اسلام سيفلايزيشن -السيد فالح آل الحجية الكيلاني
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
اسلام سيفلايزيشن -السيد فالح آل الحجية الكيلاني

الحضارة الاسلامية باشراف المهندس خالدصبحي الكيلاني والباحث جمال الدين فالح الكيلاني


أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

الشاعر ابو دهبل الجمحي بقلم -فالح الحجية

اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

فالح الحجية

فالح الحجية
Admin



أبو دهبل الجمحي

هو وهب بن زمعة بن أسيد بن أحيحة بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب القريشي. أحد الشعراء المشهورين من قريش من أهل مكة .
أمه امرأة من هذيل واسمهاهذيلة بنت سلمة. وإياها يعني بقوله:
أنا ابن الفروع الكرام التي
هذيلٌ لأبياتـهـا سـائلة
هم ولدوني وأشبهتـهـم
كما تشبه الليلة القـابـلة
كان أبو دهبل رجلاً جميلاً شاعراً وكانت له جمة يرسلها فتضرب منكبيه وكان عفيفاً وقال الشعر في آخر خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومدح معاوية وعبد الله بن الزبير وقد كان ابن الزبير ولاه بعض أعمال اليمن. وله أخبار كثيرة مع عمرة الجمحية وعاتكة بنت معاوية .في شعره رقة وجزالة
كان رجلا صالحاً ولاه عبد الله بن الزبير بعض أعمال اليمن وتوفي وكان أبو دهبل رجلاً سيداً من أشراف بني جمح وكان يحمل الحملات ويعطي الفقراء ويقري الضيف.
وقد أقطع الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك الشاعر أبا دهبل الجمحي القرشي أرضاً بمنطقة (الدارسة) في (جازان). وعلاقة الشاعر بجازان ربمـا بدأت منذ إمارة عبد الله بن الزبير التي قامت بين سنتي \ 63 و 73 هـجرية حيث ولاه عبد الله بن الزبير عملاً في جنوب الجزيرة العربية وربما يكون هذا العمل بمنطقة الدارسة بجازان ـ وأن سليمان بن عبد الملك أعدها له .
فقيل قدم سليمان مكة في حر شديد فكان ينقل سريره بفناء الكعبة وأعطى الناس العطاء. فلما بلغ بني جمح نودي بأهل دهبل .
فقال سليمان:أين أبو دهبل الشاعر؟ علي به .
فجيئ به
فقال سليمان: أنت أبو دهبل الشاعر؟
قال: نعم
قال: فأنت القائل :
فتنةٌ يشعـلـهـا ورادهـا
حطب النار فدعها تشتعل

فإذا ما كان أمنٌ فـأتـهـم
وإذا ما كان خوفٌ فاعتزل
قال: نعم.
قال: وأنت القائل:
يدعون مروان كيما يستجيب لهـم
وعند مروان خار القوم أو رقدوا
قد كان في قوم موسى قبلهم جسد
عجلٌ إذا خار فيهم خورةً سجدوا
قال: نعم.
قال: أنت القائل هذا ثم تطلب ما عندنا لا والله ولا كرامة!
فقال: يا أمير المؤمنين، إن قوماً فتنوا فكافحوكم بأسيافهم وأجلبوا عليكم بخيلهم ورجلهم ثم أدالكم الله منهم فعفوتم عنهم وإنما فتنت فقلت بلساني فلما لا يعفى عني!
فقال سليمان: قد عفونا عنك وأقطعه قطيعةً بحازان باليمن.
فقيل لسليمان: كيف أقطعته هذه القطيعة!
قال: أردت أن أميته وأميت ذكره بها.
وورد في شعره كثير من الامكنة بما فيها جـازان. حيث يقول:
سقى الله جازانا ومن حل ولية وكل مسيل من سهام وسردد
وقيل أن قوماً مروا براهب فسالوه عن أشعر الناس؟
فقال: وهبٌ من جمح.
وقال أبو دهبل يفخر بقومه:
قومي بنو جمح قوم إذا انحـدرت
شهباء تبصر في حافاتها الزغفـا
أهل الخلافة والموفون إن وعـدوا
والشاهد والروع لا عزلاً ولا كشفا

