الفصل الرابع
نشاة النقــــــائض
النقائض نشأت في العصرالجاهلي ضمن فن الهجاء فكان بعض الشعراء يهاجي الشاعر الاخر وينال منه في نفسه وخلقه ورهطه وقبيلته وكانت تاتي ضمن فن الهجاء المعروف فهي اذن نوع من الهجاء المتطور وفق الزمن المقالة فيه .
النقائض من الفنون الشعرية القديمة لأنها عرفت منذ العصر الجاهلي الا انها كانت ضمن غرض الهجاء ، فقد كان شعراء القبائل المتحاربة يتراشقون بالشعر كما يتراشقون بالسّهام ، وكانوا يتهاجون ويناقضون بعضهم اقوال بعض ، فينتصر الشاعر لنفسه و لقومه فيوجع غريمه فيرد عليه شاعر القبيلة الاخرى . ومن اغرب ما قيل قول الشاعر (تأبط شرا ) :
عاري الظَّنَابِيبِ، مُمْتَدَّ نَوَاشِرُهُ
مِدْلاَجِ أدْهم واهي الماء غَسَّاقِ
حتى اذا ظهر الإسلام تحولت هذه القصائد واعني بهــا ( النقائض ) بين الشعراء من المسلمين وشعراء المشركين كل ينصر جماعته . فقد دافع الشعراء في المدينة المنورة عن الإسلام والمسلمين ومن استشهد منهم ودافع شعراء الشرك في مكة عن وثنيتهم واصنامهم ومن قتل في الحرب من المشركين .
كقول الشاعر الهوزاني :
ثمت نــزل جبريــــــل بنصرهم
عن السماء فمهزوم ومعتنق
عنا ولو غير جبريل يقاتلنـــــا
لمنعت إذن أســـيافنا العتــــق
النقائض أيام الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم تعدّ امتداداً لما كانت عليه النقائض في العصر الجاهلي إلا أنه أصابها التغيير من حيث الغاية إذ أصبحت في مضمونها دفاعاً عن الاسلام وعقيدته والمبادئ الدينية ولما جاء به الاسلام بعد أن كانت اغراضها دفاعاً عن أعراض القبيلة .ومن امثلة التزام الشعراء الاسلاميين بالدعوة الاسلامية واقتباسهم معاني القران الكريم في شعرهم قول الشاعرالنابغة الجعدي :
الحمــــد لله لا شــــــريك لــــه
من لم يقلها فنفســـــه ظلمـــــا
المولج الليـــــل في النهـــــار
وفي الليــــل نهـــارا يفرج الظاما
وتتميز نقائض الشعراء المسلمين بالتزامها الديني والاخلاق الاسلامية السامية فنلاحظ ابتعاد شعرائها في قصائدهم عن فحش الكلام وسوقيه وخلوها من التوغل في جرح الأعراض وانتهاك الحرمات .
ومن المعلوم ان العوامل المؤدّية إلى نشأة النّقائض واولها العصبيّة القبليّة التي ما زالت تجري في عروق الشاعرالعربي منذ الجاهليّة سواءً في تمجيد قبيلته وعائلته ورجالها، أو بالتّفاخر بالنسب أو بالتحدث عن الشّرف والمكانة المرموقة عند الشاعر او اسرته او رهطه او قبيلته في اثناء الحرب او السلم لا تزال موجوده في مجتمعاتنا الريفية والقروية وفي نفوسنا منها بعض الاثر الرجعي .
فالنقائض قصائد شعرية تشترك في الوزن والقافية والروي فكل قصيدتين متناقضتين متعارضتين متضادتين تأتيان من بحر واحد وروي واحد وقافية واحدة كانهما قصيدة واحدة . لولا اختلاف المقاصد والاهواء لدى الشاعرين او لولا اختلاف الفنون الشعرية في قول كل منهما حسب اهواء الشاعر وقابليته الفنية والادبية والثقافية .
ازدهر هذا الفن من الشعر في العصر الاموي ازدهاراً كبيراً وواسعاً وتحوّل إلى فن مستقل بذاته له أصوله وخصائصه وعناصره وأساليبه ومراميه وأبعاده السياسية والاجتماعية فأحتلّ المكانة العالية والعزيزة الرفيعة واصبح في المنزلة العالية في نمط الشعرالعربي .
وكانت الحياة الاجتماعية والسياسية والقبلية في العصر الأموي مساعدة ومساندة لقيام مثل هذا النوع من الشعر وقد ساعدت هذه الامور على الرجوع الى العصورالتي قبله ونبش ما كان عليه فيها من الجاهلية الأولى .
لذلك يحق لنا ان نقول ان النقائض عاشت في ظل العصر الاموي وازدهرت قصائده وسايرته إلى النهاية وبلغت من الرقي في درجتها الفنية وآثارها الأدبية والاجتماعية مبلغا واسعا في منتهى ما بلغت في تاريخ الشعر العربي. .
وقد شاعت النقائض في هذا العصرالاموي نتيجة للصراع الحزبي او القبلي او العداء الشخصي بين الشعراء انفسهم وحت اثناء المعارك التي دارت بين الفرق والاقوام المتحاربة في ربوع العربية حتى اصبحت فنا واسعا جديدا من فنون الشعرالعربي له شعراؤه وفرسانه وقيلت فيه القصائد الطوال الرائعة التي اعجب بها الادباء والنقاد واعتبرت فيما بعد من روائع الشعرالعربي .
ومن شعر الفرزدق يعتز ببطولة قومه هذه الابيات :
منا الكواهل والاعناق تقدمها
والراس منا وفيه السمع والبصر
ولا نحالف الا الله من احد
غير السيوف اذا ما اغرورق البصر
ومن يمل يمل الماثور ذروته
حيث التقى من حفافي راسه الشعر
اما العدو فانا لا نليــــن لهم
حتى يلين لضرس الماضغ الحجر
**************************