الغزل بالمذكر – غزل الغلمان
الغزل بالمذكر وهو اسوء حالات الغزل التي ظهرت في هذا العصر اتخذها المتهتكون والفساد والمفسدون لاشباع رغباتهم الجنسية الشاذة متخذين من نشوة السكر نافذة على افعالهم . وبلغ بهم الاستهتار حداً جعلهم يشذ ون عن المألوف، ويتغزلون بالغلمان والصبيان ، ويفضلونهم في كثير من الأحيان على المرأة الأنيقة المتبرجة،ومن شعرائهم ابو نؤاس ووالبة بن الحباب وحسين بن الضحاك ومسلم بن الوليد وغيرهم كثير وفي هذا يقول: يقول ابو نؤاس :
من يكن يعشق النساء فإني
مولع القلب بالغلام الظريف
ومن قول مسلم بن الوليد في الغزل بالمذكر \
خليلي لست ارى الحب عارا
فلا تعذلاني خلعت العذارا
وكيف يصير من قلبه
كان من الحب ان يستطارا
واحور وسنان ذي غنج
كأن بوجنته الجلنا را
شربت ونادمني شادن
صغير واني احب الصغارا
ومن الملاحظ ان حظ العواطف النفسية في هذا الشعر الماجن ضئيلة، أما حظ الشهوات الجسدية فموفور، لأن الشاعر الغزل الماجن لا يستجيب لنداء قلبه بقدر ما يستجيب لنداء جسده، فهو يبحث عن اللذة، ويجري وراءها ولا يلتفت إلى وميض الشوق في أعماقه، لأن قلبه فارغ من الحب، خال من الصبابة، لم يعشق واحدة بعينها ولم يخلص لمحبوبة بذاتها، لذا أتى شعره يموج بالأنين الحسي أكثر مما يموج بالأنين العاطفي، يسترسل في استعماله الألفاظ المكشوفة أكثر من استرساله في استعمال الألفاظ المستورة. ويدور على المعاني المفضوحة أكثر من دورانه على المعاني العفيفة وهذا التطور لا يتعلق بالصياغة والمعنى بقدر ما يتعلق بالمخاطب الذي يوجه إليه الغزل فقد وجد شعراء في هذا العصر، تأثروا بطبيعة الحياة الجديدة التي طرأت على المجتمع العباسي بسبب اختلاط العرب بالأعاجم وشيوع العادات والتقاليد الفارسية، وبدافع من نفوسهم المنحرفة، فحادوا عن الغزل بالمرأة إلى الغزل بالمذكر، وأول من راد هذا الطريق في الغزل المذكر، أبو نواس، لأسباب نفسية على الأكثر، ولأنه كان مجنياً عليه في صغره من قبل أستاذه والبه بن الحباب، فقد عمد أبو نواس إلى التغزل بالمذكر في مقدمة قصائده بدل الوقوف على الأطلال ومخاطبة الأنثى، وهو في غزله هذا يبث غلامه لواعج قلبه، ويطلب منه الوصل، ويصف جماله، تماماً كما يفعل في غزله للأنثى، وفي قصيدة له يعرض فيها بالعشاق العرب، لأنهم أحبوا نساء ولم يلتفتوا إلى حب الغلمان، ويرى في حب الرجل لغلام، لذة لا ترقى إليها لذة حبه للمرأة، يقول أبو نواس في غلام له اسماه رحمة متغزلا به :
أحببت من شعره بشار لحبكم
بيتاً كلفت به من شعر بشار
يا رحمة الله حلي في منازلنا
وجاورينا فدتك النفس من جار
إذا ابتهلت سألت الله رحمته
كنيت عنك وما يعدوك إضمار
ويشير الى شعرالشاعر بشار بن بردفيس ذلك .
وتابع أبو نواس في غزله بالمذكر كثير من الشعراء، كالبحتري الذي كان يحب غلاماً اسمه (نسيم) وحماد عجرد في حبه لغلام له اسماه (بشر) وعبد الله بن المعتز في صبابته بغلام اسماه (نشوان).
وعندما فشا هذا النوع من الغزل الخليع . ورأت القيان والإماء عزوف الشعراء عن متابعتهن ووصف محاسنهن، والتغزل بجمالهن، اتجهن اتجاهاً جديداً في الزي، فأصبحن يلبسن ثياباً تحاكي ثياب الغلمان بل هي نفسها، وأخذن يقصصن شعورهن على طريقة الغلمان، حتى يستلفتن شعراء المذكر لهن ثانية واستجاب الشعراء للدعوة ووقعوا في المصيدة، وراحوا يتغزلون بالغلاميات، فالحسين بن الضحاك يتغزل بغلاميته بقوله:
مؤزرة السربال مهضومة الحشا
غلامية التقطيع شاطرة القد
محنأة الأطراف رؤد شبابها
معقربة الصدغين كاذبة الوعد
أقول، ونفسي بين شوق وزفرة
وقد شخصت عيني ودمعي على الخد
أجيزي على من قد تركت فؤاده
بلحظته بين التأسف والجهد
**************************************
الحسين بن الضحاك الباهلي
هو ابو علي الحسين بن الضحاك بن ياسر الباهلي ويكنى بالحسين الخليع .ولد في البصرة سنة\ 162 ومات سنة250 فيكون عمره 88 سنة وقيل انه عمر اكثر من مذلك ونشأ بها ثم ارتحل الى بغداد واقام فيها، وكانت تلك الاقامة في الاعوام الاخيرة في عهد هارون الرشيد فقنع الحسين بن الضحاك بمنادمة ولده صالح ثم دخل الى منادمة اخيه الامين فلما تولى الامين الخلافة بعد وفاة والده اصبح من ندمائه والمقربين اليه فاجزل عليه العطايا الجوائزاسنية .
وجاء في معجم الادباء لياقوت الحموي ان الحسين بن الضحاك اصله من خراسان ، وهو مولى لولد سليمان بن ربيعة الباهلي الصحابي فهو مولى للباهليين وليس باهلي النسب والحسين هذا شاعراديب ظريف ماجن ولذلك لقب بالخليع، ويعد في الطبقة الاولى من شعراء الدولة العباسية المجيدين حيث كان شاعرا مطبوعا حسن التصرف في الشعر وتربطه علاقة وثيقة بالشاعر ابي نؤاس فاذا قال الحسين شعرا في الخمرة نسبه الناس الى ابي نؤاس
توفي عام \ 250 هجرية في زمن الخليفة المستعين بالله
وله غزل كثير اجاد فيه ، فمن ذلك قوله:
وصف البدر حسن وجهك حتى
خـلت انـي ومـا اراك اراكا
واذا ما تنفس النرجس الغض
تـوهـمته نـسـيم شـذاكـا
خـدع لـلمنى تـعللني فـيك
بـاشـراق ذا وبـهجة ذاكـا
وقال الحسين بن الضحاك:
اصبحت من اسراءالله من محتسبا
في الارض نحو قضاء الله والقدر
ان الثمانين اذ وفـيـت عـداتها
لم تبق باقـيـة مـنى ولـم تذر
..
****************************************