اسلام سيفلايزيشن -السيد فالح آل الحجية الكيلاني
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
اسلام سيفلايزيشن -السيد فالح آل الحجية الكيلاني

الحضارة الاسلامية باشراف المهندس خالدصبحي الكيلاني والباحث جمال الدين فالح الكيلاني


أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

الفصل السادس المعارضات في العصور الراكدة - القسم الاول

اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

فالح الحجية

فالح الحجية
Admin



الفصل السادس


المعارضات في العصور الراكدة





وفي عصر الدول المتتابعة الذي بدأ بسقوط بغداد عام 656هـجرية وانتهي سنة \ 1220هـجرية وذلك بقيام محمد علي باشا في مصر. و سيطرة العنصر التركي على البلاد العربية وسيادة المماليك في العالم الإسلامي ثم قيام الدولة العثمانية فقد امتازت هذه الفترة الطويلة بظهور الموسوعات الأدبيةوجمع شتات ما كتب من ابداع وتأليف في العلم والادب واللغة والدين الثقافة وانشغال الشعراء بالمحسنات البديعية في الأساليب لتغطية ضعف المضامين الشعرية ومعانيها .

وقد يكون هذا العصر والتي تلته من عصور الأدب العربي في مجال المعارضات الشعرية خصبا بسبب الضعف السياسي والحضاري الامر الذي انعكس على كل الجوانب الحياتية في المجتمع حتى الثقافي فكان ضعفاً فنيا . فاتجه الكثير من الشعراء باختيار قصائد سابقيهم ومحاكاتها او معارضتها الا ان هذا العصر لا يخلو من شعراء افذاذ مبدعين ولكنهم كانوا ندرة نادرة وفلتة من فلتات العصور الادبية منهم الشاعر البوصيري الصنهاجي الجزائري الاصل و صفي الدين الحلي العراقي وكذلك في عصرالنهضة العربية الشاعرمحمود سامي البارودي الباعث الحركة الشعرية من جديد وكذلك اميرالشعراء احمد شوقي . وغيرهم كثير من شعراء النهضة العربيةوالعصرالحديث .

اما صفي الدين الحلي فقد درجت سيرته ومعارضاته في الفصل السابق .

اما الشاعر البوصيري فقد كان اشهر شعراء العربية في عصره وهو محمد بن سعيد بن حماد الصنهاجي البوصيري الجزائري .



البوصيـــري



* هو شرف الدين أبو عبدالله محمد بن سعيد بن حماد الصنهاجي البوصيري يرجع بنسبه إلى قبيلة ( صنهاجة ) البربرية إحدى أكبر القبائل الأمازيغية المنتشرة في شمال إفريقيا، من ليبيا الى المغرب وقيل ان أصوله تعود لمنطقة دولة ( االحماديين) من ( قلعة حماد ) ويعرفون هناك (بني حبنون )أحد فروع قبيلة (صنهاجة ) التي استوطنت الصحراء االكبرى في جنوب المغرب العربي واالجزائر وقد ذكر ذلك في شعره فقال :

فقل لنا من ذا الأديب الذي
زاد به حبي ووسواسي

إن كان مثلي مغربيا فما
في صحبة الأجناس من باس

وان يكذب نسبتـــي جئته
بجبتي الصوف ودفـــــاس

الا ان عائلته انتقلت نحو الشرق فسكنت في صعيد مصر وتزوج والده من صعيد مصر فكان ابوه من الامازيغ البربر وامه من مدينة ( بهنس) من الصعيد المصري .

ولد في اواخر محرم الحرام وقيل في صفر من عام \ 608 هجرية الموافق لليوم السابع من مارس (اذار) من سنة 1212 للميلاد وقيل ولد في شوال من سنة \ 607 هجرية – 1211ميلادية وقيل في رواية اخرى ولد سنة \ 609هجرية – 1213 ميلادية . وولادته كانت بقرية ( دلاص) إحدى قرى (بني سويف) في صعيد مصر ,ووالدته منها وقيل من قرية (بهشيم )من اعمال (البهنساوية ) ، ثم انتقلت عائلته الى قرية ( بوصير )القريبة من مدينة ( الفيوم ) والقريبة من مسقط راسه في الجنوب المصري - الصعيد .

نشأ وترعرع في ( بوصير) فحفط القران الكريم ولما شب انتقل الى (القاهرة ) حيث تلقى علوم اللغة العربية والادب والثقافة والفقه وعنى بدراسة السيرة النبوية ومعرفة دقائق اخبار الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم وجوامع سيرته المعطرة.

ونظم البوصيري الشعر في صباه وشبابه ، وكتب أنواعاً من الشعر إلا انه مال إلى الزهد والتصوف فأتجه إلى المدائح النبوية، والشعر الصوفي ، وله قصائد كثيرة وقد غلب على الشعر في العصر المملوكي الذي عاشه البوصيري المدائح النبوية والموضوعات الدينية، ومنظومات الزهد والتصوف. فكانت قصائده بحق مدرسة لشعراء المدائح النبوية من بعده ونبراسا ينسج عليه الشعراء قصائدهم ، ويسيرون على نهجه ، فظهرت قصائد عديدة في فن المدائح النبوية ومنها قصائد البوصيري نفسه، فانتشرت بين ملايين المسلمين على مرّ العصور والازمنة واحبها المسلمون وحفظوا ابياتها ، و كانت دائمًا تشهد بريادة الإمام البوصيري وأستا ذيته لهذا الفن بلا منازع. وتعد قصيدته الميمية المسماة (البردة ) وهي قصيدته ( الكواكب الدرية في مدح خير البرية ) من أفضل المدائح النبوية واشهرها ومن عيون الشعر العربي ، ودرة ديوان شعر المديح في الإسلام ، وما ا جادت به قرائح الشعراء على مرّ العصور ، وقد أجمع النقاد والادباء على أنها أفضل المدائح النبوية بعد قصيدة الشاعر ( كعب بن زهير ) التي مطلعها :