وكذلك يفخر بنفسه وقومه قوله:
أنا أبو دهـبـل وهـبٌ لـوهـب
من جمحٍ في العز منها والحسب
والأسرة الخضراء والعيص الأشب
ومن هذيل والدي عالي النـسـب
أورثني المجد أبٌ من بـعـد أب
رمحي رديني وسيفي المستلـب
وبيضتي قونسهـا مـن الـذهـب
درعي دلاصٌ سردها سردٌ عجب
والقوس فجاء لـهـا نـبـلٌ ذرب
محشورةٌ أحكم منهن الـقـطـب
ليوم هيجاء أعدت لـلـرهـب
ومدح بحير بن ريسان فقال فيه:

بحير بن ريسان الذي سكن الجند
يقول له الناس الجواد ومن ولـد
له نفحاتٌ حين يذكر فـضـلـه
كسيل ربيع في ضحاضحة السند

ومد ح عمارة بن عمرو بن حزم عامل عبد الله بن الزبير على حضرموت فقال يمدحه وعرض بابن الأزرق البهرزي عامل عبد الله بن الزبير على اليمن لانه قصده فلم يجبه فقال:

يا رب حـي بـخـير مـا
حييت إنسـانـاً عـمـاره

أعطي فـأسـنـانـاً ولـم
يك من عطيته الصغـاره

ومن العطـية مـا تـرى
جذماه ليس لـهـا نـزاره

حجراً تـقـلـبـه وهـل
تعطي على المدح الحجارة

كالبغـل يحـمـد قـائمـاً
وتذم مشيته الـمـصـاره
الا انه عاد اليه فمدحه كونه كان قريبه فاجزاه واكرمه
فقال ابودهبل في مدحه :

يا حن إني لما حدثتـنـي أصـلا
مرنح من صميم الوجد معـمـود

نخاف عزل امرىء كنا نعيش بـه معروفه إن طلبنا الجود موجـود

اعلم بأني لمن عاديت مضطـغـنٌ
ضباً وأني عليك اليوم محـسـود

وأن شكرك عندي لا انقضاء لـه
ما دام بالهضب من لبنان جلمـود

أنت الممدح والمغلي به ثـمـنـاً
إذ لا تمدح صم الجندل الـسـود

إن تغد من منقلي نجران مرتحـلا
يرحل من اليمن المعروف والجود

ما زلت في دفعات الخير تفعلهـا
لما اعترى الناس لأواءٌ ومجهـود

حتى الذي بين عسفانٍ إلـى عـدنٍ
لحبٌ لمن يطلب المعروف أخدود

ولما استشهد الحسين بن علي بن ابي طالب رضي الله عنهما رثاه الشاعر ابو دهبل في ابيات منها :

تبيت سكارى من أمـية نـومـا
و بالطف قتلي ما ينام حميمهـا

وما أفسد الإسلام إلا عـصـابة
تأمر نوكاها ودام نـعـيمـهـا

فصارت قناة الدين في كف ظالمٍ
إذا اعوج منها جانب لا يقيمهـا
ومن اخباره قيل انه كان قد احب امرأة من قومه يقال لها (عمرة ) وكانت امرأةً جزلة تحب الشعر فيجتمع إليها الرجال للمحادثة وإنشاد الشعر والأخبار وكان أبو دهبل لا يفارق مجلسها مع كل من يجتمع إليها وكانت هي أيضاً تبادله الحب وزعمت بني جمح أنه تزوجها وزعم غيرهم أنه لم يصل إليها. حيث كانت (عمرة ) توصيه بحفظ ما بينهما من حب وكتمانه عن الاخرين فضمن لها ذلك فوشي اليها انه اظهر ذلك حتى تحدثت به أشراف قريش في مجالسها وسوقة أهل الحجاز في أسواقها والسقاة في مواردها! فقررت التخلي عن مجلسها فاحتجبت ومنعت كل من كان يجالسها من الوصول إليها. وجاء أبو دهبل على عادته فاحتجبت عنه . ففي ذلك يقول:
تطاول هذا اللـيل مـا يتـبـلـج
وأعيت غواشي عبرتي ما تفـرج
وبت كـئيبـاً مـا أنـام كـأنـمـا
خلال ضلوعي جمرةٌ تـتـوهـج
فطوراً أمني النفس من عمرة المنى
وطوراً إذا ما لج بي الحزن أنشج
لقد قطع الواشون ما كان بـينـنـا
ونحن إلى أن يوصل الحبل أحوج
أخطط في ظهر الحصير كأنني
أسيرٌ يخاف القتل ولهان ملفج
وكذلك يقول في حبه لها ايضا :
أَيا كَبِدي طارَت صُدوعاً نَوافِذاً
وَيا حَسرَتي ماذا تَغَلغَلَ في القَلبِ
فَأُقسِمُ ما غُمشُ العُيونِ شَوارِفٌ
رَوائِمُ بَوٍّ جاثِماتٌ عَلى سَقبِ
يُشَمِّمنَهُ لَو يَستَطِعنَ اِرتَشَفنَهُ
إِذا سُفنَهُ يَردُدنَ نَكباً عَلى نَكبِ
بِأَوجَدَ مِنّي يَومَ زالَت حُمولُهُم
وَقَد طَلَعَت أولى الرِكابِ مِنَ النَقبِ
كُلُّ مُلِمّاتِ الأُمورِ وَجَدتُّها
سِوى فُرقَةِ الأَحبابِ هَيِّنَةَ الخَطبِ

