اسلام سيفلايزيشن -السيد فالح آل الحجية الكيلاني
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
اسلام سيفلايزيشن -السيد فالح آل الحجية الكيلاني

الحضارة الاسلامية باشراف المهندس خالدصبحي الكيلاني والباحث جمال الدين فالح الكيلاني


أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

الشاعر العربي الامير عبد القادر الجزائي

اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

فالح الحجية

فالح الحجية
Admin


الأمير عبدالقادر شاعراً



كان الأمير عبدالقادر الجزائري فارسا في مضمار الأدب شعرا ونثرا مثلما كان محاربا لايشق له غبار في ساحة الحرب. وله ديوان جمعه ابنه محمد وأطلق عليه اسم “نزهة الخاطر في قريض الأمير عبدالقادر”. وقد صنف الأديب الجزائري الدكتور محمد ناصر محتويات هذا الديوان حسب مراحل حياته إلى ثلاثة أقسام: قسم نظمه بالجزائر أيام الجهاد يغلب عليه طابع الفخر والحماسة والتغني بالشرف والبطولة، وقسم ثان قاله وهو أسير في فرنسا يتضمن ضراعته لله والتوسل برسوله أن يزيل عنه آلامه، وأحيانا يكون متغزلا غزلا عفيفا، أما القسم الثالث فقد نظمه بعد إطلاق سراحه، وطرق فيه كل الموضوعات التقليدية المعروفة من مدح وتهنئة ووصف وغزل ومساجلات وإخوانيات.
ويتباين مستواه الشعري بين قصيدة وأخرى، وإذا كانت بعض مقطوعاته تتسم بضعف لغوي وعروضي، فإن ذلك قليل وهو أفضل من أكثر الشعر الذي نظم في عصر العثمانيين الذي انحدر فيه فن العربية الأول. وحسبه صدق عاطفته ووقدة إحساسه وتنزهه عن التبذل الذي شاع في العصر المذكور، فقد كان الشعر عنده رسالة مجد للقيم العربية الإسلامية كما كان لدى كبار شعراء العروبة، وهو القائل:
إذا جهلت مكان الشعر من شرف
فأي مفخرة أبقيت للعرب.
ومن أبياته في الفخر والحماسة بعد أن انتصر على أربعة جيوش فرنسية وعلى كثير من القبائل التي انضمت إليها:
لنا في كل مكرمة مجالُ
ومن فوق السماك لنا رجالُ
ركبنا للمكارم كل هول
وخضنا أبحرا ولها زجال
إذا عنها توانى الغير عجزا
فنحن الراحلون لها العجال
رفعنا ثوبنا عن كل لوم
وأقوالي تصدقها الفعال
ولو ندري بماء المزن يروى
لكان لنا على الظمأ احتمال
ونحلم إن جنى السفهاء يوما
ومن قبل السؤال لنا نوال
ورثنا سؤددا للعرب يبقى
وما تبقى السماء ولا الجبال
لهم همم سمت فوق الثريا
حماة الدين دأبهم النضال
سلوا تخبركم عنا فرنسا
ويصدق إن حكت منها المقال
فكم لي فيهم من يوم حرب
به افتخر الزمان ولا يزال
ومن قصيدة بعث بها إلى جنوده في جبال “جرجرة” يحثهم على مواصلة القتال وكان الأعداء قد أرجفوا بموته، فلم يعبا بشائعتهم وظل يجاهد وينظم الشعر ممتدحا رجاله مستنفرا هممهم:
تفديهم نفسي وتفدي أرضهم
أزكى المنازل يا لها من منزل
الصادقون الصابرون لدى الوغى
الحاملون لكل ما لم يُحمل
كم جاهدوا كم طاردوا وتجلدوا
للنائبات بصارم وبمقول
وعلى غرار شعراء العرب الفرسان يقول في قصيدة يخاطب بها زوجته مصورا مواقفه النضالية واستماتته في مواجهة أعدائه حتى يظفر بإحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة ، وهو الشعار الذي رفعه وحققه أبطال العروبة والإسلام على مدى الأحقاب في أمة تلد الثائر في أعقاب ثائر، ولا تقبل بديلا عن شرف الفداء في سبيل الدين والشرف والكرامة، ولسان حال أبنائها المقاتلين قول الشاعر:
ولست أبالي حين أقتل مؤمنا
على أي جنب كان في الله مصرعي
يقول البطل الجزائري:
تسائلني أم البنين وإنها
لتعلم من تحت السماء بأحوالي
ألم تعلمي يا ربة الخدر أنني
أجلي هموم القوم في يوم تجوالي
وأغشى مضيق الموت لا متهيبا
وأحمى ذمار الحي في يوم تهوال
أمير إذا ما كان جيشي مقبلا
وموقد نار الحرب إذ لم يكن صالي
وبي تتقي يوم الطعان فوارس
تخالينهم في الحرب أمثال أشبال
وعني سلي جيش الفرنسيس تعلمي
بأن مناياهم بسيفي وعسالي
سلي الليل عني كم شققت أديمه
على ضامر الجنبين معتدل عال
سلي البيد عني والمفاوز والربى
وسهلا وحزنا كم طويت بترحالي
فما همتي إلا مقارعة العدا
وهزمي أبطالا شدادا بأبطالي
فلا تهزئي بي واعلمي أنني الذي
أهاب ولو أصبحت تحت الثرى بالي
وإذا كنا مازلنا نردد بيت المتنبي المأثور في إيثار البدو على الحضر وهو قوله:
حسن الحضارة مجلوب بتطرية
وفي البداوة حسن غير مجلوب
فإن عبدالقادر محيي الدين قد عزف على هذا الوتر في قصيدة من أجود ما نظم صياغة وصورا تختلف بجدتها عما نعرفه من شعره التقليدي، إذ يقول في وصف جمال البادية خلال رحلة الصيد في الفلوات:
يا عاذرا لامرئ قد هام في الحضر
وعاذلا لمحب البدو والقفر
لا تذممن بيوتا خف محملها
وتمدحن بيوت الطين والحجر
فيا لها وقفة لم تبق من حزن
في قلب مضنى ولا كَدّاً لذي ضجر
نباكر الصيد أحيانا فنبغته
فالصيد منا مدى الأوقات في ذعر
يوم الرحيل إذا شدت هوادجنا
شقائق عمها مزن من المطر
نلقى الخيام وقد صفت بها فغدت
مثل السماء زهت بالأنجم الزهر
الحسن يظهر في بيتين رونقه
بيت من الشِّعر أو بيت من الشَّعَر
وحين أطلقت فرنسا سراح الأمير الشاعر الفارس الأسير صدح مثل الطائر الحبيس الذي أفلت من قفص بعد أن اختار مأمنه ومأواه في استانبول عاصمة الخلافة العثمانية، فتذكر حمام مكة الآمن، وترنم مناجيا قلبه الذي تحرر من أصفاد العبودية:
اسكُنْ فؤادي وقَرَّ الآن في جسدي
فقد وصلتَ بحبل الله أحبالا
هذا المقام الذي قد كنت تأمله
فطب بالا بلقياه وطب حالا
وعش هنيئا فأنت اليوم آمن من
حمام مكة إحراما وإحلالا
آمنت من كل مكروه ومظلمة
فبح بما شئت تفصيلا وإجمالا
وهو يمزج حنينه إلى أهله وأحبته، وقد حال بينه وبينهم نفيه، بذكريات المعارك التي خاضها، وذلك في قصيدة من عيون أشعاره تقترب من الأفق الذي حلق فيه البارودي وهو يتحسر على فراق وطنه مرغما بعد أن قلب له الدهر ظهر المجن، كما تستدعي إلى ذاكرتنا أيضا روميات أبي فراس الحمداني التي قالها في الأسر وأشجاها وقعا في النفس هذان البيتان:
أقول وقد ناحت بقربي حمامة
أيا جارتنا لو تعلمين بحالي
أجارتنا ما أنصف الدهر بيننا
تعالي أقاسمك الهموم تعالي
لقد أطلق رائد الشعر العربي في الجزائر مثل هذه الأنّّات والزفرات في قوله:
حنيني ، أنيني، زفرتي ومضرتي
دموعي، خضوعي، قد أبان الذي عندي
ومن عجب صبري لكل كريهة
وحملي أثقالا تجل عن العد
ولست أهاب البِيض كلا ولا القنا