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
متيم اثرها لم يفد مكبول

وقد نظم ثلاث قصائد بائية لا تقل اهمية عن ( البردة ) الاولى مطلها:

وافاكَ بالذنب العظيم المذنبُ
خجلا يُعنفُ نفسَه ويُؤنِّـبُ

ومطلع القصيدة الثانية :

بمدح المصطفى تحيا القلوبُ
وتُغتفرُ الخـطايا والذنوبُ

أما مطلع القصيدة الثالثة :

أزمعوا البين وشدوا الركابا
فاطلب الصبر وخلِّ العتابا

اما همزيته في مدح الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم فهي رائعة رائعة وتعتبر من عيون الشعرالعربي ومطلعها :


كيف ترقى رقيك ا لانبياء
يا سماء ما طاولتها سماء


لقد التحق الشاعر البوصيري بالوظيفة العامة وتولى الكثير من الوظائف العامة كالكتابة والجبايات ولقد آلمه كثيرا أخلاق الموظفين السيئة انذاك وذكر ذلك في شعره.

انكب البوصيري على دراسة مذهب الصوفية، فاطلع على سير عدد من المتصوفين قديماً وحديثاً كالحسن البصري ومعروف الكرخي والقشيري والجنيد البغدادي وعبد القادرالكيلاني وغاص فيها وتلقى الصوفية على يد أبي الحسن الشاذلي صاحب الطريقة الشاذ لية التصوف ،ثم التحق بشيخه العابد المتصوف ابي العباس المرسي ويعد قائد التصوف في وقته ومدح الطريقة الشاذلية ومؤسسها الامام ابا الحسن الشاذلي في شعره فقال:

أعْـنِي أَبـا الحَسَنِ الإِمامَ المُجْتَبَى
مِـــنْ هَــاشِـمٍ والـشَّـاذِليَّ الـمَـوْلِدِ

إنَّ الإِمـــــامَ الــشَّـاذِلـيَّ طَــرِيـقُـهُ
فِي الفَضْلِ واضحَةٌ لِعَيْنِ المُهْتَدِي

فـانْـقُـلْ ولـــوْ قَـدَمـاً عَـلَـى آثــارِهِ
فـــإذَا فَـعَـلْـتَ فَـــذاكَ آخَـــذُ بـالْـيَدِ


تتلمذ على يده الكثيرمن العلماء الافذاذ مثل ابي الفتح اليعمري الاشبيلي وعز الدين الكناني الحموي وأبي حيان الاندلسي وغيرهم كثير .

و قيل أن البوصيري أصيب بمرض الفالج ، أو ما يُسمى الآن بالشلل النصفي وقد أُقعده هذا المرض فنظم قصيدته ( البردة ) وهي قصيدة ميمية طويلة حيث نوى الإستشفاء بها والتقرب بها الى الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم . و قيل بعد ان اتم نظمه لها رأى في منامه النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، فقرأ عليه قصيدته ، فمسح النبي صلى الله عليه وسلم بيده الكريمة على جسده ، فقام من نومه معافىً بإذن الله وقيل انه راى النبي صلى الله عليه وسلم يغطيه ببردته فسمى قصيدته ( البردة ) وهي احدى ورائع الشعرالعربي ومطلعها :


أَمِـنْ تذكّر جيـرانٍ بذي ســــــــلم
مزجتَ دمـعًا جرى من مقلـة بـــــــدم


وقد عارضها الشعراء قديما وحديثا واشهر من عارضها ونسج على منوالها الشاعر المصري اميرالشعراء احمد شوقي بقصيدته المغناة اسماها ( نهج البردة ) ومطلعها :

ريم على القاع بين البان والعلم
احلت سفك دمي في الاشهر الحرم

قال ابن شاكر الكتبي في فوات الوفيات فيه :

( وشعره في غاية الحسن واللطافة ،عذب الألفاظ منسجم التراكيب )

وقال فيه اليعمري:
(هو أحسن من أبي الحسين يحيى الجزار وسراج الدين الوراق ، و بذلك نرى آن أحسن ما قاله البوصيري من شعر هو ما قاله في مدح الرسول الأعظم افضل الصلاة والسلام عليه واله وسلم)

تُوفِّي الإمام البوصيري رضي الله عنه بالإسكندرية سنة\ 698هجرية -الموافق ـ1295ميلادية عن عمر بلغ\ 87 عامًا .

يمتاز شعره بالرصانة والجزالة ، وجمال التعبير وحسنه والحس المرهف ، وقوة العاطفة و الرصانة والجزالة وأجاد في استعمال البديع، والبيان وغلبت على قصائده المحسنات البديعية كما انتشرت في عصره كما تميز شعره بقوة السبك واجاة المعاني، وقصائده تتميز بطول النفس والتفصيل والاستقصاء في المعاني فشعره حسن الديباجة مليح المعاني جميلها ويميل الى البساطة في روحه ومعناه ويميل إلى الاسترحام في بعض من شعره والى الدعابة في حالة الحرج وربما خرج احيانا عن حدود الرزانة والأدب . وتنتشر الكلمات العامية في شعره . ويميل فيه الى المحاججة والسخرية. واشتهر بمدائحه النبوية ، التي ذاعت شهرتها في الآفاق ، وتميزت بروحها العذبة ، وعاطفتها الصادقة ، وروعة معانيها ، وجمال تصويرها ، ودقة ألفاظها ، وحسن سبكها ، وبراعة نظمها

اهتم البوصيري بدراسة السيرة النبوية، ومعرفة دقائق السيرة النبوية المعطرة وأوقف شعره وفنه على مدح الرسول الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم . وكان من اشهر مدائحه النبوية قصائده البائية وكذلك همزيته وقد عورضت اغلب هذه القصائد من كبار الشعراء العرب .

وكذلك له العديد من القصائد اغلبها في المدائح النبوية منها قصيدته الحائية التي يقول فيها مناجيا الله سبحانه وتعالى ومطلعها :

يا من خـزائن مـلكـه مملـــــــــــــوءة
كرمًا وبابُ عطائـــــــــــه مفتـوح

وقصيدته الدالية ومطلعها :

إلهي على كل الأمور لك الحمد
فـليس لما أوليتَ من نعمٍ حـدُّ


اما قصيدته ( الكواكب الدرية في مدح خيرالبرية ) والتي عرفت باسم ( البردة ) تتكون من \160 بيتا من الشعر وهي من عيون الشعر العربي في مدح الحبيب المصطفى يقول فيها :

أَمِـنْ تذكّر جيـرانٍ بذي ســــــــلم
مزجتَ دمـعًا جرى من مقلـة بـــــــدم

أمْ هَبَّتْ الريحُ مِنْ تِلْقاءِ كاظِمَةٍ
وأوْمَضَ البَرْقُ فِي الظلْماءِ مِنْ إضَمِ

فما لِعَيْنَيْكَ إنْ قُلْتَ اكْفُفاهَمَتــــا
وَما لِقَلْبِكَ إنْ قُلْتَ اسْـــــــــــتَفِقْ يَهِمِ

أَيَحْسَبُ الصَّبُّ أنَّ الحُبَّ مُنْكتِمٌ
ما بَيْنَ مُنْسَـــــــجِمٍ منهُ ومُضْطَرِمِ

لولاَ الهَوَى لَمْ تُرِقْ دَمْعَاً عَلَى طَلَلٍ
ولا أَرِقْتَ لِذِكِرِ البَانِ والعَلَـــــمِ

فكيفَ تُنْكِرُ حُبّاً بعدَ ما شَهِـــدَتْ
بهِ عليكَ عدولُ الدَّمْعِ وَالسَّقَمِ

وَأَثْبَتَ الوجِدُ خَطَّيْ عَبْرَةِ وضَنىً
مِثْلَ البَهارِ عَلَى خَدَّيْكَ وَالعَنَمِ

نَعَمْ سَرَى طَيفُ مَنْ أهوَى فَأَرَّقَنِي
والحُبُّ يَعْتَرِضُ اللَّذاتِ بالألَمِ

يا لائِمِي في الهَوَى العُذْرِيِّ مَعْذِرَةً
مِنِّي إليكَ ولو أَنْصَفْتَ لَمْ تَلُمِ

عَدَتْكَ حالِي لا سِرِّي بِمُسْتَتِرٍ
عَنِ الوُشاةِ وَلا دائي بِمُنْحَسِمِ

مَحَّضْتَنِي النُّصْحَ لكِنْ لَسْتُ أَسْمَعُهُ
إنَّ المُحِبِّ عَنْ العُذَّالِ في صَمَمِ

إنِّي اتهَمْتُ نَصِيحَ الشَّيْبِ في عَذَلٍ
والشِّيْبُ أَبْعَدُ في نُصِحٍ عَنْ التُّهَمِ

فإنَّ أمَّارَتِي بالسُّوءِ ما اتَّعَظَتْ
مِنْ جَهْلِهَا بنذيرِ الشِّيْبِ وَالهَرَمِ

ولا أَعَدَّتْ مِنَ الفِعْلِ الجَمِيلِ قِرَى
ضَيفٍ ألمَّ بِرَأْسِي غيرَ مُحْتَشِمِ

مَنْ لِي بِرَدِّ جِماحٍ مِنْ غَوايَتِها
كما يُرَدُّ جِماحُ الخَيْلِ باللُّجُمِ

فلا تَرُمْ بالمعاصِي كَسْرَ شَهْوَتِها
إنَّ الطعامَ يُقَوِّي شَهْوَةَ النَّهِمِ

والنَّفْسُ كالطِّفْلُ إنْ تُهْمِلُهُ شَبَّ عَلَى
حُبِّ الرِّضاعِ وإنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِمِ

فاصْرِفْ هَواها وَحاذِرْ أنْ تُوَلِّيَهُ
إنَّ الهَوَى ما تَوَلَّى يُصْمِ أَوْ يَصِمِ