ومن اخباره قيل :حجت عاتكة بنت معاوية بن أبي سفيان فنزلت من مكة ب(ذي طوى) ولما كانت الهاجرة واشتد الحر وهي جالسة امرت جواريها فرفعن الستر وهي جالسةٌ في مجلسها- وكان قد انقطع الطريق - وعليها شفوفٌ لها تنظر إلى الطريق . إذ مر بها أبو دهبل الجمحي وكان من أجمل الناس وأحسنهم منظراً فوقف طويلاً ينظر إليها وإلى جمالها وكانت مضرب المثل في الحسن والجمال وهي غافلة عنه فلما فطنت له سترت وجهها وأمرت بطرح الستر وشتمته.
فقال أبو دهبل :
إني دعاني الحين فاقتادنـي
حتى رأيت الظبي بالبـاب
يا حسنه إذا سبني مـدبـرا
مستتراً عني بجـلـبـاب
سبحان من وقفها حـسـرة
صبت على القلب بأوصاب
يذود عنها إن تطلبـتـهـا
أبٌ لها لـيس بـوهـاب
أحلها قصراً منيع الـذرى
يحمى بأبواب وحـجـاب

وأنشد أبو دهبل هذه الأبيات لبعض إخوانه فشاعت بمكة واشتهرت انشادا وغناءا حتى سمعتها عاتكة فضحكت ثم ارسلت اليه بكسوة ً. فلما صدرت عن مكة خرج معها إلى الشأم ونزل قريباً منها فكانت تعاهده بالبر واللطف حتى وردت دمشق وورد معها فانقطعت عن لقائه وبعد من أن يراها ومرض بدمشق مرضاً طويلاً. فقال في ذلك :

طال ليلي وبت كالـمـحـزون
ومللت الـثـواء فـي جـيرون
وأطلت المقام بالـشـأم حـتـى
ظن أهلي مرجمات الظـنـون
فبكت خشية التـفـرق جـمـلٌ
كبكاء القـرين إثـر الـقـرين
وهي زهراء مثل لـؤلـؤة الـغ
واص ميزت من جوهر مكنون
وإذا ما نسبتهـا لـم تـجـدهـا
في سناء من الـمـكـارم دون
ثم خاصرتها إلى القبة الـخـض
راء تمشي في مرمرٍ مسنـون
قبةٌ من مراجـل ضـربـوهـا
عند برد الشتاء فـي قـيطـون
عن يساوي إذا دخلت من الـبـا
ب وإن كنت خارجاً عن يمينـي
ولقد قلت إذ تطاول سـقـمـي
وتقلبت ليلـتـي فـي فـنـون
ليت شعري أمن هوى طار نومي
أم براني الباري قصير الجفـون

وشاع هذا الشعر حتى بلغ معاوية فأمسك عنه حتى إذا كان في يوم الجمعة دخل عليه الناس وفيهم أبو دهبل فقال معاوية لحاجبه:
إذا أراد أبو دهبل الخروج فامنعه واردده إلي. –
وجعل الناس يسلمون وينصرفون فقام أبو دهبل لينصرف
فناداه معاوية:
-- يا أبا دهبل إلي
فلما دنا إليه أجلسه حتى خلى به ثم قال له:
ما كنت ظننت أن في قريش أشعر منك حيث تقول:-

ولقد قلت إذ تطاول سـقـمـي
وتقلبت ليلـتـي فـي فـنـون
ليت شعري أمن هوىً طار نومي
أم براني الباري قصير الجفـون
غير أنك قلت:
وهي زهراء مثل لؤلـؤة الـغ
واص ميزت من جوهر مكنون
وإذا ما نسبتها لـم تـجـدهـا
في سناء من المـكـارم دون

ووالله إن فتاةً أبوها معاوية وجدها أبو سفيان وجدتها هند بنت عتبة لكما ذكرت وأي شيء زدت في قدرها ولقد أسأت في قولك :

ثم خاصرتها إلى القبة الخض
راء تمشي في مرمر مسنون

فقال: والله يا أمير المؤمنين ما قلت هذا وإنما قيل على لساني.
فقال له: أما من جهتي فلا خوف عليك لأني أعلم صيانة ابنتي نفسها وأعرف أن فتيان الشعر لم يتركوا أن يقولوا النسيب في كل من جاز أن يقولوه فيه وكل من لم يجز وإنما أكره لك جوار يزيد وأخاف عليك وثباته فإن له سورة الشباب وأنفة الملوك.
و أراد معاوية أن يهرب أبو دهبل فتنقضي المقالة عن ابنته فحذر أبو دهبل فخرج إلى مكة هارباً على وجهه فكان يكاتب عاتكة. فبينا معاوية ذات يوم في مجلسة إذ جاءه خادم له فقال:
- يا أمير المؤمنين، والله لقد سقط إلى عاتكة اليوم كتاب فلما قرأته بكت ثم أخذته فوضعته تحت مصلاها وما زالت خاثرة النفس منذ اليوم. - فقال له: اذهب فالطف لهذا الكتاب حتى تأتيني به.
فانطلق الخادم فلم يزل يلطف حتى أصاب منها غرةً فأخذ الكتاب وأقبل به إلى معاوية فاذا به من ابي دهبل كتب لها شعرا :

أعاتك هلا إذا بخلـت فـلا تـرى
لذي صبورة زلفى لديك ولا حقـا

رددت فؤاداً قد تولى بـه الـهـوى
وسكنت عيناً لا تمـل ولا تـرقـا

ولكن خلعت القلب بالوعد والمنـى
ولم أر يوماً منك جودا ولا صدقـا

أتنسين أيامي بربـعـك مـدنـفـاً
صريعاً بأرض الشأم ذا سقم ملقى

وليس صديقٌ يرتضـى لـوصـيةٍ
وأدعو لدائي بالشراب فما أسقـى

وأكبر همي أن أرى لك مـرسـلاً
فطول نهاري جالسٌ أرقب الطرقا

فواكبدي إذ ليس لي منك مجـلـسٌ
فأشكو الذي بي من هواك وما ألقى

رأيتك تزدادين للـصـب غـلـظة
ويزداد قلبي كل يوم لكم عشـقـا

فلما قرأ معاوية هذا الشعر بعث إلى يزيد بن معاوية فأتاه فدخل عليه فوجد معاوية مطرقاً
فقال: يا أمير المؤمنين ما هذا الأمر الذي شجاك؟ -
قال: أمر أمرضني قلقني منذ اليوم وما أدري ما أعمل في شأنه. قال: وما هو يا أمير المؤمنين؟
قال: هذا الفاسق أبو دهبل كتب بهذه الأبيات إلى أختك عاتكة فلم تزل باكيةً منذ اليوم وقد أفسدها فما ترى فيه؟
فقال: الله إن الرأي لهينٌ.
قال: وما هو؟
قال: عبدٌ من عبيدك يكمن له في أزقة مكة فيريحنا منه.
قال معاوية: أف لك؟ والله إن امرأً يريد بك ما يريد ويسمو بك إلى ما يسمو لغير ذي رأيٍ وأنت قد ضاق درعك بكلمة وقصر فيها باعك حتى أردت أن تقتل رجلاً من قريش أو ما تعلم أنك إذا فعلت ذلك صدقت قوله وجعلتنا أحدوثةً أبداً؟
قال: يا أمير المؤمنين إنه قال قصيدة أخرى تناشدها أهل مكة وسارت حتى بلغتني وأوجعتني وحملتني على ما أشرت به فيه.
قال معاوية : وما هي؟ قال :

ألا لا تقل مهلاً فقد ذهب المهـل
وما كل من يلحى محباً له عقـل

لقد كان في حولين حالا ولـم أزر
هواي وإن خوفت عن حبها شغل

حمى الملك الجبار عني لقـاءهـا
فمن دونها تخشى المتالف والقتل

فلا خير في حب يخاف وبـالـه
ولا في حبيبٍ لا يكون له وصـل

فواكبدي إني شهرت بـحـبـهـا
ولم يك فيما بيننـا سـاعةً بـذل

ويا عجباً إني أكـاتـم حـبـهـا
وقد شاع حتى قطعت دونها السبل

فقال معاوية: قد والله رفهت عني فما كنت آمن أنه قد وصل إليها فأما الآن وهو يشكو أنه لم يكن بينهما وصل ولا بذلٌ فالخطب فيه يسير قم عني .
فقام يزيد فانصرف. فلما كان موعد الحج حج معاوية في تلك السنة فلما انقضت أيام الحج كتب أسماء وجوه قريش وأشرافهم وشعرائهم وكتب فيهم اسم أبي دهبل ثم دعا بهم ففرق في جميعهم صلاتٍ سنيةً وأجازهم جوائز كثيرةً. فلما قبض أبو دهبل جائزته وقام لينصرف دعى به معاوية فرجع إليه فقال له:
- يا أبا دهبل ما لي رأيت أبا خالد يزيد بن أمير المؤمنين عليك ساخطاً في قوارص تأتيه عنك وشعرٍ لا تزال قد نطقت به وأنفذته إلى خصمائنا وموالينا لا تعرض لأبي خالد.
فجعل يعتذر إليه ويحلف له أنه مكذوبٌ عليه.
فقال له معاوية: لا بأس عليك وما يضرك ذلك عندنا هل تأهلت؟ قال: لا.
قال: فأي بنات عمك أحب إليك؟
قال: فلانة
قال: قد زوجتكها وأصدقتها ألفي دينار وأمرت لك بألف دينار.
فلما قبضها قال:
- إن رأي أمير المؤمنين أن يعفو لي عما مضى! فإن نطقت ببيت في معنى ما سبق مني فقد أبحت به دمي وفلانة التي زوجتنيها طالقٌ البتة. فسر بذلك معاوية وضمن له رضى يزيد عنه ووعده بإدرار ما وصله به في كل سنة وانصرف إلى دمشق. ووقيل لم يحج معاوية في تلك السنة إلا من أجل أبي دهبل وشعره في ابنته

ومن اخباره ايضا قيل انه اراد الخروج للغزو فلما وصل الى (جيرون ) جاءته امرأةٌ فأعطته كتاباً فقالت: اقرا لي هذا الكتاب
فقراه لها فذهبت ودخلت قصرا ثم خرجت فجاءت اليه فقالت له :
لو بلغت معي القصر فقرات الكتاب على امراة كان لك اجرا ان شاء الله
فذهب معها فلما دخل القصر شاهد جوار كثيرة فيه و شاهد امراة وضيئة جميلة فاغلقن الباب ودعته المراة الجميلة الى نفسها فاعتذر ولن يرض بذلك فامرت بحبسه فحبس في القصر حتى ضعف واصبح هزيلا مشرفا على الموت فقال لها :
-اني رضيت على ان اتزوجك.
فرضيت فتزوجها واقا م عندها فترة طويلة تاركا اولاده وبناته وزوجته الاولى حتى يئس اهله منه وظنوه ميتا فاقتسموا ميراثه بينهم واقامت زوجته تبكي عليه حتى عشر بصرها فقال لزوجته الشامية : انك قد اثمت فيّ وفي ولدي واهلي واني مشتاق اليهم . فسمجت له بالذهاب اليهم بعد ان اخذت عليه عهدا ا ن يعود بعد سنة فصار الى عياله فلما جاء اليهم وجدهم قد اقتسموا مالديه من مال عندهم فقال لهم : لا والله ما بيني وبينكم انتم قد ورثتموني وانا على قيد الحياة فهو حظكم فما جئت به هو لزوجتي امكم خالصا لها وحدها وقال لزوجته :
شأنك به فهو لك كله .
وفي ذلك يقول:
:
صاح حـياً الإلـه حـيا ودوراً
عند أصل القناة مـن جـيرون

عن يساري إذا دخلت من البـا
ب وإن كنت خارجاً عن يميني

فبذاك اغتربت في الشأم حتـى
ظن أهلي مرجمات الظنـون

وهي زهراء مثل لؤلـؤة الـغ
واص ميزت من جوهرٍ مكنون

وإذا ما نسبتها لـم تـجـدهـا
في سناء من المـكـارم دون

تجعل المسك واليلنـجـوج وال
ند صلاءً لها على الكـانـون

ثم ماشيتها إلى القبة الـخـض
راء تمشي في مرمر مسنـون

وقبابٍ قد أسـرجـت وبـيوت
نظمت بالريحان والـزرجـون

قبة من مراجل ضـربـوهـا

عند حد الشتاء فـي قـيطـون

ثم فارقتها على خـير مـا كـا
ن قرينٌ مـفـارقٌ لـقـرين

فبكت خشية التفـرق لـلـبـي
ن بكاء الحزين إثر الـحـزين

واسألي عن تذكري واطمئنـي
لأناسي إذا هـم عـذلـونـي

فلما حل الأجل وأراد الخروج إلى زوجته الشامية جاءه خبر موتها فأقام في بلده مع عياله ولم يرجع .
وقيل أن أبا ريحانة وهو علي بن اسيد بن احيحة عم أبي دهبل كان شديد الخلاف على عبد الله بن الزبير فتوعده عبد الله بن صفوان فلحق بعبد الملك بن مروان فاستمده الحجاج فأمده عبد الملك بطارق مولى عثمان في أربعة آلاف فأشرف أبو ريحانة على جبل (أبي قبيس) فصاح أبو ريحانة:
أليس قد أخزاكم الله يأهل مكة!
فقال له ابن أبي عتيق: بلى والله قد أخزانا الله.
فقال له عبد الله ابن الزبير: مهلاً يا بن أخي!
فقال: قلنا لك ائذن لنا فيهم وهم قليل فأبيت حتى صاروا إلى ما ترى من الكثرة.
وقال أبو دهبل في وعيد عبد الله بن صفوان عمه أبا ريحانة :

ولا توعد لتقـلـتـه عـلـيا
فإن وعـيده كـلأٌ وبـــيل
ونحن ببطن مكة إذ تـداعـى
لرهطك من بني عمرو رعيل
أولو الجمع المقدم حين ثابـوا
عليك ومن يودعهـم قـلـيل
فلمـا أن تـفـانـينـا وأودى
بثروتنا الترحـل والـرحـيل
جعلت لحومنا غرضاً كـأنـا
لتهلكنا عـروبة أو سـلـول

رثى ابو دهبل ابن الأزرق فدفن بعليب فلما احتضر أبو دهبل أيضاً أوصى أن يدفن عنده وفيه يقول أبو دهبل يرثيه:

لقد غال هذا اللحد من بطن عليبٍ
فتًى كان من أهل الندى والتكرم
فتى كان فيما ناب يوماً هو الفتى
ونعم الفتى للطارق المـتـيم
أألحق أني لا أزال على مـنًـى
إذا صدر الحجاج عن كل موسم
سقى الله أرضاً أنت ساكن قبرها
سجال الغوادي من سحيلٍ ومبرم
وقيل خرج ابو دهبل يطلب ميراثٌا له بمصر ثم رجع من الطريق فوجد زوجته قد ماتت ودفنت في (عليب ) فقال:
اسلمي أم دهبلٍ بعـد هـجـر
وتقضٍّ من الزمـان وعـمـر
واذكري كري المطي إلـيكـم
بعد ما قد توجهت نحو مصـر
لا تخالي أني نسـيتـك لـمـا
حال بيشٌ ومن به خلف ظهري
إن تكوني أنت المقدم قـبـلـي
وأطع يثوي عند قبرك قـبـري

قال إبراهيم: فوقفت على قبره إلى جانب قبرها (بعليبٍ
وتوفي (بعليب ( موضع بتهامة سنة \ 126 هجرية ودفن فيها جنب قبر ابو الازرق البهرزي والى قبر زوجته حسب وصيته وما جاء في شعره اعلاه .
ومن شعره هذه الابيات

تَطاوَلَ هذا اللَيلُ ما يَتَبَلَّج
وَأَعيَت غَواشي عَبرَتي ما تَفَرَّجُ
أَبيتُ كَئيباً لِلهُمومِ كَأَنَّما
خِلالَ ضُلوعي جَمرَةٌ تَتَوَهَّجُ
فَطَوراً أَمَنّي النَفسَ مِن تَكتَمِ المُنى
وَطَوراً إِذا ما لَجَّ بي الحُزنُ أَنشِجُ
وَأَبصَرتُ ما مَرَّت بِهِ يَومَ يَأجَجِ
ظِباءٌ وَما كانَت بِهِ العَينُ نَخلِجُ
فَإِنَّكِ عَينٌ قَد أَهِبتِ بِصاحِبٍ
حَبيبٍ لَهُ في الصَدرِ حُبٌّ مُوَلَّجُ
لقد قَطَعَ الواشونَ ما كانَ بَينَنا
وَنَحنُ إِلى أَن يُوصَلَ الوَصلُ أَحوَجُ
رَأَوا عَورَةً فَاِستَقبَلوها بِأَلبِهِم
فَراحوا عَلى ما لا نُحِبُّ وَأَدلَجوا
فَلَيتَ الأُولى هُم كَثَّروا في فِراقِنا
بِأَجمَعِهِم في لُجَّةِ البَحرِ لَجَّجوا
هُمُ مَنَعونا ما نَلَذُّ وَنَشتَهي
وَأَذكَوا عَلَينا نارَ صُرمِ تُؤَجَّجُ
وَكانوا أُناساً كُنتُ آمَنُ عَيبَهُم
فَلَم يَنهَهُم حِلمٌ وَلَم يَتَحَرَّجوا
وَلَو تَرَكونا لا هَدى اللَهُ أَمرَهُم
وَلَم يُبرِموا قَولاً مِنَ النَقرُ يُنسَجُ
لَأَوشَكَ صَرفُ الدَهرِ تَفريقَ بَينَنا
وَلا يَستَقيمُ الدَهرُ وَالدَهرُ أَعوَجُ
عَسَت كُربَةٌ أَمسَيتُ فيها مُقيمَةٌ
يَكونُ لَنا مِنها رَخاءُ وَمَخرَجُ
فَيُكبَتَ أَعداءُ وَيَجذَلَ آلِفٌ
لَهُ كَبِدٌ مِن لَوعَةِ الحُزنِ يُلعَجُ
وَأَشفَقَ قَلبي مِن فِراقِ خَريدَةٍ
لَها نَسَبٌ في فَرعِ فِهرٍ مُتَوَّجُ
وَقُلتُ لِعَبّادٍ وَجاءَ كِتابُها
لِهذا وَرَبّي كانَتِ العَينُ تَخلِجُ
َإِنّي لَمَخزونٌ عَشِيَّةَ زُرتُها
وَكُنتُ إِذا ما زُرتُها لا أُعَرَّجُ
وَخَطَّطتُ في ظَهرِ الحَصيرِ كَأَنَّني
أَسيرٌ يَخافُ القَتلَ وَلهانُ مُفصَجُ
وَلَمّا اِلتَقَينا لَجلَجَت في كَلامِها
وَمِن آيَةِ الصُرمِ الحَديثُ المُلَجلَجُ
كَأَنَّ وَساويسَ الحُلِيِّ إِذا مَشَت
وَشارَفَهُنَّ اللُؤلُؤُ المُتَشَرَّجُ
َخَشُّشُ بالي عِشرِقٍ زَجَلَت بِهِ
يَمانِيَةٌ هَبَّت مِنَ اللَيلِ سَجسَجُ
فَأَعيا عَلَيَّ القَولُ وَالقَولُ واسِعٌ
وَفي القَولِ مُستَنٌّ كَثيرٌ وَمَخرَجُ


********************

https://falih.ahlamontada.net

الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى