موسوعة التفسيرالموضوعي للقران الكريم
الكتاب السابع
الامثــال في القرآن الكريم
امير البيـــــان العربي
الدكتور فالح نصيف الحجية الكيلاني
تمهيـــــــــد
لو نظرنا الى الناس جميعا نرى ان الله تعالى جعل الناس اقساما بسبب اعمال كل منهم ودرجة تقربه الى الله تعالى وجعل المؤمنين فوقهم فالمؤمنون جعلهم مؤمنين خالصي الايمان فوصفهم افضل وصف في الايات الاربع الاولى من سورة البقرة من القران الكريم حيث قال :
( ذلك الكتاب ريب فيه هدى اللمتقين * الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون * والذين يؤمنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك وبالاخرة هم يوقنون * اولئك على هدى من ربهم وأولائك هم المفلحون *)
وضرب الله تعالى مثل المؤمن وما جعل الله في قلبه من الهدى والنور المنبعث من الايمان به ، بالمصباح في الزجاجة التي كأنها كوكب دُرّي، وهي قلب المؤمن المفطور على الإيمان واستمداده من الشريعة السمحاء الخالصة الصافية الواصلة إليه من غير كدر ولا تخليط . ايمانه نور خالص يشع سناءً وصفاءً وهدايةً .
وجعل الله تعالى المؤمنين صنفين :
الصنف الاول : المقربون . كما في سورة الواقعة :
قال الله تعالى :
(السابقون السابقون اولئك المقربون * في جنات النعيم *ثلة من الاولين* وقليل من الاخرين * على سرر موضونة * مكئين عليها متقابلين * يطوف عليهم ولدان مخلدون * بأكواب واباريق وكأس من معين * لا يصدعون عنها ولا ينزفون * وفاكهة مما يتخيرون * ولحم طير مما يشتهون * وحور عين * كأمثال اللؤلؤ المكنون * جزاءا بما كانوا يعملون * لا يسمعون فيها لغوا ولا تاثيما * الا قيلا سلاما سلاما *)
سورة الواقعة الايات \10-26
وكذلك وصفهم ب( الابرار ) في سورة الانسان
قال الله تعالى :
( ان الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا * عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا * يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا * ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما واسيرا * انما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءا ولا شكورا * انا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا * فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا *وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا * متكئين فيها على الارائك لا يرون شمسا ولا زمهريرا * ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا * ويطاف عليهم بآنية من فضة واكواب كانت قواريرا * قوارير من فضة قدروها تقديرا* ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا * عينا فيها تسمى سلسبيلا * ويطوف عليهم ولدان مخلدون اذا رايتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا* واذا رايت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا* عاليهم ثياب سندس خضر واستبرق وحلّوا اساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا *)
سورة الانسان الايات \5- 21
ووصف الله تعالى القسم الاخرمن المؤمنين في سورة الواقعة بانهم : اصحاب الميمنة او اصحاب اليمين :
قال الله تعالى :
(واصحاب اليمين ما اصحاب اليمين * في سدر مخضود* وطلح منضود* وظل ممدود* وماء مسكوب * وفاكهة كثيرة * لا مقطوعة ولا ممنوعة * وفرش مرفوعة * انا انشأناهن انشاءً * فجعلناهن ابكارا * عربا اترابا * لاصحاب اليمين *)
سورة الواقعة الايات \27- 38
راجع كتابي ( يوم القيامة في القران الكريم ) الصفحات495-506
ووصفهم الله تعالى في سورة المطففين :
قال الله تعالى :
( ان الابرار لفي نعيم * على الارائك ينظرون * تعرف في وجوههم نضرة النعيم * يسقون من رحيق مختوم * ختامه مسك وفي لك فليتنافس المنتافسون * مزاجه من تسنيم * عينا يشرب بها المقربون *)
سورة المطففين الايات \22-28
وجعل القسم الاخر من البشر كافرين ثابتين على الكفر وقد وصفهم في الايتين بعدها في سورة البقرة ايضا :
( ان الذين كفروا سواءا انذرتهم ام لم تنذرهم لا يؤمنون * ختم الله على قلوبهم وعلى , وعلى ابصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم *)
والكفار جعلهم قسمين ايضا :
الكفار الثابتين على الكفر وهم المجرمون
قال الله تعالى:
( ان المجرمين في ضلال وسعر * يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر * )
سورة القمر الايتان \ 47و48
حيث ضرب الله تعالى مثلا - الكفار، الذين يعتقدون أنهم على شيء، وليسوا هم على شيء في قوله تعالى :
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا)
سورة النور : الآية\39
فهم اصحاب الجهل المركّب وهم دعاة الكفر والضلال الشديد
وقال الله تعالى فيهم ايضا في أول سورة الحج:
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ )
سورة الحج الاية \3
ثم ضرب مثل الكفار الجُهَّال الجَهْلَ البسيط، وهم الذين قال الله فيهم:
(أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ)
سورة النور: الاية \ 40
ووصفهم الله تعالى في سورة الحج :
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ) سورة الحج الاية \8
ثم وصف المنافقين بعدهم بهذه الايات المباركة من سورة البقرة ايضا :
قال الله تعالى :
( ومن الناس من يقول امنا بالله وباليوم الاخر وما هم بمؤمنين * يخادعون الله والذين امنوا وما يخدعون الا انفسهم وما يشعرون * في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب اليم بما كانوا يكذبون * واذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض قالوا انما نحن مصلحون * الا انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون * واذا قيل لهم آمنوا كما امن الناس قالوا أنؤمن كما امن السفهاء الا انهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون * واذا لقوا الذين امنوا قالوا امنا واذا خلوا الى شياطينهم قالوا إنا معكم انما نحن مستهزؤون* الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون * اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين *
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ* صم بكم عمي فهم لا يرجعون* أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يجعلون اصابعهم في اذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين * يكاد البرق يخطف ابصارهم كلما اضاء لهم مشوا فيه واذا اظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وابصارهم ان الله على كل شيء قدير * )
لذا نرى في المنافقين قسمين :
الاول منافقو ن خلصاء وهم الذين مردوا على النفاق وضرب الله تعالى فيهم المثل الناري :
(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ *)
سورة البقرة الاية 17
وقال الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم:
( ثلاث من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يَدَعها: من إذا حَدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان).
والقسم الثاني: منافقون يترددون في نفاقهم تارة يظهر لهم لُمَعٌ من الإيمان وتارة يخبو وهم أصحاب المثل المائي الاتي. وهم أخف حالًا من الذين قبلهم:
قال الله تعالى :
( أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يجعلون اصابعهم في اذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين * يكاد البرق يخطف ابصارهم كلما اضاء لهم مشوا فيه واذا اظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وابصارهم ان الله على كل شيء قدير * ).
سورة البقرة الايتان\ 19و20
و قال رسول الله الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم مقسما قلوب العباد جميعا :
(القلوب أربعة: قلب أجرد، فيه مثل السراج يُزْهر، وقلب أغلف مربوط على غلافه، وقلب منكوس، وقلب مُصَفَّح، فأما القلب الأجرد فقلب المؤمن، سراجه فيه نوره، وأما القلب الأغلف فقلب الكافر، وأما القلب المنكوس فقلب المنافق الخالص، عرف ثم أنكر، وأما القلب المصفح فقلب فيه إيمان ونفاق، ومَثَل الإيمان فيه كمثل البقلة، يمدها الماء الطيب، ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يَمُدّها القيح والدم، فأي المدّتين غلبت على الأخرى غلبت عليه)
**********************************
الامثــــــــا ل في القرآن الكريـــم
بســــــــم الله الرحمن الرحيم
(وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ)
سورة العنكبوت: الاية \43
المثل لغة : تعريف الأمثال
لغة: المثل مأخوذ من قول هذا مثل الشيء ومِثله او شَبهه، وشِبهه، لأن أصل المثل هو التشبيه. وقد نجد الكثير من الامثال العربية التي تدل على عقليتهم حيث أن المثل يوافق المزاج العقلي . والمثل قد لا يستدعي بقائله الإحاطة بالعلم أو بشؤون الحياة.
وقد نعرف المثل فنقول هو جملة قيلت في مناسبة معينة اوحالة خاصة ، ثم صارت لما فيها من حكمة او فائدة مثلا يتكرر ذكرها في كل مناسبة مشابهة لها .
وجملة المثل تشتمل على الإيجاز وحسن التشبيه و إصابة المعني و حسن الكناية . وأنّ لفظ المثل له عدة معان مختلفة، كالنظير والصفة والعبرة .
والمِثْل ـ بالكسر والتحريك ـ الشبه، والجمع أمثال؛ والمَثَلُ -محرّكة ـ الحجة، والصفة المِثْل والمثَل يدلاّن على معنى واحد وهو كون شيء نظيراً للشيء. والتمثيل يبرز المعاني في صورة حية تستقر في الأذهان بتشبيه المعقول بالمحسوس وقياس النظير على النظير والمثل يجمع امثال والمثال: المقدار والقصاص وإلى غير ذلك من المعانى .
وقد يجمع المثل الى مثلات للتقليل .
قال الله تعالى:
(وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلات )
وتعني العقوبات التي تزجر عن مثل ما وقعت لاَجله، وواحدها:مُثُل.
وأن للمَثل معنى في أصل اللغة هو: الشبيه والـمِثْل، والمعنى هو: القول السائر وهو: المجاز المركَّب الذي تكون علاقته المشابهة، ويفشو استعماله.
والمَثَلَ اصطلاحا: هو قسم من الحكم ياتي في واقعة لمناسبة اقتضت وروده فيها والامثال قد يكثر يتداولها بين الناس غير واحد من الوقائع التي تشابهها دون أدنى تغيير لما فيه من ايجاز وغرابة ودقة في التصوير.
والمثل او الكلمة الحكيمة تاتي مثل سائر منتشر بين الناس ودارج على ألسنتهم وقد يكون كلمة حكيمة لها قيمتها الخاصة وإن لم تكن سائرة.
وربما يقال : مثل سائر أي متداول بين الناس فالوصف قيد توضيحي لا احترازي، لاَنّ الانتشار والتداول داخل في مفهوم المثل . فالشيوع والانتشار وكثرة الدوران على الألسن هو الفارق بين الحكمة والمثل، فالقول الصائب الصادر عن تجربة يسمّى حكمة إذا لم يتداول،ويقال له مثلاً إذا كثر استعماله وشاع أداوَه في المناسبات المختلفة.
ولعل في ضرب المثل فوائد كثيرة اختلفت وتشعبت وفق ما يضرب به المثل والمراد فيه ولعلنا نجد ذلك فيما ضرب الله تعالى من الامثال في القران الكريم فيما يلي :
1- يُضرب المثل للترغيب اذا لوحظ ان الممثل به او المضروب مثلا يكون فيما تستحسنه النفوس وترغب فيه القلوب ومثال ذلك ضرب الله تعالى مثلًا لحال المنفِق في سبيل الله؛ حيث يعود عليه الإنفاق بالخيرٍوالسعة والاجر والثواب .
قال الله تعالى:
(مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)
سورة البقرة:الاية \ 261
2- ويُضرب المثل ايضا لتقرير حال الممثَّل في النفس الانسانية اذ يكون الممثَّل به أوضح من الممثَّل، أو بما يكون للنفس سابقةُ أُلْفَةٍ او استيناس به كما في حال المنفِق ماله رياءً حيث لا يحصل هذا المنفق مما انفقه على شيء من الثواب وانما تكون حالة المنفق المرائي اشبه بحالة الحجر الصلد الذي فوقه تراب قليل يجرفه المطر من فوق سطحه فيخرج صلدا لا ينبت عليه زرع ولا أي شيء اخر .
