6
مواطن جمال المرأة في الشعر الجاهلي
لقد احب العرب في المرأة بعض الصفات التي توجد فيها ومن خلال ما ذكر من غزل في الشعر الجاهلي لذا يمكننا أن نستخلص أوصاف المرأة في هذا العصر التي أحبّها الشعراء وتغنوا فيها بشعرهم وهي كما يلي :
لقد أحبّ شعراء الجاهلية في المرأة ما يلي :
1-الشعر الطويل : فقد احب العرب المرأة التي تمتاز بطول شعرها فشعر المرأة الجاهليّة التي أحبّه الشعراء فهو الشعر الأسود الفاحم او الحالك كالليل الظلم ، على أن يكون طويلاً وكلما كان طويلا كان اجمل - ولا زلنا كذلك حتى يومنا هذا نحب الشعر الطويل لانه يزيد كما اراه في جمالها - فطول شعر المرأة وشدّة اسوداده او ميله للسواد من عناصر الجمال في المرأة الجاهليّة:
واليك الامثلة :
.يقول أمرؤ القيس
غذائرها مستشذرات إلى العلى
تضّل العقاص في مثنى ومرسل
الغديرة: الخصلة من الشعر او هي الجديلة
مستشزرة : مفتولة أي ملفوفة على بعضها
- العقصة( بالكسر): العقدة في الشعر
- المثنّى: الشعر المطوي بعضه على بعض
- المرسل: الشعر المنسدل او الشعر السرح
و قال ايضا :
وفرع يزيّن المتن أسود فاحما
. أثيث كفتؤ النخلة المتعثكل
(الفرع: الشعر-
- المتن: اعلى الظهر
- أثيث: كثيف
- القنو: العذق الجاف الذي جرّد من تمره
- المتعثكل: الذي يبرز منه أشياء كأنّها تتحرّك في الهواء ويمثلها بعثق النخلة
ومن خلال تتبعي للشعر الجاهلي لاحظت أنّ العرب لم يميلوا إلى الشعر الناعم المستقيم او السرح ، بل إلى السبط المتموّج. وربّما كانت المرأة العربية ترسل بعض الغدائر في مقدّمة رأسها لكي يظهر شعرها متوجا متموجا وفقا للفة الغديرة الواحدة ومن الطبيعي ان الغدائر اذا فلّت او انحل ظفرها يظهر الشعر المفلول متعوجا وفقا لتعرجات الظفيرة المرأة عندما تفتح او تفلّ شعر جدائلها يبدوا متموجا كنسمات مرت على جدول ماء فحركته جميلة هي ويزيد من جمالها اذا كان هذا التعرج او الالتواآت ظهر عليها ضوء الشمس او أي ضوء قوي فانه يعكس اشعاعات وتموجات ضوئية في هذا الشعر تزيده جمالا وتحببا الى النفوس وربما أخرجت المرأة من مقدمة ناصيتها بعض غدائرها
وفي ذلك يقول الشاعر سويد بن أبي كاهل اليشكريّ :
(....... وقروناً سابقاً أطرافها)
.
وقد استحسن امرؤ القيس كثافة هذه القرون حتّى شبّه بها شعر فرسه حيث قال:
لها غدر كقرون النساء
والغدر او الغدائر أي الضفائر مفردها غديرة او ظفيرة
وقرون النساء \ ظفائرها او غدائرها
2 - طول القامة مع بدانة في الجسم : أي قامتها طويلة وتسمى الفارعة مكتنزة الجسم في مواصفات جميلة مشوبة بالسمنة غير الثقيلة ثقيلة الارداف والعجز نحيلة الخصر:
ومن امثلتها يقول الشاعر عمروا بن كلثوم:
في معلق سمنت وطالت
ردافها تنوء بما ولينا
أي سمينة طويلة الارداف ثقيلتها
وقول الشاعر المراد بن منقذ العدوي :
قطف المشي قريبات الخطى
بدّنا مثل الغمام المزمخر
القطوف : البطيء أو البطيئة في السير أي تمشي على مهلها دلالا وتغنجا خطواتها قريبة من الاخرى
- البادنة : السمينة ذات اللحم المكتنز الملفوف وليست المترهلة
المزمخر: الكثير الصوت مثل الرعد ويكون عادة كثيفا ثقيلا بطيئا
3- سعة العيون وحورها :
ومن العيون في الشعرالجاهلي فقد احب الشعراء العرب العيوم الواسعة التي فيها او في طرفها حور وقد شبهوا عيون المراة بعيون البقر الوحشي لسعة عيونها حيث تمتاز البقرة الوحشية ( المها ) بسعة العيون وشدة سوادها ونصاعة بياضها والحور هو شدة سواد الحدقة مع شدة بياض العين ومن امثلتها :
يقول امرؤ القيس :
تصد وتبدي عن أسيل وتتقي
بناظرة من وحش وجرة مُطْفِلِ
تصدّ: تنفر، تدير وجهها فيبدو خدّها أسيلا
وتتّقي: تحذر
والوحش: أي البقر الوحشي
- وجرة: اسم مكان
مطفل: لها طفل إذا كانت الظبية مطفلا كانت أشدّ شراسة في دفع الذين يقتربون من اولادها.
4-أمّا الوجه : فقد احب الشعراء العرب في الجاهليّة الوجه الصافي النقيّ فيه بياض تشوبه سمرة قليلة او ابيض مائل الى السمرة أي صفاء ونقاء وبياض في سمار ، وقيل ايضا في وصفها - أدماء- والأدمة تعني السمرة، والأديم هو ظاهر الارض ومن امثلتها : .
قال زهير بن ابي سلمى :
فأمّا ما فويق العقد منها
فمن أدماء مرتعها الكلاء
وأمّا المقلتان فمن مهاة .
وللدرّ الملاحة والصفاء
المها: البقر الوحشي
الدرّ: اللؤلؤ
الملاحة : حسن الوجه
والصفاء : الخالي من أي اثر أي الناعم
وقال الأعشى:
ظبية من ظباء وجرة ادماء ..
تسف الكباث تحت الهدال
وجرة: اسم مكان
- أدماء: سمراء
- سفّ الدواء: تناوله
- الكباث: ثمر شجر الأرك
- الهدال: نبات طفيلي يتعلق بالأشجار
أن العرب أحبّوا اللون الابيض الذي يخالط بياضه شيء من الصفرة فيخرج لون كلون القمر أو الدرّ يسمونه (أزهر) .
وقد مدح امرؤ القيس هذا اللون في معلقته في قوله :
كبكر المقاناة البياض بصفرة
غذاها نمير الماء غير المحلّل
البكر: الفذّ الذي لم يسبق بمثله وتعني البنت الباكرة التي لم تتزوج ولم يقربها رجل
- المقاناة: الخلط
- النمير: الماء الصافي
- المحلل: الماء الذي ينزل بقربه أقوام كثيرون فيصبح عكرا
وفي الوجه ايضا احب الشعراء العرب ايضا ذات الخد الاسيل أي الطويل الاملس الناعم الخالي من الشعر او الزغب .
5 - أمّا الثغر وهو الفم و مقدمة الاسنان في الفم فيصف أمرؤ القيس الثغر فيقول:
:
بثغر كمثل الاقحوان منورّ
نقي الثنايا أشنب غير أثعل
الاقحوان: نبات بريّ بتلاته بيض تشبه الأسنان وقلبه أصفر
- منوّر :مزهر
- أشنب: أبيض
- أثعل: متراكب بعضه فوق بعض
ومن هنا نجد أنّ الشعراء العرب الأسنان البضاء التي تكون ذات لون نقيّ برّاق منوّر .
أمّا اللثة فالجميل فيها أنّها شديدة الحمرة كالرمل الخالص ولا يستحسن أن تكون متضخّمة قليلا ومن امثلتها قول طرفة بن العبد:
وتبسم عن ألمى كأنّ منوّرا
تخلّل حرّ الرمل دعص له ندي
ألمى : فم ذو شفتين سمراوين
تخلل حر الرمل : أسنانها نابتة في لثة حمراء صافية
الدعص : الجانب المكور من الرمل
أمّا الشفاه فقد وصفت باللعس (الميل إلى السمرة) وسميت - لمياء- كونها يخالطها سمار خفيف .
6 - اما جمال اليدين والارجل فقد اختلف الشعراء في جمال اليد وبما أنّ الوشم كان الصفة المتبعة أنذاك فقد وجد بعض الشعراء أنّ اليد الخالية من الوشم هي الاجمل . ومن املتها يقول الشاعر
عبيد بن الابرص:
وإنّها كمهاة الجوّ ناعمة
تدني النصيف بكفّ غير موشوم
المها: بقرة الوحش
النصيف:الغطاء
اما الارجل فقد احب العرب الارجل الطويلة والسيقان الجميلة والافخاذ المليانة المكتنزة المدورة الملساء الخالية من الشعر او الزغب
7 - اما النحر او العنق فقد فضل الشعراء ذات العنق الطويلة ومثلوها بالناقة لذا ينطبق عليها ما ينطبق على الوجه من حيث اللون . أمّأ من حيث الطول فكان يفضل أن تكون العنق طويلة بيضاء اللون وهي حتما تكون بيضاء لانها مستورة بالحجاب وغير معرضة .
المها: بقرة الوحش
النصيف:الغطاء
فهذه هي الصفات التي وجدت في شعر الغزل عند الجاهليين والتي أحبّها الرجل في المرأة في ذلك العصر . وبالعودة إلى الصفات المذكورة سابقا والتي أعلن الشاعر الجاهليّ أنّه يحبها في المرأة تتمثل هذه الامور فيها وعنوان جمالها فإنهاصفات ولا تزال محبوبة حتّى يومنا هذا، مع اختلاف فيما يتعلّق بضخامة
المرأة وحسب الامزجة والاهواء النفسية .
************************