وَراعِها وهِيَ في الأعمالِ سائِمَةٌ
وإنْ هِيَ اسْتَحَلَتِ المَرعَى فلا تُسِمِ

كَمْ حَسَّنَتْ لَذَّةًً لِلْمَرْءِ قاتِلَــــــةً
مِنْ حَيْثُ لَمْ يّدْرِ أنَّ السُّمَّ في الدَّسَمِ

وَاخْشَ الدَّسائِسَ مِنْ جُوعٍ وَمِنْ شَبَعٍ
فَرَبَّ مَخْمَصَةٍ شَرٌّ مِنَ التُّخَـــــــمِ

واسْتَفْرِغِ الدَّمْعَ مِنْ عَيْنٍ قد امْتَلأَتْ
مِنَ المَحارِمِ وَالْزَمْ حِمْيَةَ النَّدَمِ

وخالِفِ النُّفْسَ والشَّيْطَانَ واعْصِهِمِا
وإنْ هُمَا مَحَّضَاكَ النُّصْحَ فاتَّهِمِ

وَلا تُطِعْ منهما خَصْماً وَلا حَكَماً
فأَنْتَ تَعْرِفُ كَيْدَ الخَصْمِ والحَكَمِ

أسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْ قَوْلٍ بِلاَ عَمَلٍ
لقد نَسَبْتُ به نَسْــــــلاً لِذِي عُقُمِ

أمَرْتُكَ الخَيْرَ لكنْ ما ائْتَمَرْتُ به
وما اسْتَقَمْتُ فما قَوْلِي لَكَ اسْتَقِمِ

ولا تَزَوَّدْتُ قبلَ المَوْتِ نافِلةً
ولَمْ أُصَلِّ سِوَى فَرْضٍ ولَمْ أَصُمِ

ظَلَمْتُ سُنَّةَ مَنْ أَحْيا الظَّلامَ إلَى
أنِ اشْتَكَت قَدَماهُ الضُّرَّ مِنْ وَرَمِ

وشدَّ مِنْ سَغَبٍ أحشاءهُ وَطَوَى
تَحْتَ الحِجَارَةِ كَشْحَاً مُتْرَفَ الأَدَمِ

وَأَكَّدَتْ زُهْدَهُ فيها ضرُورَتُهُ
إنَّ الضَّرُورَة لا تَعْدُو على العِصَمِ

وَكَيْفَ تَدْعُو إلَى الدُّنيا ضَرُورُةُ مَنْ
لولاهُ لَمْ تُخْرِجِ الدُّنيا مِنَ العَدَمِ

مُحَمَّدُ سَيِّدَ الكَوْنَيْنِ والثَّقَلَيْنِ
والفَرِيقَيْنِ مِنْ عُرْبٍ ومِنْ عَجَمِ

نَبِيُّنَا الآمِرُ النَّاهِي فلاَ أَحَدٌ
أبَّرَّ فِي قَوْلِ لا مِنْهُ وَلا نَعَمِ

هُوَ الحَبيبُ الذي تُرْجَى شَفَاعَتُهُ
لِكلِّ هَوْلٍ مِنَ الأهوالِ مُقْتَحَمِ

دَعا إلى اللهِ فالمُسْتَمْسِكُونَ بِهِ
مُسْتَمْسِكُونَ بِحَبْلٍ غيرِ مُنْفَصِمِ

فاقَ النَّبِيِّينَ في خَلْقٍ وفي خُلُقٍ
وَلَمْ يُدانُوهُ في عِلْمٍ وَلا كَرَمِ

وَكلُّهُمْ مِنْ رَسُــــــولِ اللهِ مُلْتَمِسٌ
غَرْفاً مِنَ الْبَحْرِ أَوْ رَشْفاً مِنَ الدِّيَمِ

ووَاقِفُونَ لَدَيْهِ عندَ حَدِّهِـــــــمِ
مِنْ نُقْطَة العِلْمِ أَوْ مِنْ شَكْلَةِ الحِكَمِ

فهْوَ الذي تَمَّ معناهُ وصُورَتُه
ثمَّ اصْطَفَاهُ حَبيباً بارِىءُ النَّسَمِ

مُنَزَّهٌ عَنْ شَرِيكٍ في محاسِنِهِ
فَجَوْهَرُ الحُسْنِ فيه غيرُ مُنْقَسِمِ

دَعْ ما ادَّعَتْهُ النَّصارَى في نَبيِّهِمِ
وَاحْكُمْ بما شْئْتَ مَدْحاً فيهِ واحْتَكِمِ

وانْسُبْ إلى ذانه ما شئْتَ مِنْ شَرَفٍ
وَانْسُبْ إلى قَدْرِهِ ما شِئْتَ منْ عِظَمِ

فإنَّ فَضْلَ رسولِ الله ليسَ لهُ
حَدُّ فيُعْرِبَ عنه ناطِـــــــــــقٌ بِفَمِ

لو ناسَبَتْ قَدْرَهُ آياتُهُ عِظَماً
أحْيا اسمُهُ حِينَ يُدْعَى دَارِسَ الرِّمَمِ

لَمْ يَمْتَحِنَّا بما تعْمل العُقولُ بِهِ
حِرْصاً علينا فلــــــــــــمْ ولَمْ نَهَمِ

أعْيا الوَرَى فَهْمُ معْناهُ فليس يُرَى
في القُرْبِ والبُعْدِ فيهِ غيرُ مُنْفَحِمِ