قال الله تعالى :
( فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا)
سورة البقرة:الاية \ 264
3- يُضرب المثل للمدح اذ يكون في الممثَّل به حالات او صفات تستحسنها الانفس وتمدح مَن يحرز ها او مثلها مثل لحالة صحابة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عن صحابته الابرار حيث كانوا في بداية الدعوة الاسلامية قليلون وضعفاء لكنهم تكاثروا فاصبحوا قوة كبيرة .
قال الله تعالى:
( ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ)
سورة الفتح: الاية\ 29
4- يُضرب المثل للذمِّ اذا كان الممثَّل به حالة يستقبحها الناس ولا يرغبونها ويذمُّون مَنْ رضي ان تكون بنفسه مثل هذه الصفة وقد ضرب اللهُ مثلًا لحال من جاءه كتابه، فنكت يده من العمل به ونكث ان يعمل به وسدر في أهوائه ولم يستطع الصبر على التكاليف فخست نفسه وانحط في هواه فمثله مثل الكلب شديد اللهاث في حالتي الراحة او التعب .
قال الله تعالى :
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا )
سورة الأعراف: الايتان \ 175، 176
5- يُضرب المثل للتنفيروالابتعاد اذ يكون الممثَّل به مما تمقته النفس ولا تحبه وتنفر منه مثل نفورها مِن مَن أكل لحم الأخ اخيه الميت كالغيبة وكراهة من يعمل بها .
قال الله تعالى:
(وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ)
سورة الحجرات: الاية \12
6- المثل بمقام الاحتجاج اذ ياتي ما يلزم مِن تسليم الممثَّل به وإدراكِ أنّ الممثَّل مطابق له بالرجوعُ إلى االايمان بالحقّ وان الحق اهل له كما نقول ان الله تعالى هو الحق المبين وكل ما بعده لاتستحق العبادة
قال الله تعالى :
(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ)
سورة النحل: الاية \ 75
7- وياتي القران الكريم في اسلوبه الرائع مستعملًا كل الاساليب البديعة في معانيها الحقيقية والمقصود بها حالة معينة او فرض مقصود معين وبعدَ أن يفيد بها الغرض المطلوب يجَعْلها مثلًا يرمي إلى غرض اخر من الأغراض التي تُضرَب لها الأمثال .
قال الله تعالى:
(وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ)
سورةالرعد: الايتان 16و 17
والمثل لا بد أن تجتمعَ فيه أربعة امور لا تجتمعُ في غيره من الكلام لانه غاية في البلاغة وحسن السبك وهي :
1- إيجاز اللفظ
2- حسن التشبيه
3- إصابة المعنى
4- جودة الكتابة
وتنقسم الأمثال إلى قسمين:
الأول : المثل الصريح
هو المثل الظاهر والمصرح به مثل قول الله تعالى:
(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ)
سورة البقرة الاية 17
والقسم الثاني : المثل الكامن:
وهو المثل الذي يؤخذ من مكنون النص ودلالاته وهذا المثل الذي لا يذكر في النص لفظ المثل وإنما يكون حكمه حكم الأمثال
كقول الله تعالى:
(أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)
سورة التوبة الاية\ 109
إن أمثال القرآن الكريم فيها بلاغة خاصة لا يدركها إلا العارف بأسرار اللغة العربية والمتبحر بها .
المجالات التي تناولتها الأمثال القرآنية كثيرة نذكر أبرزها وأهمها وهي:
1- بينت الإيمان ومثلت له افضل تمثيل
2- كشفت الكفر وردت المشابه له
3- فضحت النفاق والمنافقين وبينت انهم في الدرك الاسفل من النار
4- صورت الخبيث والطيب وبينت لكل منهما بحقيقته
5 نادت بالخير وردت الشر وكشفته
6- ميزت الصالح عن الطالح.
وفي القرآن الكريم من صريح الأمثال اثنان وأربعون مَثلاً هي هذه التي سنشرحها باذن الله .
****************************
الكتاب السابع
الامثــال في القرآن الكريم
امير البيـــــان العربي
الدكتور فالح نصيف الحجية الكيلاني
تمهيـــــــــد
لو نظرنا الى الناس جميعا نرى ان الله تعالى جعل الناس اقساما بسبب اعمال كل منهم ودرجة تقربه الى الله تعالى وجعل المؤمنين فوقهم فالمؤمنون جعلهم مؤمنين خالصي الايمان فوصفهم افضل وصف في الايات الاربع الاولى من سورة البقرة من القران الكريم حيث قال :
( ذلك الكتاب ريب فيه هدى اللمتقين * الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون * والذين يؤمنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك وبالاخرة هم يوقنون * اولئك على هدى من ربهم وأولائك هم المفلحون *)
وضرب الله تعالى مثل المؤمن وما جعل الله في قلبه من الهدى والنور المنبعث من الايمان به ، بالمصباح في الزجاجة التي كأنها كوكب دُرّي، وهي قلب المؤمن المفطور على الإيمان واستمداده من الشريعة السمحاء الخالصة الصافية الواصلة إليه من غير كدر ولا تخليط . ايمانه نور خالص يشع سناءً وصفاءً وهدايةً .
وجعل الله تعالى المؤمنين صنفين :
الصنف الاول : المقربون . كما في سورة الواقعة :
قال الله تعالى :
(السابقون السابقون اولئك المقربون * في جنات النعيم *ثلة من الاولين* وقليل من الاخرين * على سرر موضونة * مكئين عليها متقابلين * يطوف عليهم ولدان مخلدون * بأكواب واباريق وكأس من معين * لا يصدعون عنها ولا ينزفون * وفاكهة مما يتخيرون * ولحم طير مما يشتهون * وحور عين * كأمثال اللؤلؤ المكنون * جزاءا بما كانوا يعملون * لا يسمعون فيها لغوا ولا تاثيما * الا قيلا سلاما سلاما *)
سورة الواقعة الايات \10-26
وكذلك وصفهم ب( الابرار ) في سورة الانسان
قال الله تعالى :
( ان الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا * عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا * يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا * ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما واسيرا * انما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءا ولا شكورا * انا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا * فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا *وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا * متكئين فيها على الارائك لا يرون شمسا ولا زمهريرا * ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا * ويطاف عليهم بآنية من فضة واكواب كانت قواريرا * قوارير من فضة قدروها تقديرا* ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا * عينا فيها تسمى سلسبيلا * ويطوف عليهم ولدان مخلدون اذا رايتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا* واذا رايت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا* عاليهم ثياب سندس خضر واستبرق وحلّوا اساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا *)
سورة الانسان الايات \5- 21
ووصف الله تعالى القسم الاخرمن المؤمنين في سورة الواقعة بانهم : اصحاب الميمنة او اصحاب اليمين :
قال الله تعالى :
(واصحاب اليمين ما اصحاب اليمين * في سدر مخضود* وطلح منضود* وظل ممدود* وماء مسكوب * وفاكهة كثيرة * لا مقطوعة ولا ممنوعة * وفرش مرفوعة * انا انشأناهن انشاءً * فجعلناهن ابكارا * عربا اترابا * لاصحاب اليمين *)
سورة الواقعة الايات \27- 38
راجع كتابي ( يوم القيامة في القران الكريم ) الصفحات495-506
ووصفهم الله تعالى في سورة المطففين :
قال الله تعالى :
( ان الابرار لفي نعيم * على الارائك ينظرون * تعرف في وجوههم نضرة النعيم * يسقون من رحيق مختوم * ختامه مسك وفي لك فليتنافس المنتافسون * مزاجه من تسنيم * عينا يشرب بها المقربون *)
سورة المطففين الايات \22-28
وجعل القسم الاخر من البشر كافرين ثابتين على الكفر وقد وصفهم في الايتين بعدها في سورة البقرة ايضا :
( ان الذين كفروا سواءا انذرتهم ام لم تنذرهم لا يؤمنون * ختم الله على قلوبهم وعلى , وعلى ابصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم *)
والكفار جعلهم قسمين ايضا :
الكفار الثابتين على الكفر وهم المجرمون
قال الله تعالى:
( ان المجرمين في ضلال وسعر * يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر * )
سورة القمر الايتان \ 47و48
حيث ضرب الله تعالى مثلا - الكفار، الذين يعتقدون أنهم على شيء، وليسوا هم على شيء في قوله تعالى :
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا)
سورة النور : الآية\39
فهم اصحاب الجهل المركّب وهم دعاة الكفر والضلال الشديد
وقال الله تعالى فيهم ايضا في أول سورة الحج:
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ )
سورة الحج الاية \3
ثم ضرب مثل الكفار الجُهَّال الجَهْلَ البسيط، وهم الذين قال الله فيهم:
(أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ)
سورة النور: الاية \ 40
ووصفهم الله تعالى في سورة الحج :
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ) سورة الحج الاية \8
ثم وصف المنافقين بعدهم بهذه الايات المباركة من سورة البقرة ايضا :
قال الله تعالى :
( ومن الناس من يقول امنا بالله وباليوم الاخر وما هم بمؤمنين * يخادعون الله والذين امنوا وما يخدعون الا انفسهم وما يشعرون * في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب اليم بما كانوا يكذبون * واذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض قالوا انما نحن مصلحون * الا انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون * واذا قيل لهم آمنوا كما امن الناس قالوا أنؤمن كما امن السفهاء الا انهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون * واذا لقوا الذين امنوا قالوا امنا واذا خلوا الى شياطينهم قالوا إنا معكم انما نحن مستهزؤون* الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون * اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين *
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ* صم بكم عمي فهم لا يرجعون* أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يجعلون اصابعهم في اذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين * يكاد البرق يخطف ابصارهم كلما اضاء لهم مشوا فيه واذا اظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وابصارهم ان الله على كل شيء قدير * )
لذا نرى في المنافقين قسمين :
الاول منافقو ن خلصاء وهم الذين مردوا على النفاق وضرب الله تعالى فيهم المثل الناري :
(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ *)
سورة البقرة الاية 17
وقال الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم:
( ثلاث من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يَدَعها: من إذا حَدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان).
والقسم الثاني: منافقون يترددون في نفاقهم تارة يظهر لهم لُمَعٌ من الإيمان وتارة يخبو وهم أصحاب المثل المائي الاتي. وهم أخف حالًا من الذين قبلهم:
قال الله تعالى :
( أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يجعلون اصابعهم في اذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين * يكاد البرق يخطف ابصارهم كلما اضاء لهم مشوا فيه واذا اظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وابصارهم ان الله على كل شيء قدير * ).
سورة البقرة الايتان\ 19و20
و قال رسول الله الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم مقسما قلوب العباد جميعا :
(القلوب أربعة: قلب أجرد، فيه مثل السراج يُزْهر، وقلب أغلف مربوط على غلافه، وقلب منكوس، وقلب مُصَفَّح، فأما القلب الأجرد فقلب المؤمن، سراجه فيه نوره، وأما القلب الأغلف فقلب الكافر، وأما القلب المنكوس فقلب المنافق الخالص، عرف ثم أنكر، وأما القلب المصفح فقلب فيه إيمان ونفاق، ومَثَل الإيمان فيه كمثل البقلة، يمدها الماء الطيب، ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يَمُدّها القيح والدم، فأي المدّتين غلبت على الأخرى غلبت عليه)
**********************************
الامثــــــــا ل في القرآن الكريـــم
بســــــــم الله الرحمن الرحيم
(وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ)
سورة العنكبوت: الاية \43
المثل لغة : تعريف الأمثال
لغة: المثل مأخوذ من قول هذا مثل الشيء ومِثله او شَبهه، وشِبهه، لأن أصل المثل هو التشبيه. وقد نجد الكثير من الامثال العربية التي تدل على عقليتهم حيث أن المثل يوافق المزاج العقلي . والمثل قد لا يستدعي بقائله الإحاطة بالعلم أو بشؤون الحياة.
وقد نعرف المثل فنقول هو جملة قيلت في مناسبة معينة اوحالة خاصة ، ثم صارت لما فيها من حكمة او فائدة مثلا يتكرر ذكرها في كل مناسبة مشابهة لها .
وجملة المثل تشتمل على الإيجاز وحسن التشبيه و إصابة المعني و حسن الكناية . وأنّ لفظ المثل له عدة معان مختلفة، كالنظير والصفة والعبرة .
والمِثْل ـ بالكسر والتحريك ـ الشبه، والجمع أمثال؛ والمَثَلُ -محرّكة ـ الحجة، والصفة المِثْل والمثَل يدلاّن على معنى واحد وهو كون شيء نظيراً للشيء. والتمثيل يبرز المعاني في صورة حية تستقر في الأذهان بتشبيه المعقول بالمحسوس وقياس النظير على النظير والمثل يجمع امثال والمثال: المقدار والقصاص وإلى غير ذلك من المعانى .
وقد يجمع المثل الى مثلات للتقليل .
قال الله تعالى:
(وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلات )
وتعني العقوبات التي تزجر عن مثل ما وقعت لاَجله، وواحدها:مُثُل.
وأن للمَثل معنى في أصل اللغة هو: الشبيه والـمِثْل، والمعنى هو: القول السائر وهو: المجاز المركَّب الذي تكون علاقته المشابهة، ويفشو استعماله.
والمَثَلَ اصطلاحا: هو قسم من الحكم ياتي في واقعة لمناسبة اقتضت وروده فيها والامثال قد يكثر يتداولها بين الناس غير واحد من الوقائع التي تشابهها دون أدنى تغيير لما فيه من ايجاز وغرابة ودقة في التصوير.
والمثل او الكلمة الحكيمة تاتي مثل سائر منتشر بين الناس ودارج على ألسنتهم وقد يكون كلمة حكيمة لها قيمتها الخاصة وإن لم تكن سائرة.
وربما يقال : مثل سائر أي متداول بين الناس فالوصف قيد توضيحي لا احترازي، لاَنّ الانتشار والتداول داخل في مفهوم المثل . فالشيوع والانتشار وكثرة الدوران على الألسن هو الفارق بين الحكمة والمثل، فالقول الصائب الصادر عن تجربة يسمّى حكمة إذا لم يتداول،ويقال له مثلاً إذا كثر استعماله وشاع أداوَه في المناسبات المختلفة.
ولعل في ضرب المثل فوائد كثيرة اختلفت وتشعبت وفق ما يضرب به المثل والمراد فيه ولعلنا نجد ذلك فيما ضرب الله تعالى من الامثال في القران الكريم فيما يلي :
1- يُضرب المثل للترغيب اذا لوحظ ان الممثل به او المضروب مثلا يكون فيما تستحسنه النفوس وترغب فيه القلوب ومثال ذلك ضرب الله تعالى مثلًا لحال المنفِق في سبيل الله؛ حيث يعود عليه الإنفاق بالخيرٍوالسعة والاجر والثواب .
قال الله تعالى:
(مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)
سورة البقرة:الاية \ 261
2- ويُضرب المثل ايضا لتقرير حال الممثَّل في النفس الانسانية اذ يكون الممثَّل به أوضح من الممثَّل، أو بما يكون للنفس سابقةُ أُلْفَةٍ او استيناس به كما في حال المنفِق ماله رياءً حيث لا يحصل هذا المنفق مما انفقه على شيء من الثواب وانما تكون حالة المنفق المرائي اشبه بحالة الحجر الصلد الذي فوقه تراب قليل يجرفه المطر من فوق سطحه فيخرج صلدا لا ينبت عليه زرع ولا أي شيء اخر .
قال الله تعالى :
( فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا)
سورة البقرة:الاية \ 264
3- يُضرب المثل للمدح اذ يكون في الممثَّل به حالات او صفات تستحسنها الانفس وتمدح مَن يحرز ها او مثلها مثل لحالة صحابة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عن صحابته الابرار حيث كانوا في بداية الدعوة الاسلامية قليلون وضعفاء لكنهم تكاثروا فاصبحوا قوة كبيرة .
قال الله تعالى:
( ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ)
سورة الفتح: الاية\ 29
4- يُضرب المثل للذمِّ اذا كان الممثَّل به حالة يستقبحها الناس ولا يرغبونها ويذمُّون مَنْ رضي ان تكون بنفسه مثل هذه الصفة وقد ضرب اللهُ مثلًا لحال من جاءه كتابه، فنكت يده من العمل به ونكث ان يعمل به وسدر في أهوائه ولم يستطع الصبر على التكاليف فخست نفسه وانحط في هواه فمثله مثل الكلب شديد اللهاث في حالتي الراحة او التعب .
قال الله تعالى :
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا )
سورة الأعراف: الايتان \ 175، 176
5- يُضرب المثل للتنفيروالابتعاد اذ يكون الممثَّل به مما تمقته النفس ولا تحبه وتنفر منه مثل نفورها مِن مَن أكل لحم الأخ اخيه الميت كالغيبة وكراهة من يعمل بها .
قال الله تعالى:
(وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ)
سورة الحجرات: الاية \12
6- المثل بمقام الاحتجاج اذ ياتي ما يلزم مِن تسليم الممثَّل به وإدراكِ أنّ الممثَّل مطابق له بالرجوعُ إلى االايمان بالحقّ وان الحق اهل له كما نقول ان الله تعالى هو الحق المبين وكل ما بعده لاتستحق العبادة
قال الله تعالى :
(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ)
سورة النحل: الاية \ 75
7- وياتي القران الكريم في اسلوبه الرائع مستعملًا كل الاساليب البديعة في معانيها الحقيقية والمقصود بها حالة معينة او فرض مقصود معين وبعدَ أن يفيد بها الغرض المطلوب يجَعْلها مثلًا يرمي إلى غرض اخر من الأغراض التي تُضرَب لها الأمثال .
قال الله تعالى:
(وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ)
سورةالرعد: الايتان 16و 17
والمثل لا بد أن تجتمعَ فيه أربعة امور لا تجتمعُ في غيره من الكلام لانه غاية في البلاغة وحسن السبك وهي :
1- إيجاز اللفظ
2- حسن التشبيه
3- إصابة المعنى
4- جودة الكتابة
وتنقسم الأمثال إلى قسمين:
الأول : المثل الصريح
هو المثل الظاهر والمصرح به مثل قول الله تعالى:
(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ)
سورة البقرة الاية 17
والقسم الثاني : المثل الكامن:
وهو المثل الذي يؤخذ من مكنون النص ودلالاته وهذا المثل الذي لا يذكر في النص لفظ المثل وإنما يكون حكمه حكم الأمثال
كقول الله تعالى:
(أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)
سورة التوبة الاية\ 109
إن أمثال القرآن الكريم فيها بلاغة خاصة لا يدركها إلا العارف بأسرار اللغة العربية والمتبحر بها .
المجالات التي تناولتها الأمثال القرآنية كثيرة نذكر أبرزها وأهمها وهي:
1- بينت الإيمان ومثلت له افضل تمثيل
2- كشفت الكفر وردت المشابه له
3- فضحت النفاق والمنافقين وبينت انهم في الدرك الاسفل من النار
4- صورت الخبيث والطيب وبينت لكل منهما بحقيقته
5 نادت بالخير وردت الشر وكشفته
6- ميزت الصالح عن الطالح.
وفي القرآن الكريم من صريح الأمثال اثنان وأربعون مَثلاً هي هذه التي سنشرحها باذن الله .
****************************