بيوم تصير الهام للبِيض كالغمد
ولا هالني زحف الصفوف وصوتها
بيوم يشيب الطفل فيه مع المرد
وأرجاؤها أضحت ظلاما وبرقه
سيوفا وأصوات المدافع كالرعد
ويتبين من هذه الشواهد تأثر الشاعر الفارس عبدالقادر الجزائري بالتراث الشعري وتضمينه بعض الأبيات أو شطورها في قصائده كما يتجلى استلهامه أمجاد أجداده من المسلمين الأوائل وشيمهم في النجدة والمروءة. ومن ذلك الأبيات الآتية التي نظمها حينما ارتاد: بستانا مطلا على جبل أحد الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: “هذا الجبل يحبنا ونحبه”، إذ هاجت الشاعر ذكرى الغزوة التاريخية التي وقعت بقربه:
تذكرت وشك البين قبل حلوله
فجادت عيوني بالدموع على الخد
وفي القلب نيران تأجج حرها
سرت في عظامي ثم صارت إلى جلدي
وما لي نفس تستطيع فراقهم
فيا ليت قبل البين سارت إلى اللحد
إلى الله أشكو ما ألاقي من النوى
وحملي ثقيل لاتقوم به الأيدي
بطيبة طالب العيش ثم تمررت
حلاوته فالنحس أربى على السعد
أردد طرفي بين وادي عقيقها
وبين قباها ثم ألوي على أحد
منازل من أهواه طفلا ويافعا
وكهلا إلى أن صرت بالشيب في برد
الأمير عبدالقادر العالم الصالح
لا غرو أن يكون الفارس الشاعر الجزائري في صدارة أهل عصره علما وتقوى، فقد نشأ وترعرع في بيئة دينية وحفظ القرآن ودرس الفقه كما أوردنا آنفا ، لما بلغ مبلغ الشباب صار بيته مقصد طلاب العلم وموئل المقتدين بأصحاب المثل السامية والعاملين بالحديث الشريف: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”. وكانت مكانته العلمية صنواً لفروسيته ورافدة لشعره ونثره. وقد زاده علما مصاحبته العلماء في تونس ومصر والحجاز وحضوره مجالس كبار العلماء في الجامع الأموي بدمشق التي قضى بها شطرا من حياته، وألف كتابه “المواقف” ورسالة تسمى “ذكرى العاقل في تنبيه الغافل”.
وقد قام بدور المصلح التقي العادل في أثناء مقامه منفيا في دمشق ، إذ يرجع إليه الفضل في إخماد لهيب الفتنة الطائفية التي نشبت بين المسلمين والمسيحيين في لبنان سنة 1860 بدافع من عقيدته الإسلامية ونزعته القومية والإنسانية . وكان دفاعه عن المسيحيين وإنقاذ الآلاف منهم من المذابح محلا لإعجاب ملوك العالم ورؤسائه، فبعثوا إليه برسائل الشكر مصحوبة بالأوسمة وإشارات التقدير.
وكان الأمير عبدالقادر الجزائري متصوفا، وقد تأثر في شعره الصوفي بمحيي الدين بن عربي في “الفتوحات المكية” وقلد ابن الفارض في صياغته، ولكن تصوفه ينبع من الموارد الإسلامية الأصيلة ومن حبه للنبي الكريم وآل بيته، فهو يختلف عن اتجاهات (أصحاب الطرق) الذين لم يأخذوا من الإسلام الجوهر بل جنحوا إلى الشكل وولع بعضهم بالخرافات. ومن ثم كانت صحيفة حياته بيضاء من غير سوء بما قدم لدينه وقومه ولديوان الشعراء الفرسان من مآثر لن تنساها الأجيال، وسوف يظل دائما مضرب المثل فيما ينبغي أن يكون عليه المسلم من
تقوى وورع ومن مروءة وإقدام وإرداة صلبة في الدفاع عن الدين والوطن مهما اشتد الكرب وعظمت التضحيات في السلم أو في الحرب

https://falih.ahlamontada.net

الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى