الشاعر فؤاد بليبل
هو فؤاد بن عبد الله بن بشارة بن بليبل
وُلد فؤاد بليبل عام\ 1911 في قرية من قرى محافظة البحيرة من اعمال مصر تسمى ( كوم حمادة )
فؤاد من عائلة لبنانية نزحت الى مصر في نهاية القرن التاسع عشر وقيل انها نزحت قبل اكثر من (50) عاما قبل ولادته الا ان هذه العائلة عادت الى لبنان في عام 1921 وسكنت بيروت وكان عمرالشاعر عشر سنوات فالتحق بمدرسة الاباء اليوسوعيين في بيروت عام\ 1922 وبقي فيها حتى عام 1929 ثم التحق بمدرسة ( الفرير ) ب(بكفيا ) وهنا تفجرت ينابيع الشعر عنده فهو ذو موهبة شعرية منذ طفولته وبدأ ينظم الشعر وينشره في المجلات والصحف في بيروت .
عاد فؤاد الى مصر مرة اخرى عام \ 1932 حيث عين مدرِّسا للغة العربية ومترجما في ( سان مارك للفرير) بشاطئ الاسكندرية ثم ترك عمله في الاسكندية وسافر ال ى القاهرة فعمل في جريدة (الأهرام ) وكانت الاهرام من كبرى الصحف المصرية حيث اتصل بالكثيرين من أدباء وكتاب القاهرة المشهورين و واتيح له نشر قصائده في كبريات الصحف والمجلات المصرية
خطفته يد المنون فتوفي وهو في شرخ شبابه في 22 آذار عام \1941 وهو في التاسعة والعشرين من عمره ودفن في مقبرة مصرالقديمة .
وكان الشاعر أحسَّ بدنوّ أجله فقد كتب قصيدة بعنوان (أنـــا...) يقول فيها:
أنـا مَن أنـا؟ يا للتـّعـــــا
ســَة ِ! مَن أنــا؟؟ شــبَحُ الشــّقـــاءْ
بل زهـــرة ٌ فـَـــوّاحــة ٌ
عصـَفــتْ بهــا أيـــدي القضـــــــاءْ
عند َ الصباح ِ تـَفـَتـَّحَـتْ
وذوَتْ ولــم يــــــأت ِ المَســـــــــاءْ
وطغى الفـَناءُ على الشـّبا
ب ِ فغالــَـهُ قبـْـــــــــلَ الفنــــــــــاءْ
لم يكن فؤاد بليبل اول شاعر يتوفى في مقتبل العمر فقد نكب الشعرالعربي على مر الدهور باختطاف يد المنون لعدد من شعراء العربية وهم في شرخ الصبا وعز الشباب منذ عصرالجاهلية ابتداءا بالشاعر طرفة بن العبد وابي فراس الحمداني وابي القاسم الشابي وغيرهم كثير والذين يمثلون خسار ة كبيرة للادب والشعر العربي فيما لو بقوا احياءا وطال بهم العمر. لكن الاعمار بيد الله تعالى والقدر يختطف من ياتي اجله .
فؤاد بليبل الشاعر اللبناني المصري لم يصدر ديوانا في حياته وكان لا يعنى باعماله الادبية وانما جمع قصائده بعد وفاته اقاربه وقد لا قوا صعوبات جمة في جمعها من الصحف اليومية والمجلات الادبية فاضافوها لما وجدوه من مسودات لقصائده مكتوبة بخط يده فجمعوها واصدروا ديوانه ( اغاريد ربيع ) وكان لي الشرف ان اقتنيته في ثمانينات القرن الماضي .
فؤاد بليبل شاعر مجيد يتمتع بشاعرية فـذة متفجِّرة قلما توصل إليها الشعراء وهم في مثل عمره . يمتاز بلغة طيعة بليغة وخيال واسع فسيح و يمتلك نفسًا شعريًا طويلاً، التزم عمود الشعري في بناء قصائده وأضفى عليها طابعًا تجديديا سرديًا وشيئًا من الحوار الجاد وبتفصيل يقربه إلى الأسلوب الواقعي .
كان من المجدِّدين وخاصة ان اتخذ من وصف الاحداث التي شهدها والناس الذين اتصل بهم وعن طريق تعبيره عن شعوره الصادق وعما يعتمل في نفسه ويحس به بحيث يُحدث انقلابا في الامور الطبيعية وأن يُخرج الأسماءَ عن معانيها ومسمّياتها عن طبائعها ليقولَ ما يفهمُـه ، وهو مذهب جديد مستحدث بجانب الاساليب الشعرية التقليدية .
يقول الشاعر بليبل عن شعره فيجيد:
حرّرتُ ربقتــَـــهُ من كل شائبـة ٍ
فمــا فـُتِــنـْـتُ بمعنىً غيــــر مُبتكــَــــــــر ِ
ولا دعَوْتُ إلى التجديد مُعتصِمـا ٍ
منـــه بكل بغيــض السّبـْــك ِ والصـُّــــــوَر ِ
ولا اعتديتُ على الأنغام أشنقــُهـا
ولا صـَلـَبـْـــتُ الدّجى في دوحــــة ِ القـَــدَر ِ
ولا شربت ُ شعاعَ الفجر ِفي قـدَح ٍ
من اللهيب ِ، ونحــوَ الشـّمــس ِ لم أطِــــــر ِ
لذا يعد من شعراء النهضة العربية وخاصة في مجال الثقافة الادب الا انه شاعر منسي نسيته وسائل الاعلام وصحف وجلات الثقافة العربية وكتابها فلم يكتب فيه احد.
كتب فؤاد بليبل عن علاقة الشرق بالغرب في ثلاثينات القرن الماضي وما يشعر به من غدر الغرب وخبث وسياسته الظالمة ازاء البلدان العربية والشرق ككل وما يرومه الغرب من بلاد الشرق محذرا :
أيـُّهذا الشـرق ُ !! يكفيك َ عمى ً
فـــاتــَّق ِ الغـــرْب َ ... وكـــن ْ في حـَــذر ِ
فهْــوَ لـم يعشـَقـْك َ إلا مثــلمـــا
يعشـــــق ُ الجــزّار ُ سِــــــرْبَ البقــــــــر ِ
سائل ِالسكينَ عن هذا الوَلاءِ
وسَــــل ِ المسلــــخَ عـــــن ذاك الــــــوداد ِ
واحْذر ِ السُّـمَّ بمعسول ِ الطـِّلاءِ
واجتنِــــبْ في وردِهِ شـَــــــــوْكَ القتـــــاد ِ
لا تظنَّ الغربَ صَبـّـا ً مفتـَتـِـن ْ
بـِكَ،... فالغــربُ وَلــــوع ٌ بـفـَنـــاكـــــــا
أو تـَخـَلـْهُ خِدنكَ الكاسي المَر ِنْ
فهْوَ مــن جـِلـدِكَ يـا شــــرقُ كـســـاكــــا
وهو مــن لحـْمِــكَ غـَذاك َ ومن
دمـِـــكَ المسفــوك ِ عدوانـا ً سـَـــقاكـــــا
مُسـتبدّا ً جائرا ً باسم الإخاءِ
شائـِق َ الأقوال ِ شِــــــــريرَ المـُـــــــــراد ِ
قدّسَ الغدرَ ونادى بالوفـــاءِ
ويـْــــل ُ هذا الشـّرق ِ مـِن ذاك َ المُنــادي!
فؤاد بليبل شاعر وجداني اجتماعي عالج في شعره كثير الامور الاجتماعية التي لاحظها في المجتمع وفي قصيدته( ثائرة ..) الطويلة
يقول :
أسألت ِ مَن نبذوك ِ نبذ َ المُنـكـَر ِ
كــم بينهـــم مـــن فــاجــِــر ٍ مُتـَسَـــــتـِّر ِ؟؟؟
الخيِّـرونَ وهم أشـَــرُّ بني الورى
الأبريــــاءُ وليــــس فيهـِـــــم مــــن بـــــري
الصّائِمونَ المُفطِرون َ على الدِّمـا
الظـــامئون َ إلى النـّجــــيع ِ الأحـمـــــــــــر
أنا لستُ أعجبُ من فجورك ِحائرا ً
إني لأعجَــــبُ منـــك ِ إن لــــم تفجُـــــــري
فتـّشت ُ عن مترفـِّـق ٍ بكِ لم أجــِـــدْ
غيــرَ الحَقــــــود ِ الشـــــانئِ المـُتـَهَـــــوِّر
ويقول فيها بحكمة :
ولرُبَّ عاهرة ٍ إذا ما أ ُصْـلِحَتْ
كانــــت أعَـفَّ مِـــنَ العفــاف ِ الأطهــر ِ..
وقد كتب في الغزل مازجًا بين العفة والصراحة تعذبه الذكرى ويقلقه سؤال القلب يقول :
يا زَمانَ الهَوى وَعَهدَ الوِصالِ
مَن مُعيدٌ تِلكَ اللَيالي الخَوالي
حينَ كانَ الفُؤادُ حُرّاً طَليقاً
ناعِمَ البالِ خالِيَ البَلبالِ
هَمُّهُ في الحَياةِ أَن يَطرَحَ الهَم
مَ بَعيداً لِعابِدي الأَموالِ
مُستَخِفّاً بِالعَيشِ جدَّ قَنوعٍ
فَهوَ في عُسرِهِ سَعيدُ الحالِ
يَشتَكي الفَقرَ وَالكَفافَ سِواهُ
وَهوَ بِالفَقرِ وَالكَفافِ يُغالي
تَملِكُ الأُفقَ وَالنُجومَ يَداهُ
فَلِماذا يَشكو مِنَ الإِقلالِ
وله شعر في الرثاء قصيدته في ذكرى وفاة الزعيم المصري سعد زغلول يقول :
قـُمْ حَيِّ في ذكراهُ خيـرَ مُجـاهِد ِ
وقـُل ِ السّــلامَ على الزعيـــم ِ الخــالِــد ِ
أمُحَرِّرَ الوادي ومُـنـْقِذ َ شعبـِـه ِ
ألنـّيــــل ُ بعـــدك َ لا يطيـــــبُ لـِــــوارد ِ
انشد فؤاد قصائدا وكأنه يعيش بعض مآسي لبنان واحداثها قبل وقوعها يقول:
لا تبـْك ِ قتـْلاهُ ولا تترحَّــــم ِ
أحيــــاؤه ُ أولى بدمعـِـــك َ فاعْـلـــم ِ
وطنٌ توطـَّنـَهُ الشقاءُ فلم يدَع ْ
دارا ً من العَيش ِ الرغيـــــد ِ بمغـْنـَم ِ
لا مثــّلـَتْ رأيَ البلاد ِولا انتمى
فيهـا إلى غــير ِ الخيانــة ِ مـُنـْتـَـــــم ِ
ولتـَتـَّسِعْ للأجنبيِّ سهولـُهـــــا
وعلــى بنيهــا فـَلـْتـَضِِــق ْ ولـْتـَنـْقــُم ِ
لبنان! حسْبُك َ ذِلـّة ً وغضاضة ً
إني لـَيـُــؤلِمـُنــي شقـــاؤك َ فاســلـَــم ِ
واختم مقالتي هذه بالقول ان ديوانه ( اغاريد ربيع ) طبعه قريبه ( صهره ) ميشيل قسطندي عام \1941 واعاد طبعه عام\ 1963 وبهذه الابيات من شعره :
زحف اللـيل بـالـدُّجى والسكــــــــــــونِ
وغَفـا الكـونُ واستفـاقتْ شُجـونــــــــــي
كحَّل النـوم كلَّ جفْنٍ قـــــــــــــــــريرٍ
وأبى الغمْضُ أن يـزور جفـونـــــــــــــي
وأَوتْ وُكْنَهـا الطـيـــــــــــــــورُ وكفَّتْ
عـن غِنـاهـا، ولـم يكفَّ أنـيـنــــــــــي
واستـراح النِّيــــــــــــــام إلا فؤادًا
حـائرًا فـي الظلامِ نَهْبَ الظنـــــــــــون
لست أدري مـا بـي، أثــــــــــــورةُ وَجْدٍ
هـيَّجتْ سـاكـنَ الأسـى الـمكْنــــــــــون؟
أم سَقـامٌ ولـيس بـي مـن سقــــــــــــامٍ
أم جنـونٌ ولـيس بـي مـن جنـــــــــــون؟
طـال لـيلـي وطـال فـيـه وُجُومــــــــــي
فـمتى يـنجلـي بصـبحٍ مبـيـــــــــــــن؟
وحكَى لـونُه فُحـــــــــــــــــــومَةَ حظِّي
وبكى غـيـمُه بـدمعـي الهتـــــــــــــون
وأطلَّت عـلـيَّ مـنه وجــــــــــــــــــوهٌ
بـيـن وَضّاحةٍ وذاتِ غضــــــــــــــــــون
مـائلاتٌ للطَّرْفِ مُختفـيـــــــــــــــــاتٌ
نـاعسـاتٌ مستـيـقـظاتُ العـيـــــــــــون
بـاسمـاتٌ عـوابسٌ مقبـــــــــــــــــلاتٌ
مدبراتٌ ذواتُ عـنْفٍ ولِيــــــــــــــــــن
مُجْفلاتٌ لـدى الـتقـرُّبِ مـنهـــــــــــــا
خَشْيةَ اللـمسِ كـالجـواد الـــــــــــحَرون
مـن جـمـيلٍ عذبِ الكلام حـمـيـــــــــــدٍ
وقبـيحٍ مُرِّ الـمـلام لعـيـــــــــــــــن
وكريـمٍ صَدْقِ اللقـاء وفـــــــــــــــــيٍّ
ولئـيـمٍ جَمِّ الريـــــــــــــــــاء خؤون
وأمـيـنٍ عـلى عُهـود الـتَّصـابـــــــــــي
وعبـيثٍ بـالـودِّ غـيرِ أمـيــــــــــــــن
وسجـيـنٍ مـن القـيـود طلـيـــــــــــــقٍ
وطلـيـقٍ مـن القُيـودِ سجـيــــــــــــــن
وبـغـيضٍ صعْبِ الشكـيـمةِ قــــــــــــــاسٍ
وحـبـيبٍ سهلِ الـمِراسِ حنـــــــــــــــون
وسعـيـدٍ طَلْقِ الـمحـيَّا ضحــــــــــــــوكٍ
وشقـيٍّ بـادي العبـوس حـزيــــــــــــــن
صـورٌ مـن رُؤَى الخـيـــــــــــــال وأخرى
مـن بنـاتِ الأحـلام أهلِ الفتــــــــــون
غاديـاتٌ روائحٌ قـائمــــــــــــــــــاتٌ
جـالسـاتٌ عـن يَسـرَتـي ويـمـيـنـــــــــي
مُفصحـاتٌ بـالصـمت عـن كل معـــــــــــنًى
كـاشفـاتٌ عـن كل سـرٍّ مَصـــــــــــــــون
ذكريـاتٌ مـجسَّمـــــــــــــــــــاتٌ عِذابٌ
مؤلـمـاتٌ شقَّتْ حجـابَ السنـيـــــــــــــن
وتبـدَّتْ لنـاظريَّ ومـا كُنْـــــــــــــــــ
ـنـا عـلى مـوعـدٍ، فقـلـت: دعـيـنــــــي
*****************************