباقا في رثائه بقصيدة رائعة وفاءا منه لصداقته القديمة معه وان الشاعرين من ( تميم ) منها هذه الابيات :
لعمري لَقَدْ أشجي تميمـاً وهــــدها
علي نكبات الدهــــر موت الفرزدق
عشيـة راحـوا للفـراق بنعشـــــه
إلي جدثٍ في هوة الأرضِ معمـقِ
لقد غادروا في اللحد من كان ينتمي
إلي كل نجم فـي السمـاء محلـقِ
ثوي حامل الأثقال عن كل مُغـرمٍ
ودامغ شيطان الغشـوم السملـقِ
عمـاد تميـم كلهـا ولسانـهـا
وناطقها البذاخ فـي كـل منطـقِ
فمن لذوي الأرحام بعد ابن غالبٍ
لجارٍ وعانٍ في السلاسـل موثـقِ
ومن ليتيم بعد موت ابـن غالـب
وأم عـيـال ســــــاغبـيـن ودردقِ
ومن يطلق الأسري ومن يحقن الدما
يداه ويشفي صدر حـران مُحنَـقِ
وكم من دمٍ غـالٍ تحمـل ثقلـه
وكان حمولاً في وفـاءٍ ومصـدقِ
وكم حصن جبار هُمـامٍ وسوقـةٍ
إذا مـا أتـي أبوابــــــــه لـم تغلـق
تفتـح أبـواب الملـوك لوجهـه
بغيـر حجـاب دونـه أو تملُــــــقِ
لتبكِ عليه الأنس والجن إذ ثـوي
فتي مُضرٍ في كل غـربٍ ومشـرقِ
فتيً عاش يبني المجد تسعيـن حجـةً
وكان إلي الخيرات والمجـد يرتقـي
فما مات حتي لـم يُخلـف وراءه
بحيـة وادٍ صولـةً غيـر مصعـقِ
راجع كتابي ( الموجز في الشعرالعربي ) المجلد الاول وكتابي (شعراء العصر الاموي ) الجزء الاول وهو المجلد الثالث من موسوعتي ( موسوعة شعراء العربية )
******************