كالشِّمْسِ تَظْهَرُ لِلْعَيْنينِ مِنْ بُعُدٍ
صَغِيرةً وَتُكِلُّ الطَّــــــرْفَ مِنْ أُمَمِ

وَكيفَ يُدْرِكُ في الدُّنيا حَقِيقَتَهُ
قَوْمٌ نِيَامٌ تَسَـــــــلَّوْا عنهُ بالحُلُمِ

فمبْلَغُ العِلْمِ فيهِ أنهُ بَشـــــــــــَرٌ
وأنهُ خَيرُ خَلْــــــــــــقِ اللهِ كلِّهِمِ

وَكلُّ آيٍ أتَى الرُّسْلُ الكِرامُ بها
فإنما اتَّصَلَتْ مِنْ نُورِهِ بهِمِ

فإنَّه شّمْسُ فَضْلٍ هُمْ كَواكِبُها
يُظْهِرْنَ أَنْوَارَها للناسِ في الظُّلَمِ

أكْرِمْ بِخَلْقِ نَبِيٍّ زَانَهُ خُلُقٌ
بالحُسْنِ مُشْتَمِلٍ بِالبِشْرِ مُتَّسِمِ

كالزَّهْرِ في تَرَفٍ والبَدْرٍ في شَرَفٍ
والبَحْر في كَرَمٍ والدَّهْرِ في هَمَمِ

كأَنَّهُ وَهْوَ فَرْدٌ مِنْ جلالَتِـــــــهِ
في عَسْكَرٍ حينَ تَلْقَاهُ وفي حَشَمٍ

كَأنَّما اللُّؤلُؤُ المَكْنُونُ في صَدَفٍ
مِنْ مَعْدَنَيْ مَنْطِقٍ منهُ ومَبْتَسَمِ

لا طِيبَ يَعْدِلُ تُرْباً ضّمَّ أَعظُمَهُ
طُوبَى لِمُنْتَشِــــــقٍ منهُ وَمُلْتَثِمِ

أبانَ مَوْلِدُهُ عَنْ طِيبِ عُنْصُرِِ
يا طِيبَ مُبْتَدَإٍ منه ومُخْتَتَــــــمِ

يَوْمٌ تَفَرَّسَ فيه الفُرْسُ أنَّهمُ
قد أُنْذِرُوا بِحُلولِ البُؤْسِ والنَقَمِ

وباتَ إيوانُ كِسْرَى وَهْوَ مُنْصَدِعٌ
كَشَمْلِ أَصْحَابِ كِسْرَى غَيْرَ مُلْتَئِمِ

والنَّارُ خامِدَةُ الأنفاسِ مِنْ أَسَفٍ
عليهِ والنَّهْرُ ساهي العَيْنِ مِنْ سَدَمِ

وساءَ ساوَةَ أنْ غاضَتْ بُحَيْرَتُها
ورُدَّ وارِدُها بالغَيْـــــــــــظِ حينَ ظَمِي

كأنَّ بالنارِ ما بالماءِ مِنْ بَلَلٍ
حُزْناً وَبالماءِ ما بالنَّارِ مِنْ ضَرَمِ

والجِنُّ تَهْتِفُ وَالأَنْوارُ ساطِعَةٌ
وَالحَقُّ يَظْهَرُ مِنْ مَعْنَى ومِنْ كَلِمِ

عَمُوا وَصَمُّوا فإعْلانُ البَشائِرِ لَمْ
تُسْمَعْ وَبارِقَةُ الإِنْذَارِ لَمْ تُشَـــــــــمِ

مِنْ بَعْدِ ما أَخْبَرَ الأقْوامَ كاهِنُهُمْ
بأنَّ دينَهُمُ المُعْوَجَّ لَمْ يَقُــــــــمِ

وبَعْدَ ما عايَنُوا في الأُفْقِ مِنْ شُهُبٍ
مَنْقَضَّةِ وفْقَ ما في الأرْضِ مِنْ صَنَمِ

حَتى غدا عَنْ طَرِيقِ الوَحْيِ مُنْهَزِمٌ
من الشياطِينِ يَقْفُو إثْرَ مَنْهَزِمِ

كأنَّهُمْ هَرَبـــــــاً أَبطالُ أَبْرَهــــــةٍ
أَوْ عَسْكَرٌ بالحَصَى مِنْ رَاحَتَيْهِ رُمِي

نَبْذاً بهِهِ بَعْدَ تَسْبِيحِ بِبَطْنِهِما
نَبْذَ المُسَبِّحِ مِنْ أحشاءِ مُلْتَقِمِ

جاءتْ لِدَعْوَتِهِ الأشْجارُ ساجِدَةً
تَمْشِي إليهِ عَلَى ساقٍ بِلا قَدَمِ

كأنَّما سَطَرَتْ سَطْراً لِمَا كَتَبَتْ
فُرُوعُها مِنْ بَدِيعِ الخَطِّ في اللَّقَمِ

مِثْلَ الغَمَامَة أنَّى سَارَ سائِرَةٌ
تَقِيهِ حَرَّ وطِيسٍ لِلْهَجِيرِ حَمي

أقْسَمْتُ بالقَمَرِ المُنْشَقِّ إنَّ لَهُ
مِنْ قَلْبِهِ نِسْبَةٌ مَبْرُورُةَ القَسَمِ

ومَا حَوَى الغارُ مِنْ خَيرٍ وَمِنْ كَرَمٍ
وكلُّ طَرْفٍ مِنَ الكُّفَّارِ عنه عَمِي

فالصِّدْقُ في الغارِ والصِّدِّيقُ لَمْ يَرِمِا
وَهُمْ يقولونَ ما بالغارِ مِنْ أَرِمِ

ظَنُّوا الحَمامِ وظَنُّوا العَنْكَبُوتَ على
خَيْرِ البَرِيِّةِ لَمْ تَنْسُجْ ولمْ تَحُمِ

وِقاية اللهِ أغنَتْ عَنْ مُضَاعَفَةٍ
مِنَ الدُّرُوعِ وَعَنْ عالٍ مِنَ الأُطُمِ

ما سامَنِي الدَّهْرُ ضَيْماً وَاسْتَجَرْتُ به
إلاَّ اسْتَلَمتُ النَّدَى مِنْ خَيْرِ مُسْتَلَمِ

لا تُنْكِرِ الوَحْيَ مِنْ رُؤْيَاهُ إنَّ لهُ
قَلْباً إذا نامتِ العَيْنانِ لَمْ يَنَمِ

وذاكَ حينَ بُلوغِ مِنْ نُبُوَّتِهِ
فليسَ يُنْكِرُ فيهِ حالٌ مُحْتَلِمِ

تَبَارَكَ اللهُ ما وحْيٌ بِمُكْتَسَبٍ
وَلا نَبِيٌّ عَلَى غَيْبٍ بِمُتَّهَمِ

كَمْ أبْرَأْتَ وَصِباً باللَّمْسِ راحَتُهُ
وأَطْلَقَتْ أرِباً مِنْ رِبْقَةِ اللَّمَمِ

وأحْيَتِ السُنَّةُ الشَهْبَاءُ دَعْوتُهُ
حتى حَكضتْ غُرَّةَ في الأعْصُرِ الدُّهُمِ

بعارِضٍ جادَ أَوْ خِلْتَ البِطاحَ بها
سَيْبٌ مِنَ اليَمِّ أَوْ سَيْلٌ مِنَ العَرِمِ

دَعْنِي وَوَصْفِي آياتٍ لهُ ظَهَرَتْ
ظُهورَ نارِ القِرَى لَيْلاً عَلَى عَلَمِ

فالدُّرُّ يَزدادُ حُسْناً وَهْوَ مَنْتَظِمٌ
وَليسَ يَنْقُصُ قَدْراً غيرَ مَنْتَظِمِ

فما تَطَاوَلُ آمالُ المَدِيحِ إلى
ما فيهِ مِنْ كَرَمِ الأخلاقِ والشِّيَمِ

آياتُ حَقٍّ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثَةٌ
قَدِيمَةٌ صِفَةُ المَوصوفِ بالقِدَمِ

لَمْ تَقْتَرِنْ بِزمانٍ وَهْيَ تُخْبِرُنا
عَنِ المعادِ وعَنْ عادٍ وعَنْ إرَمِ

دامَتْ لَدَيْنا فَفاقَتْ كلَّ مُعْجِزَةٍ
مِنَ النَّبِيِّينَ إذْ جاءَتْ ولَمْ تَدُمِ

مُحَكَّماتٌ فما تُبْقِينَ مِنْ شُبَهٍ
لذِي شِقاقٍ وما تَبْغِينَ مِنْ حَكَمِ

ما حُورِبَتْ قَطُّ إلاَّعادَ مِنْ حَرَبٍ
أَعُدَى الأعادي إليها مُلْقِيَ السَّلَمِ

رَدَّتْ بَلاغَتُها دَعْوَى مُعارِضِها
رَدَّ الغَيُورِ يَدَ الجَاني عَنِ الحُرَمِ

لها مَعانٍ كَمَوْجِ البَحْرِ في مَدَدٍ
وفَوْقَ جَوْهَرِهِ فِي الحُسْنِ والقِيَمِ

فما تُعَدُّ وَلا تُحْصى عَجَائِبُها
ولا تُسامُ عَلَى الإكثارِ بالسَّأَمِ

قَرَّتْ بها عَيْنُ قارِيها فَقُلْتُ لهُ
لقد ظَفِرتَ بِحَبْلِ اللهِ فاعْتَصِمِ

إنْ تَتْلُها خِيفَةً مِنْ حَرِّ نارِ لَظىً
أَطْفَأْتَ نارَ لَظىً مِنْ وِرْدِها الشَّبِمِ

كَأَنَّها الحَوْضُ تَبْيَضُّ الوجوهُ به
مِنَ العُصاةِ وقد جاءُوهُ كَالحُمَمِ

وَكَالصَِراطِ وكالمِيزانِ مَعْدِلَةً
فالقِسْطُ مِنْ غَيرها في الناسِ لَمْ يَقُمِ

لا تَعْجَبَنْ لِحَسُودٍ راحَ يُنْكِرُها
تَجاهُلاً وهْوَ عَيْنُ الحاذِقِ الفَهِمِ

قد تُنْكِرُ العيْنُ ضَوْءَ الشِّمْسِ من رَمَدٍ
ويُنْكِرُ الفَمُّ طَعْمَ الماءِ كم سَقَمٍ

يا خيرَ منَ يَمَّمَ العافُونَ ساحَتَهُ
سَعْياً وفَوْقَ الأَيْنُقِ الرُّسُمِ

وَمَنْ هُوَ الآيَةُ الكُبْرَى لَمُعْتَبِرٍ
وَمَنْ هُوَ النِّعْمَةُ العُظْمَى لِمُغْتَنِمِ

سَرَيْتَ مِنْ حَرَمٍ لَيْلاً إلَى حَرَمٍ
كما سَرَى البَدْرُ في داجٍ مِنَ الظُّلَمِ

وَبِتَّ تَرْقَى إلَى أنْ نِلْتَ مَنْزِلَةً
مِنْ قَابِ قَوْسَيْنِ لَمْ تُدْرَكْ وَلَمْ تُرَمِ

وَقَدَّمتْكَ جَميعُ الأنبياءِ بِهـــــا
والرُّسْلِ تَقْدِيمَ مَخُدُومٍ عَلَى خَدَمِ

وأَنْتَ تَخْتَرِقُ السَّبْعَ الطَّباقَ بهِمْ
في مَوْكِبِ كُنْتَ فيهِ صاحِبَ العلَمِ

حتى إذا لَمْ تَدَعْ شَأْوَاً لِمُسْتَبِقٍ
مِنَ الدُّنُوِّ وَلا مَرْقَىً لِمُسْتَنِمِ

خَفَضْتَ كلَّ مَقامِ بالإِضافَةِ إذْ
نُودِيتَ بالرَّفْعِ مِثْلَ المُفْرَدِ العَلَمِ

كَيْمَا تَفُوزَ بِوَصْلٍ أَيِّ مُسْتَتِرٍ
عَنِ العُيُونِ وَسِرٍّ أَيِّ مُكْتَتِمِ

فَحُزْتَ كلَّ فَخَارٍ غَيْرَ مُشْتَرَكٍ
وَجُزْتَ كلَّ مَقامٍ غيرَ مُزْدَحَمِ

وَجَلِّ مِقْدَارُ ما وُلِّيتَ مِنْ رُتَبٍ
وعَزَّ إدْرَاكُ ما أُولِيتَ مِنْ نِعَمِ

بُشْرَى لَنَا مَعْشَرَ الإِسِلامِ إنًّ لنا
مِنَ العِنَايَةِ رُكْناً غيرَ مُنْهَدِمِ

لَمَّا دَعا اللهَ داعِينا لَطَاعَتِهِ
بأَكْرَمِ الرُّسْلِ كُنَّا أَكْرَمَ الأُمَمِ

راعِتْ قلوبَ العِدا أَنباءُ بِعْثَتِهِ
كَنَبْأَةٍ أَجْفَلَتْ غَفْلاً مِنَ الغَنَمِ

ما زالَ يَلْقاهُمَ في كلِّ مُعْتَرَكٍ
حتى حَكَوْا بالقَنا لَحْماً على وَضَمِ

وَدُّوا الفِرارَ فكادُوا يَغْبِطُونَ بهِ
أَشْلاَءَ شالَتْ مَعَ العِقْبَانِ والرَّخَمِ

تَمْضِي اللَّيالِي وَلا يَدْرُونَ عِدَّتها
ما لَمْ تَكُنْ مِنْ لَيالِي الأَشْهُرِ الحُرُمِ

كأنَّما الدِّينُ ضَيْفٌ حَلَّ سَاحَتَهُمْ
بِكلِّ قَرْمٍ إلَى لَحْمِ العِدا قَـــــــرِمِ

يَجُرُّ بَحْرَ خَمِيسٍ فوقَ سابِحَةٍ
يَرْمِي بِمَوجٍ مِنَ الأبطالِ مُلْتَطِمِ

مِنْ كلِّ مُنْتَدِبٍ للهِ مُحْتَسِـــــــبٍ
يَسْطو بِمُسْتَأْصِلٍ لِلْكُفْرِ مُصْطَلِمِ

حتَّى غَدَتْ مَلَّةُ الإسلامِ وهِيَ بِهِمْ
مِنْ بَعْدِ غُرْبَتِها مَوْصُولَةَ الرَّحِمِ

مَكْفُولَةً أَبَداً مِنهمْ بِخَيْرِ أَبٍ
وخيرِ بَعلٍ فَلَمْ تَيْتَمْ وَلَمْ تَئِمِ

همُ الجِبالُ فَسَلْ عنهمْ مُصادِمَهُمْ
ماذا رأى مِنْهُمُ في كلِّ مُصطَدَمِ

وسَلْ حُنَيْناً وسَلْ بَدْراً وَسَلْ أُحُداً
فُصُول حَتْفٍ ملهُمْ أَدْهَى مِنَ الوَخَمِ

المُصْدِرِي البِيضَ حُمْراً بعدَ ما وَرَدَتْ
مِنَ العِدا كُلَّ مُسْوَدٍّ مِنَ اللِّمَمِ

وَالكاتِبِينَ بِسُمْرِ الخَطِّ مَا تَرَكَتْ
أقْلامُهُمْ حَرْفَ جِسْمٍ غَيْرَ مُنْعَجِمِ

شاكِي السِّلاحِ لهمْ سِيمَى تُمِيِّزُهُم
والوَرْدُ يَمْتازُ بالسِّمَى عَنِ السَّلَمِ

تُهْدِي إليكَ رِياحُ النَّصْرِ نَشْرَهُمُ
فَتَحْسَبُ الزَّهْرَ في الأكمامِ كلَّ كَمِي

كأنَّهمْ في ظُهُورِ الخَيْلِ نَبْتُ رُباً
مِنْ شَدَّةِ الحَزْمِ لاَ مِنْ شِدَّةِ الحُزُمِ

طارَتْ قلوبُ العِدا مِنْ بَأْسِهِمْ فَرْقاً
فما تُفَرِّقُ بينَ البَهْمِ والبُهَمِ

ومَنْ تَكُنْ بِرَسُولِ اللهِ نُصْرَتُهُ
إنْ تَلْقَهُ الأُسْدُ في أجامِها تَجِمِ

ولَنْ تَرَى مِنْ وَلِيٍّ غَيْرَ مُنْتَصِرِ
بهِ ولا مِنْ عَدُوٍّ غيْرَ مُنْقَصِمِ

أحَلَّ أُمَّتَهُ في حِرزِ مِلَّتِهِ
كاللَّيْثِ حَلَّ مَعَ الأشبالِ في أُجَمِ

كَمْ جَدَّلَتْ كلماتُ اللهِ مِنْ جَدِلٍ
فيهِ وكم خَصَمَ البُرْهانُ مِنْ خَصِمِ

كفاكَ بالعِلْمِ في الأُمِيِّ مُعْجِزَةً
في الجاهِليَّةِ وَالتَّأْدِيبِ في اليُتُمِ

خَدَمْتُهُ بِمَدِيحٍ أسْــــــتَقِيلُ بِهِ
ذُنُوبَ عُمْرٍ مَضَى في الشِّعْرِ والخِدَمِ

إذْ قَلَّدانِيَ ما تُخْشَى عَواقِبُهُ
كأنَّني بِهِمــــــــا هَدْيٌ مِنَ النَّعَمِ

أطعتُ غيَّ الصَبَا في الحَالَتينِ وَما
حَصَلْتُ إلاَّ عَلَى الآثَامِ والنَّدَمِ

فيا خَسَارَةَ نَفْسٍ في تِجَارَتِها
لَمْ تَشْتَرِ الدِّينَ بالدُّنيا ولَمْ تَسُمِ

وَمَنْ يَبِعْ آجِلاً منهُ بِعاجِلِهِ
بَيْنَ لهُ الغَبْنُ في بَيْعٍ وَفي سَلَمِ

إنْ آتِ ذَنْباً فما عَهْدِي بِمُنْتَقِضٍ
مِنَ النبيِّ وَلا حَبْلِي بِمُنْصَرِمِ

فإنَّ لِي ذِمَّةً منهُ بِتَسْمِيَتي
مُحمداً وَهْوَ أَوْفَى الخَلْقِ بالذِّمَمِ

إنْ لَمْ يَكُنْ في مَعادِي آخِذاً بِيَدِي
فَضْلاً وَإلاَّ فَقُلْ يا زَلَّةَ القَدَمِ

حاشاهُ أنْ يَحْرِمَ الرَّاجِي مَكارِمَهُ
أَوْ يَرْجِعُ الجارُ منهُ غيرَ مُحَتَرَمِ

وَمُنْذُ ألزَمْتُ أفكارِي مَدائِحَهُ
وَجَدْتُهُ لِخَلاَصِي خيرَ مُلْتَزِمِ

وَلَنء يَفُوتَ الغِنَى مِنْهُ يَداً تَرِبَتْ
إنَّ الحَيا يُنْبِتُ الأزهارَ في الأُكَمِ

وَلَمْ أُرِدْ زَهْرَةَ الدُّنيا التي اقتَطَفَتْ
يَدَا زُهَيْرٍ بما أَثْنَى عَلَى هَرَمِ

يا أكْرَمَ الرُّسْلِ مالِي مَنْ أَلوذُ به
سِواكَ عندَ حلولِ الحادِثِ العَمِمِ

وَلَنْ يَضِيقَ رَسولَ اللهِ جاهُكَ بي
إذا الكريمُ تَحَلَّى باسْمِ مُنْتَقِمِ

فإنَّ مِنْ جُودِكَ الدنيا وضَرَّتَها
وَمِنْ عُلُومِكَ عِلمَ اللَّوْحِ والقَلَمِ

يا نَفْسُ لا تَقْنُطِي مِنْ زَلَّةٍ عَظُمَتْ
إنَّ الكَبَائِرَ في الغُفْرانِ كاللَّمَمِ

لَعَلَّ رَحْمَةَ رَبِّي حينَ يَقْسِمُه
تأْتي عَلَى حَسَبِ العِصْيانِ في القِسَمِ

يارَبِّ وَاجْعَلْ رَجائي غَيرَ مُنْعَكِسِ
لَدَيْكَ وَاجْعَلْ حِسابِي غَيْرَ مُنْخَرِمِ

وَالْطُفْ بِعَبْدِكَ في الدَّاريْنِ إنَّ لَهُ
صَبْراُ مَتى تَدْعُهُ الأهوالُ يَنْهَزِمِ

وَائْذَنْ لِسُحْبِ صلاةٍ مِنكَ دائِمةً
عَلَى النَّبيِّ بِمُنْهَلٍّ ومُنْسَجِمِ

ما رَنَّحَتْ عَذَباتِ البانِ ريحُ صَباً
وأطْرَبَ العِيسَ حادي العِيسِ بِالنَّغَمِ


https://falih.ahlamontada.net

الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى