الشاعرسميح القاسم
بقلم د فالح الكيلاني
سميح القاسم من قرية ( الرامة ) في (فلسطين)
وروى بعض شيوخ عائلته أنَّ جدَّ عائلتهم الأول( خير محمد الحسين) كانَ فارساً مِن أسياد القرامطة قَدِمَ مِن شِبه الجزيرة العربية لمقاتلة الروم واستقرَّ به المطاف على سفح (جبل حيدر ) في فلسطين على مشارف موقع كانَ مستوطنة للروم. وما زالَ الموقع الذي نزل فيه معروفاً حتى يومنا هذا باسم (خلَّة خير)على السفح الجنوبي من ( جبل حيدر) وكان (ال حسين )معروفين بميلهم الشديد آلى الثقافة
ولد سميح القاسم سنة \1939 بقرية ( الرامة ) من (فلسطين ) وقيل أن والد سميح القاسم كان ضابطاً في قوّة حدود (شرق الأردن)، وفي إحدى رحلات العودة إلى فلسطين في القطار خلال الحرب العالمية الثانية ونظام التعتيم، بكى الطفل (سميح ) فذُعر الركَّاب وخافوا أن تهتدي إليهم الطائرات الألمانية. وبلغَ بهم حد الذعر درجة التهديد بقتل الطفل فاضطر والد ه إلى إشهار السلاح في وجوههم لردعهم، وحين رُوِيَت الحكاية لسميح القاسم بعد ان كبر ، قال: ( حسناً... لقد حاولوا إخراسي منذ الطفولة سأريهم سأتكلّم متى أشاء وفي أيّ وقت وبأعلى صَوت، ولن يقوى أحد على إسكاتي) .
وتعلّم في مدارس (الرامة ) ومدارس ( الناصرة ). حتى اكمل دراسته ثم عين مدرسا ، ثم انصرف لمزاولة النشاط السياسي في (الحزب الشيوعي) ثم اعلن الخروج من الحزب ليتفرغ لعمله الأدبي. يقول في احدى قصائده :
هنا.. في قرارتنا الجائعهْ
هنا.. حفرت كهفها الفاجعهْ
هنا.. في معالمنا الدارساتِ
هنا.. في محاجرنا الدامعهْ
نَبوخَذُ نصّرُ و الفاتحون
و أشلاء رايتنا الضائعهْ
فباسمكَ يا نسلَنا المرتجى
و باسمكِ يا زوجنا الضارعه
نردُّ الزمان إلى رشده
و نبصق في كأسه السابعه
و نرفع في الأفق فجر الدماء
و نلهمه شمسنا الطالعه
يعد سميح القاسم أحد أهم وأشهر الشعراء العرب والفلسطينين المعاصرين حيثر ارتبط اسمه بشعر الثورة والمقاومة من داخل أراضي فلسطين عام 1948. ويتناول في شعره الكفاح ومعاناة الفلسطينيين، وما أن بلغ الثلاثين حتى كان نشر ست مجموعات شعرية حازت على شهرة واسعة في العالم العربي.
وسُجن القاسم أكثر من مرة، كما وُضِعَ رهن الإقامة الجبرية والإعتقال المنزلي وطُرِدَ مِن عمله مرَّات عدّة بسبب نشاطه الشِّعري والسياسي وواجَهَ أكثر مِن تهديد بالقتل، داخل وطنه
( فلسطين ) وخارجه. يقول:
و بكينا.. يوم غنّى الآخرون
و لجأنا للسماء
يوم أزرى بالسماء الآخرون
و لأنّا ضعفاء
و لأنّا غرباء
نحن نبكي و نصلي
يوم يلهو و يغنّي الآخرون
* * *
و حملنا.. جرحنا الدامي حملنا
و إلى أفق وراء الغيب يدعونا.. رحلنا
شرذماتٍ.. من يتامى
و طوينا في ضياعٍ قاتم..عاماً فعاما
و بقينا غرباء
و بكينا يوم غنى الآخرون
* * *
سنوات التيهِ في سيناءَ كانت أربعين
ثم عاد الآخرون
و رحلنا.. يوم عاد الآخرون
فإلى أين؟.. و حتامَ سنبقى تائهين
و سنبقى غرباء ؟!
وكان سميح القاسم من مؤسسي صحيفة (كل العرب) ورئيس تحريرها الفخري، إلى جانب إسهامه في تحرير صحيفتي (الغد) و(الاتحاد) ثم شغل رَئِسَ تحرير جريدة (هذا العالم) عام 1966. ثم عاد وعمل مُحرراً أدبياً في (الاتحاد) وأمين عام تحريرصحيفة (الجديد) ثمَّ رئيس تحريرها. و قد أسَّسَ منشورات (عربسك) في مدينة (حيفا )، مع الكاتب ( عصام خوري ) سنة \ 1973، ثم تسلم ادارة (المؤسسة الشعبية للفنون) في( حيفا ). ثم اصبح رئسا للإتحاد العام للكتاب العرب الفلسطينيين منذ تأسيسهما. يقول في قصيدته ( اطفال سنة 48 ):
كَوَمٌ من السمك المقدّد في الأزقة . في الزوايا
تلهو بما ترك التتار الانكليز من البقايا
أُنبوبةٌ.. و حطام طائرةٍ.. و ناقلةٌ هشيمه
و مدافع محروقة.. و ثياب جنديٍّ قديمه
و قنابل مشلولة.. و قنابل صارت شظايا
* * *
((يا اخوتي السمر العراة.. و يا روايتيَ الأليمه
غنّوا طويلاً و ارقصوا بين الكوارث و الخطايا ))
لم يقرأوا عن (( دنُ كشوت )) و عن خرافات القتال
و يجنّدون كتائباً تُفني كتائب في الخيال
فرسانها في الجوع تزحف.. و العصيُّ لها بنادق
و تشدّ للجبناء، في أغصان ليمونٍ، مشانق
و الشاربون من الدماء لهم وسامات الرجال
* * *
يا اخوتي !
آباؤنا لم يغرسوا غير الأساطير السقيمه
و اليتم.. و الرؤيا العقيمه
فلنجنِ من غرسِ الجهالة و الخيانة و الجريمه
فلنجنِ من خبز التمزّقِ.. نكبة الجوع العضال
* * *
يا اخوتي السمر الجياع الحالمين ببعض رايه
يا اخوتي المتشرّدين و يا قصيدتيَ الشقيّه
ما زال عند الطيّبين، من الرثاء لنا بقيّه
ما زال في تاريخنا سطر.. لخاتمة الروايه
توفي الشاعر الفلسطيني سميح القاسم، بعد صراع مع المرض الذي اصيب به ( سرطان الكبد ) لمدة ثلاث سنوات أدى إلى تدهور حالته الصحية في الأيام الأخيرة وانتصر عليه المرض اخيرا فوافته المنية يوم الثلاثاء الموافق التاسع عشر من شهرآب ( اغسطس ) 2014 .
صَدَرَ له أكثر من 70 كتاباً في الشعر والقصة والمسرح والمقالة والترجمة، وصدَرتْ أعماله الناجزة في سبعة مجلّدات عن دور نشر عديدة في القدس وبيروت والقاهرة. كما تُرجِمَ عددٌ كبير من قصائده إلى الإنجليزية والفرنسية والتركية والروسية والألمانية واليابانية والإسبانية واليونانية والإيطالية والتشيكية والفيتنامية والفارسية والعبرية واللغات الأخرى.
سميح القاسم حف بهالة من الالقاب والمسميات الكثيرة بحيث كان الشاعر الوحيد الذي تظهر في أعماله ملامح ما بعد الحداثة في الشِّعر العربي فكان ( قيثارة فلسطين ) و( متنبي فلسطين ) و(شاعر العرب الاكبر ) و( الشاعر المبدع ) و( مغني الربابة وشاعرالشمس ) و( شاعر المقاومة الفلسطينية ) و(شاعرالقومية العربية ) و( الشاعر العملاق ) وكثير غيرها فهو بحق الرجل المتفوّق في قوة مخيلته والتي يصعب أن نجد مثلها لدى شعراء آخرين ويمتلك هذه العمارة وهذه القوة التي تسمح له بأن يكون البطل الدائم في عالمه الشعري فهو بحق الشاعرالمبدع والشاعرالعملاق الشاعر الذي أعطى الشعر صفوة الروح والعمر، فانتصبت القصيدة شجرة عطاء لا ينضب. الشاعر الإنسان، أنه لا يبرح الشباب وعنفوان الإنسان الممتلئ بالحيوية والمرح والأمل، فكان بحق شاعر المقاومة ورئة الكلمة الصامدة يقول في احدى قصائده :
طعام الشهيد يكفي شهيدين
يا أمنا الريح .. يا هاجر المتعبه
أعدي الطعام القليل لأبنائك العائدين
على عربات المنافي
خذي كفني شرشفاً للأواني العتيقة
قومي افرشي للضيوف الأحبة كوفيتي..
إنهم متعبون جياع
أعدي لهم وجبة من بقول الخراب
أعدي كؤوس العذاب
وإبريق أحزانك المرعبه
سيجمعنا الخبز والملح عما قريب
وتجمع أشلاءنا لقمة العودة الطيبه
واختم بحثي بهذه القصيدة الجميلة ( صوت الجنة الضائع ) :
صوتها كان عجيباً
كان مسحوراً قوياً.. و غنياً..
كان قداساً شجيّاً
نغماً و انساب في أعماقنا
فاستفاقت جذوة من حزننا الخامد
من أشواقنا
و كما أقبل فجأة
صوتها العذب، تلاشى، و تلاشى..
مسلّماً للريح دفئَه
تاركاً فينا حنيناً و ارتعاشا
صوتها.. طفل أتى أسرتنا حلواً حبيباً
و مضى سراً غريبا
صوتها.. ما كان لحناً و غناءاً
كان شمساً و سهوباً ممرعه
كان ليلا و نجوما
و رياحاً و طيوراً و غيوما
صوتها.. كان فصولاً أربعه
لم يكن لحناً جميلاً و غناءا
كان دنياً و سماءا
* * *
و استفقنا ذات فجر
و انتظرنا الطائر المحبوب و اللحن الرخيما
و ترقّبنا طويلا دون جدوى
طائر الفردوس قد مدّ إلى الغيب جناحا
و النشيد الساحر المسحور.. راحا..
صار لوعه
صار ذكرى.. صار نجوى
و صداه حسرةً حرّى.. و دمعه
***نحن من بعدك شوق ليس يهدا
و عيونٌ سُهّدٌ ترنو و تندى
و نداءٌ حرق الأفقَ ابتهالاتِ و وجْدا
عُدْ لنا يا طيرنا المحبوب فالآفاق غضبى مدلهمّه
عد لنا سكراً و سلوانا و رحمه
عد لنا وجهاً و صوتا
لا تقل: آتي غداً
إنا غداً.. أشباح موتى !!
امير البيان العربي
د فالح نصيف الكيلاني
العراق- ديالى - بلدروز
********************************